الإمام العارف بالله السيد أحمد البـدوي.. رائد الزهد والعلم في طنطا..
5 أكتوبر، 2025
أولياء أمة محمد

بقلم الشيخ : نور عبدالبديع حمودة الأزهرى الشافعي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
تمهيد:
في تاريخ مصر العامر بأولياء الله الصالحين، تبرز سيرة الإمام العارف بالله السيد أحمد البدوي رضي الله عنه، أحد رموز التصوف الأصيل، والعلم الشريف، والزهد في الدنيا. فهو عَلَمٌ من أعلام القلوب، ومَعلَمٌ من معالم الإيمان، اجتمع الناس على محبته، وتوارثت الأجيال ذكره وفضله.
نسبه ونشأته:
وُلد الإمام أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد البدوي في مدينة فاس بالمغرب الأقصى سنة 596 هـ، من أسرة شريفة النسب تمتد جذورها إلى آل بيت النبي ﷺ.
نشأ في بيت علمٍ وتقوى، فحفظ القرآن الكريم صغيرًا، وتفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس، ثم هاجر مع أسرته إلى مكة المكرمة، حيث أقبل على العبادة والعلم، ولازم حلقات العلماء والقراء حتى نال قدرًا كبيرًا من علوم الشريعة والقراءات.
رحلته في طلب العلم والسلوك:
سلك الإمام البدوي طريق التصوف على أيدي كبار المشايخ، ومنهم الشيخ عبد الجليل النيسابوري والشيخ الفضيل بن عياض رحمهم الله.
دخل خلوات العبادة والتأمل بجبل أبي قبيس بمكة، حيث صفا قلبه وتطهرت سريرته، ثم رحل إلى العراق سنة (634هـ) لزيارة مقامات الأولياء والعلماء، ومن هناك انتقل إلى مصر ليستقر في مدينة طنطا سنة (637هـ)، وعمره إحدى وأربعون سنة.
إقامته في طنطا:
ظل السيد البدوي في طنطا حتى وفاته سنة 675 هـ، أي نحو ثمانٍ وثلاثين سنة، جعلها ميدانًا للتربية والإرشاد، وبثّ فيها روح العلم والإيمان.
تتلمذ على يديه عدد كبير من الصالحين والعلماء، وانتشرت طريقته الأحمدية في أرجاء مصر والمغرب والمشرق، داعيةً إلى التمسك بالكتاب والسنة، والصدق، وحسن الخلق، والإحسان إلى الخلق.
طريقته ومنهجه:
كانت الطريقة الأحمدية التي أسسها السيد البدوي قائمةً على الوسطية والاعتدال، والرجوع إلى الأصول النقية من الكتاب والسنة.
قال رضي الله عنه في وصاياه: “طريقتنا الأحمدية بنيت على الكتاب والسنة، والصدق، وحسن الوفاء، وتحمل الأذى، وحفظ العهود.”
وكان من كلماته البليغة:
“إياك وحب الدنيا، فإنه يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.”
“من لم يكن عنده علم فلن تكون له قيمة في الدنيا ولا في الآخرة.”
“عليك بحسن الخلق، فإنه يرفع مقامك عند الله ورسوله.”
مكانته عند العلماء:
أجمع العلماء والمحققون على صلاحه وزهده وعلوّ شأنه، ومنهم:
دار الإفتاء المصرية قالت في بيانها عنه: “الإمام أحمد البدوي من كبار الأولياء والعلماء العارفين بالله، كان فقيهًا شافعيًّا، مقرئًا، زاهدًا، عابدًا، وله مكانة جليلة في قلوب العلماء والعامة.”
وذكره الإمام السيوطي في “حسن المحاضرة” ضمن أولياء مصر، وقال عنه: “كان من أئمة الزهد، وأرباب الأحوال، له شأن عظيم في الدلالة على الله.”
وقال عنه الإمام الشعراني في “الطبقات الكبرى”:
“كان رضي الله عنه من كبار رجال الله، مجاهدًا لنفسه، قائماً ليله، صوام نهاره، محبًّا للعلم والعلماء.”
إرثه العلمي والروحي:
ترك السيد البدوي تراثًا روحيًا خالدًا، يتمثل في وصاياه وكلماته المضيئة، وفي مدرسته التربوية التي جمعت بين العلم والعمل، والزهد والكرم، والتصوف الحقيقي القائم على الإخلاص لله.
كما ترك تلاميذ صالحين نشروا فكره ومنهجه، فعمّ خيره أرجاء الأرض.
مولده الشريف:
يُعدّ مولد السيد أحمد البدوي بطنطا من أكبر المواسم الدينية في العالم الإسلامي، إذ يتوافد إليه الملايين من محبيه من شتى بقاع الأرض، يقرؤون القرآن، ويُحيون الليالي بالذكر والمديح، ويتدارسون سيرته العطرة، اقتداءً بمنهجه في الحب والتقوى والصفاء.
خاتمة:
رحم الله الإمام السيد أحمد البدوي، فقد كان مدرسةً في الإيمان، وجسرًا بين العلم والتصوف، ومثالًا يُحتذى في الزهد والخلق والخدمة.
وصدق من قال فيه:“من أحبّ البدوي، فقد أحبّ أهل الصلاح، ومن أحبّ أهل الصلاح، نال رضا الفتاح.”