ما أشد المسافة بين الميلاد والإتباع

بقلم الأستاذ مازن ابو الفضل مدرب تنمية بشرية ومهارات

منذ ١٥٠٠ عام أشرقت الأرض بنور ربها بولادة النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلم لا أدري كيف سيكون رأي صاحب الشريعة في أمته الحبيبة إذا مشى في طرقاتها الآن،بل كيف سيتعامل معنا ونحن نحتفل بميلاده، وفي نفس الوقت أضعنا وصاياه وطمسنا معاني دينه وبدلناها بما هو مريح ومناسب؟

ماذا سيكون شعوره وهو داخل علينا جحر الضب ويجدنا مستمتعين فيه؟
نحن نعلم يقينًا أنه يعلم، لا يحتاج للتواجد الجسدي ليعلم،ونحن نتيقن أنه غير مسرور وغير راض،ليصعب علينا أن نفرح به وهو غير راض عن ما آلت إليه أمورنا.

ومن أهم أسباب سقوط هذه الأمة وخذلانها الغفلة عن مقام النبي الخاتم صلوات الله عليه وآله،في حين أن الأمة متوهمة أنها متوحدة تحت شعار واحد وكتاب واحد، إلا أنها في المجمل تجهل حقيقة الشهادتين وحقيقة القرآن ومقام من بلغ الرسالة من عوالم القُـدس والخلق والأمر إلى عالم الدنيا.

إنك إذا نظرت لأركان الإسلام الخمسة لن تجدهم متحققين في هذه الأمة.
هناك غفلة عن حقيقة الواجد،
وحقيقة المُرسل،
وروحانية الصلاة،
وتكافلية الزكاة،
وحرمة وهيبة شهر رمضان،
ومقام البيت.

تلك الغفلة أفقدتنا الخيرية وأبعدتنا عن عين الله وسلمتنا لغيرنا من الأمم لنذوق معيشة الضنك كأمة واحدة يكفي أن هذه الأمة تتراشق في هذا الوقت من كل عام وترمي على بعضها البعض اتهامات الكـ.فر والضلالـ.ة بدلًا من أن تذوب في رسول الله وتنشر لُطف النبوة بين الناس.

ونحن نحتفل بذكرى مولد النور صلوات الله وسلامه عليه وآله نحن في الحقيقة نتخلق بأخلاق الله كما قال الفلاسفة عن غاية علم الأخلاق،فالله رفع ذكر النبي في الكتاب وفي تاريخ العالم،ومعظم ما لدينا من شعائر الحج هي تعظيم لأفعال آبائنا إبراهيم النبي وإسماعيل النبي والسيدة هاجر عليهم السلام.

لكن هناك من يتخلق بأخلاق الشيـ.طان ويريد أن يطفيء نور الله وذِكر النبي وأهل بيته، لكن الله متم نوره ولله الحمد إذا كان زوجات النبي أمهات المؤمنين فبالتأكيد النبي هو أبوهم،وبالتالي يكن له نفس أحكام الوالد،مثل الطاعة والود والبر،والإرث.

فنحن ورثة النبي صلوات الله عليه وآله وسلم،ورثنا علمه ومسئوليته، ووجب علينا أن نمشي بهديه في الناس لاستكمال وصية رب العالمين حين قال:
“أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه”.

فالإبن البار بأبيه قوام بالقسط بين الناس ليشكروا أباه بالغيب على حُسن التربية والتوجيه،يقولون: هذا ابن محمد حقًا.

جاء النبي الكريم ليبين ويبلغ النهج الإلهي للناس، ليعرفوا من هو خالقهم وما غرضه من خلقهم، ويضعهم على “المحجة البيضاء”، ويُرسخ لديهم الاتجاه الصحيح للحياة وكيفية الخروج من عقباتها.

لكن من الخطأ تناول تعاليم النبي الكريم بمعزل عن كتاب الله الأقدس القرآن الكريم، وبمعزل عن ما ورد فيه مواعظ وقصص وتوجهات، من الخطأ اعتبار القرآن نزل لمحمد فقط تعليقًا على مجاري حياته.

بهذا التناول غفلنا عن القرآن إذ فصلناه عن تعاليم النبي،وغفلنا عن تعاليم النبي إذا لم نفهمها على ضوء القرآن،وغفلنا عن ما مر به من سبق من الأنبياء مع أقوامهم إذ لم نطبق أو نُسقط ما مر عليهم علينا، فهذه الأحداث لم ترو تسلية بل تحذير من سنن سقوط الأمم وارتفاعها.

يجب أن ننظر بعقلانية، أي شمولية وتحليل، لنخرج بنظرة كاملة لما يجب أن نقوم به لنحقق الوعد الإلهي ونحقق مُراد الله.

في ذكرى مولده صلوات الله عليه وآله وسلم نُذكر أنفسنا بصفتين أصيلتين تُميز “المحمديين” أو أتباع النبي محمد، ونجدهما بشكل صريح في سورة الفتح حيث يقول تعالى:“مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ”.

وهما صفتان لهما تأثير مباشر على السلوك الإجتماعي والسياسي، حيث يصف الله أتباع نبيه أنهم فيما يخص العلاقة مع “الكافـ.ر” بالشدة، والكـ.افر ليس فقط من لا يؤمن بالله بل أيضًا من يضـ.ر الإسلام والمسلمين،ويصفهم بالرحمة عندما يتعاملوا بينهم وبين بعضهم.

عندما تنظر لحال الأمة الآن وقياداتها الفكرية والسياسية لن تجد تحقق هذا الشرط والصفات،بل العكس تمامًا، هم أشداء على بعضهم البعض، وبأسهم بينهم شديد — وهي صفة أهل البـ.اطل — ولُطفاء وودعاء مع الصـ.هاينة والأمـ.ريكان والنـ.اتو والسادة البيض في أوروبا.

بهذا نجد أمة تحفل بميلاد نبيها وهي لا تنتمي لنبيها غير بالإسم فقط،تتبارك به وتستخدم أقواله وأقوال الكتاب الذي جاء به لتزين أماكن يُظـ.لم فيها المؤمنين وثلاجات الماء البارد.

إن أردت أن تعرف أين نحن من رسول الله وهل يحبنا أم لا، وهل نحن أمة مختارة أم لا؟أنظر إلى كم الوصايا تركها لنا رسول الله وخالفناها:

وصى بالفقراء ونتمنع عليهم ونزيدهم فقرًا،
وصى بكبار السن ونرميهم في الشوارع،
وصى بالمرأة ونسـ.رق إرثها ونقـ.تلها ونضـ.ربها كل ساعة،
وصى بالبنات ونزوجهم بالقـ.هر ونحـ.رمهم الحقوق،
وصى بالجار ونتفنن في إيذائـ.ه،
وصى بالوحدة والدفاع المشترك ونشجب ونُندد،
وصى بأهل البيت فقتـ.لناهم وكفرنا من يزورهم،
وصى بالقرآن وهجرناه وطمسنا معانيه وجعلناه نقوشًا نزين بها فضلات الدنيا.

هذا نحن وهذه وصايا النبي،فهل نحن خير أمة أم هو وهم الاستحقاقية الذي أهبط طاووس الملائكة من عليائه؟

إن كنت تحب النبي فاتبع وصاياه ولا تكن من المدعين :
من ما غفل عنه الناس من مقدار نبوته صلوات الله عليه وآله وقيمتها أن وجوده كانت له بركات كثيرة على المُستضعـ.فين وبـ.لاء على المُسـ.تكبرين فبولادته سقطـ.ت عروش الأكاسرة والقياصرة،وبوجوده مع حليمة السعدية نبع منها اللبن بعد أن كان قد جف، وأخرجت أرض بني سعد خيراتها ببركة وجوده صلى الله عليه وآله.وبوجوده أخرج الله الناس من ظلـ.مات الظلـ.مات للنور الأعم،
وبوجوده ضـ.ل المتـ.كبرين وظهرت حقيقة نفوسهم للناس.

ومن جملة وأعظم بركاته صلوات الله عليه وآله التقدم العلمي الذي يتمتع به العالم، حيث حفظ أتباعه العلوم والمعارف وقت ظلـ.مات أوروبا ليُعيدوها إليهم مرة أخرى عندما جاء الوقت المناسب.

كذلك الإنسان المؤمن برسالته السائر على خطاه عليه أن يكون فيضًا للخير على من يستحق وسـ.يفًا ومانعًا للظـ.الم المُسـ.تبد لا تنخـ.دع مثل أمة نبيك التي سـ.رقوا منها عزها وشرفها وأسقطوها أسفـ.ل سافلين كن عزيزًا فأنت ابن رسول الله.

قال ربنا ذي الجلال والإكرام ما معناه“لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة”،وبهذا بين لنا الله أن شخص النبي محمد هو المحور الأفضل لسلوكياتنا إذا كنا نبتغي نمط حياة حسن في عين الله.

وإن المؤمن بحق، والذي رسخ بداخله التوحيد، سيعرف أن الله لا يقترح بل يقر،
يقول إن الحق هو كذا ومقتضى الواقع هو كذا، فلا بين وبين في كلام الله، بل تعليمات واضحة ونهائية من الصانع الحكيم.

لذلك اتباع تعاليم ومسالك النبي الهادي هو الطريق الأمثل لمن أراد أن تكون له حياة طيبة.وفي موضع آخر يقول رب العزة ما معناه:“ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا”،وبالجمع بين الآية الأولى والثانية نفهم أن الخط الرفيع بين الحياة الطيبة والحياة الغير هو اتباع سيد الخلق واقتفاء سننه وهديه.

فإن أردت الفلاح يا عزيز إسأل نفسك قبل أي فعل:“ماذا كان سيفعل النبي محمد في موقف مثل هذا؟”قال رب العالمين في كتابه الحكيم عن خاتم المرسلين:“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”،مما يشير إلى أن كل الناس هم أمة محمد صلى الله عليه وآله في آخر الزمان.

وفي موضع آخر يقول أبو هذه الأمة ما معناه:“الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين”،والمستفاد أن الخير في أمة الرسول الكريم الذين هم البشر أجمعين.فمهما ظهر لك من الناس فأعلم أنه بحضرة محمد هناك بداخلهم جوهر منير وخير وفير.

من رحمة الله المتجسدة في النبي الأكرم أنه كان إنسانًا بكل حالاته،فكان مُتلقياً للوحي، وقائدًا موجهًا للناس،كان زوجًا وأبًا وصديقًا،كان قويًا وضعيفًا،
له حالاته صلوات الله عليه وآله.

والرحمة تكمن في رفع الجهـ.ل عن الناس فيما هو كائن وما ينبغي أن يكون،
فكان بعثته لهذا الإنسان الكامل ليكون لنا منارة في بحر مظـ.لم متلاطم فنصل به لله.

ففي ذكرى مولده نشكر الله على النعمة، ونسعى لمعرفة رسوله لنسعد في حياتنا وننال الرضا،ولنتذكر: لسنا على شيء حتى نذوب في محمد.