واتقوا الله ويعلمكم الله
5 أكتوبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة
التقوى هي تاج القلوب وزينة النفوس، وهي سر الفلاح في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 282].
فمن اتقى الله أنار الله بصيرته، وألقى في قلبه العلم النافع والحكمة الراشدة، ووفقه لما فيه الخير، أما من أعرض عن التقوى فقد حُرم بركة العلم والعمل.
وقد أكد النبي ﷺ على مكانة التقوى في أكثر من موضع، فقال:
“اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” [رواه الترمذي].
وقال ﷺ أيضًا: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” [رواه البخاري ومسلم].
المتقون هم الذين يراقبون الله في السر والعلن، يطهرون قلوبهم من الغل والحقد، ويزينون أعمالهم بالخير والبر. وعدهم الله بالجنة فقال:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 54-55].
أما العصاة، فهم الذين غلبتهم شهواتهم وضعفت قلوبهم أمام مغريات الدنيا، لكن باب التوبة مفتوح لهم ما داموا على قيد الحياة. قال الله تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53].
وأما الكافرون، فقد أعرضوا عن نور الله، وكذبوا بالرسل، وغرّتهم الحياة الدنيا، فتوعدهم الله بالعذاب فقال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء: 168-169].
إذا نظرنا إلى شباب الأمس نجدهم أكثر قربًا من الله، كانت المساجد عامرة بذكره، والقلوب معلقة بالآخرة، وكانت الأسرة تربي أبناءها على الورع والحياء وحفظ القرآن.
أما اليوم، فقد تغيرت الأحوال، وأصبحت وسائل اللهو والتكنولوجيا تشغل الشباب، فابتعد كثير منهم عن روح التقوى، إلا أن هناك فئة لا تزال متمسكة بدينها، تتحدى الفتن وتحافظ على الصلاة والقرآن، وتثبت أن الخير باقٍ في الأمة ما بقيت الحياة.
المعادلة بين الأمس واليوم تقول:
شباب الأمس: إيمان + حياء + خشية = تقوى راسخة.
شباب اليوم: إغراءات + فتن + ضعف وازع = تقوى متذبذبة.
لكن الأمل لا ينقطع، فالتقوى ليست مرتبطة بزمن، وإنما مرتبطة بصدق القلب مع الله، ومن الممكن أن نعيد شباب اليوم إلى طريق النور إذا أحسنا التوجيه، وربينا فيهم مراقبة الله.
يمكن أن نتخيل صورة رمزية توضّح المشهد:
على اليمين شباب متقون وجوههم مشرقة بالنور، يصلون ويقرؤون القرآن.
في الوسط عصاة تائهون بين طريقين، يحملون همًّا وحيرة.
وعلى اليسار كافرون وجوههم مظلمة، يتبعون الشهوات بلا هدف.
وختاما لذلك فإن قول الله تعالى “واتقوا الله ويعلمكم الله” دستور حياة، يبين لنا أن التقوى هي الطريق إلى العلم النافع والفلاح في الدنيا والآخرة. وما أحوج شباب اليوم إلى أن يعودوا إلى هذه البوصلة الربانية، لينهضوا بأمتهم ويكتبوا مستقبلهم بنور التقوى والهداية.