الروح الخالدة للانتصار .. من غزوات النبوة إلى نصر أكتوبر


بقلم الدكتورة : زينب بسيوني ابو اليزيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر

الحمد لله الذي بالنصر وعد جنده، وبالعزّ استخلف عبده، الحمد لله الذي هزم الأحزاب وحده وصلَّى اللهم وسلّم على النبي الهمام المقدام خير الرجال وأشجع من خاض الوغى وتقدم غمار المكاره ﴿من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا﴾.

 وبعد؛؛؛؛

إن انتصار السادس من أكتوبر عام 1973، الذي أضاء سماء مصر والعرب بالكرامة والعزة، لم يكن مجرد حدث عسكري عابر، بل كان تجسيدًا عمليًا لدروس خالدة مستمدة من هدي القرآن الكريم والسنة النبوية، خاصة في غزوتي بدر الكبرى والخندق (الأحزاب). هذه المقارنة لا تعني المماثلة في الزمان والتفاصيل، بل تشير إلى التشابه في المبادئ والقيم الإيمانية والعسكرية التي صنعت النصر في كلتا الحقبتين

– بدر وأكتوبر: قوة الإيمان والتخطيط المحكم ، تُعد غزوة بدر وحرب أكتوبر مثالين ساطعين على تحقيق النصر في ظل تفاوت كبير في موازين القوى المادية، معتمدين على قوة الإيمان والتخطيط البشري المحكم.

أ. عنصر المفاجأة والأخذ بالأسباب في غزوة بدر، اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم على التخطيط الاستراتيجي في اختيار الموقع والتحكم في موارد المياه. كانت هذه الخطوة من الأخذ بالأسباب المادية مع التوكل على الله، قال تعالى:  :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ     .وفي أكتوبر، جسدت القوات المسلحة هذا المبدأ من خلال عملية الخداع الاستراتيجي واختيار التوقيت (يوم الغفران اليهودي) لضمان عنصر المفاجأة، الذي كان عاملاً حاسمًا في اختراق خط بارليف. وقد أُطلق على عملية العبور الكبرى اسم “بدر”، تيمناً بهذه الروح القتالية

– اليقين بنصر الله وعامل المعنويات في بدر، كان عدد المسلمين قليلاً (حوالي 313 رجلاً) مقارنة بجيش قريش. لكن اليقين الصادق بنصر الله كان هو القوة الخفية، كما وصفه الله تعالى في كتابه: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

.كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لربه واستغاثته (كما ورد في السيرة النبوية) شاهداً على هذا التوكل.

وفي حرب أكتوبر، بعد الهزيمة في 1967، كانت استعادة الروح المعنوية للجندي المصري وبناء عقيدة قتالية جديدة تتسم بالثقة والإقدام هي اللبنة الأولى للنصر. وكان شعار “الله أكبر” الذي ردده الجنود أثناء العبور صدى لهذا اليقين الإيماني، مذكراً بفضل الله في بدر:( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الخندق وأكتوبر: الصبر والثبات والوحدة تعكس غزوة الخندق (الأحزاب) وحرب أكتوبر دروسًا جوهرية في الصبر على المحن، والتحصين الدفاعي، ووحدة الصف لمواجهة تحالفات الأعداء.

– التحصين والدفاع المدروس في غزوة الخندق، استخدم المسلمون تكتيك حفر الخندق بناءً على مشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه، وهو نوع من الاستراتيجية الدفاعية التي عطلت هجوم الأحزاب. يمثل هذا درسًا في الابتكار العسكري وعدم الجمود على خطط قديمة، مع الإشارة إلى حالة الترقب والصبر التي مرّ بها المسلمون خلال الحصار، كما وصفها القرآن :(إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)

.في أكتوبر، كان العمل على تدمير خط بارليف هو الخطوة المقابلة لتكتيك الخندق، حيث كان هذا الخط يمثل أكبر عائق دفاعي. كذلك، كان الصبر والمثابرة على إعادة بناء الجيش سراً خلال سنوات الاستنزاف هو التعبير الحديث عن ثبات أهل الإيمان في محنة الخندق.

– وحدة الصف ومواجهة التحالفات ، أوضحت غزوة الخندق أهمية وحدة الأمة في مواجهة تحالفات الأعداء (الأحزاب). حيث كان صمود المسلمين نابعًا من التفافهم حول قيادتهم (النبي صلى الله عليه وسلم).

وفي حرب أكتوبر، تجلت وحدة الصف العربي في الدعم السياسي والاقتصادي (استخدام سلاح النفط) والعسكري (التنسيق مع الجبهة السورية)، وهو ما عزز الموقف المصري. هذا التلاحم يجسد المعنى القرآني لوحدة الأمة على كلمة الحق: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)