الإمام أحمد الرفاعي: شيخ الطرائق وأبو العلمين

بقلم الشيخ : عوض مصطفى 

يُعدّ الإمام أحمد الرفاعي أحد كبار أقطاب الصوفية، وإليه تُنسب الطريقة الرفاعية، التي انتشرت في المشرق والمغرب وخلّدها التاريخ بسيرته الزاهدة وكراماته العظيمةلقّب بـ أبي العلمين وشيخ الطرائق والشيخ الكبير وأستاذ الجماعة، لما جمعه من علمٍ ظاهرٍ وباطنٍ، وعقلٍ راجحٍ وروحٍ زاهدةٍ سامية.

ولد الإمام أحمد الرفاعي سنة 1118م في مدينة البصرة بالعراق، ونشأ نشأةً علميةً عميقة في بيتٍ عرف بالورع والصلاح والده هو علي بن يحيى الرفاعي، وقد كان من أهل العلم والتقوى، أما عقيدته فهي عقيدة أهل السنة والجماعة، وكان شافعي المذهب في الفقه توفي الإمام سنة 1182م في واسط بالعراق، حيث دفن هناك وشيّد مريدوه زاويته ومسجده الشهير.


نشأته العلمية وتكوينه الروحي :
نشأ الإمام أحمد الرفاعي منذ طفولته على حب العلم، وبدأ رحلته في حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، على يد الشيخ عبد السميع الحربوني في قريته.

ثم انتقل مع خاله ووالدته وإخوته إلى بلدة نهر دفلي من قرى واسط في العراق، وهناك أدخله خاله على الإمام الفقيه الشيخ أبي الفضل علي الواسطي، وكان مقرئًا ومحدثًا وواعظًا عالي الشأن، فتولّى أمر تربيته وتأديبه وتعليمه.

أظهر الإمام منذ صغره نبوغًا عظيمًا، فجدّ في طلب العلم حتى برع في العلوم النقلية والعقلية، وتفوق على أقرانه، فصار من أبرز طلاب زمانه كان يلازم دروس العلماء ومجالس الفقهاء، ومن أبرز من تأثر بهم خاله الشيخ أبو بكر سلطان العلماء، والشيخ منصور البطائحي، والشيخ عبد الملك الحربوني وقد حفظ كتاب التنبيه في الفقه الشافعي للإمام أبي إسحاق الشيرازي، وشرحه شرحًا وافيًا نال به إعجاب مشايخه.

أجاز الشيخ أبو الفضل علي الواسطي الإمام أحمد الرفاعي وهو في العشرين من عمره إجازةً عامةً في جميع علوم الشريعة والطريقة، ولقّبه حينها بـ أبي العلمين، أي علم الظاهر والباطن.

وفي الثامنة والعشرين من عمره عهد إليه خاله منصور البطائحي بمشيخة المشايخ ومشيخة الأروقة، وأمره بالإقامة في أم عبيدة في رواق جده لأمه الشيخ يحيى النجاري، وهناك تولّى التعليم والإرشاد، وانتفع به خلقٌ كثير وتشير دراسات أكاديمية إلى أنه التقى بالشيخ عبد القادر الجيلاني، وكان بينهما تواصل وتنسيق علمي وروحي عالٍ.


كرامات الإمام أحمد الرفاعي :
نُقلت عن الإمام الرفاعي كراماتٌ كثيرةٌ، تداولها المؤرخون والمحبون على مرّ العصور، وعدّها أتباعه دلالاتٍ على صدقه وصفاء سريرته وعلوّ مقامه عند الله تعالى.

1. تقبيل يد النبي ﷺ
من أشهر كراماته المروية أنه أثناء زيارته لقبر النبي ﷺ في المدينة المنوّرة، خرجت يد النبي الشريفة من القبر، فقبّلها الإمام الرفاعي في مشهدٍ حضره آلاف الناس من العلماء والصالحين، وكانت تلك الحادثة من أعظم ما رُوي عنه.

2. علاج الفتاة العرجاء:
تُذكر رواياتٌ أنه شفى فتاةً عرجاء وحدباء بلمسةٍ من يده المباركة، فاستعاد شعرها واستقامت رجلاها، فكان ذلك آيةً في البركة وكرامةً ظاهرة.

3. تدبير الوليمة:
يُروى أنه أمر بتدبير وليمةٍ لأحد ضيوفه، فنزلت وزّة مشوية بين يديه، وظهر رغيفان ساخنان وكوز ماءٍ بارد، ثم أعاد العظام إلى حياة الوزّة فقامت وطارت أمام الحاضرين.

4. خروج يدٍ أخرى من القبر :
ذكرت بعض الروايات أن يدًا شريفة امتدت من الروضة الشريفة ليُقبّلها الإمام الرفاعي مرةً أخرى، في مشهدٍ عظيمٍ شهده جمعٌ من الناس.

مفهوم الكرامة عند الصوفية :
الكرامة في المفهوم الصوفي هي أمرٌ خارقٌ للعادة يظهر على يد عبدٍ صالحٍ مستقيمٍ في طاعة الله، لا يقصد بها الشهرة أو الجاه، وإنما إظهار صدقه وعلوّ منزلته عند الله تعالى.

وتختلف الكرامة عن المعجزة، فالمعجزة تكون لإثبات النبوة، أما الكرامة فهي دليل على صدق اتباع الولي لنبيّه ﷺ.

أثر الإمام الرفاعي في العالم الإسلامي :
انتشرت طريقته، الطريقة الرفاعية، في أنحاء واسعة من العالم الإسلامي، من العراق إلى الشام ومصر والمغرب العربي، ووصل تأثيرها إلى الأناضول وشرق أوروبا.

وكانت طريقته تدعو إلى الزهد، والصدق، وخدمة الخلق، واتباع السنة النبوية في السلوك والمعاملة، حتى صار أتباعه مثالًا في الورع والتواضع والمحبة.


خاتمة :
رحل الإمام أحمد الرفاعي عن الدنيا سنة 1182م، لكنه ترك وراءه إرثًا علميًا وروحيًا خالدًا، ومدرسةً في التزكية والسلوك لا تزال تنير دروب السالكين إلى يومنا هذا.

فكان بحقٍّ إمام العارفين، وشيخ الطرائق، وأبا العلمين، رضي الله عنه وأرضاه، ونفعنا الله بعلومه وأنواره.