صحح مفاهيمك : بحث في (صور الغش وخطورتها) للشيخ رضا الصعيدى
5 أكتوبر، 2025
منبر الدعاة

صحح مفاهيمك : بحث في (صور الغش وخطورتها)
للشيخ : رضا الصعيدى
ما معنى ما هو الغش ؟
ولما حرمه الإسلام ؟
وما هي صوره؟
وما أسبابه ؟
وما عاقبته ؟
وما الواجب علينا ؟
تعريف بالهدف وأهمية الموضوع :
جاء في بيان الأوقاف :
إن مبادرة “صحح مفاهيمك” ليست حملةً عابرة، بل مشروع وطني لبناء الإنسان المصري الواعي بدينه ووطنه، إنسانًا متوازنًا يجمع بين الإيمان والعلم، بين الانضباط والرحمة، بين التدين الصحيح والسلوك الراقي.
خطورة الغش على الخلق والوطن :
جاء في بيان الأوقاف : يمثل الغش في الامتحانات واحدًا من أكثر السلوكيات السلبية انتشارًا في البيئات التعليمية على اختلاف مراحلها، وتكمن خطورة هذا السلوك في كونه لا يقتصر على مجرد تجاوز اختبارات دراسية، بل يؤسس لمنظومة فكرية مشوهة تقوم على الخداع، وانتهاك الأمانة، وتفريغ التعليم من جوهره، مما يؤدي إلى إضعاف البنية الأخلاقية والمعرفية للمجتمع.
ومفهوم الغش واسع:
فهو ليس مقصورًا على البيع والشراء فحسب، بل هو أعم وأشمل من ذلك، فيكون في الزواج ، كما يكون في الامتحان بإبراز الجاهل في صورة العالم أمام المصححين، وبإبراز المفلسين والمهملين في صورة الأذكياء المجدِّين.
كما يكون الغش في الوظائف العامة، والأعمال الخاصة، وفي كل المعاملات بإخفاء القبح، وإبراز الحسن غير الحقيقي على سبيل التغرير والخداع، وإنما قرن الغش بالبيع والشراء؛ لأنه أكثر ما يكون فيه”. [فتح المنعم].
والغش في الدين ويكون بالتلاعب بأحكامه، وتمييع السنة وليُّ أعناق النصوص على مزاجه ، والغش في المهن والصناعات والزراعات وكل ذلك حرام وكبيرة من كبائر الذنوب.
ويكون الغش في خطبة النساء، وفي الزواج والطلاق، والغش في الوظائف والمناصب والأعمال ، وكل ذلك أيضا حرام وكبيرة من كبائر الذنوب.
وجاء في زاد الخطباء : تتنوع صور الغش بين الطرق التقليدية مثل تبادل الأوراق، والنقل المباشر، والوسائل الرقمية كاستخدام الهواتف الذكية، وسماعات البلوتوث، وتطبيقات المحادثة، كما قد يتخذ الغش شكلًا من أشكال التواطؤ من بعض القائمين على الامتحانات، أو تسريب الأسئلة مقابل المال أو النفوذ، وهو ما يمثلُ جريمةً أخلاقيةً وتعليميةً ومجتمعيةً مزدوجةً.
تعريف الغش :
قال المناوي:(الغش ما يخلط من الرديء بالجيد)... وقال ابن حجر الهيثمي: ( الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل).
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ « مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ». قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَىْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى ».وفى رواية : “من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار”(رواه ابن حبان).
والمقصود بالسماء : المطر ومعنى الصبرة : الكومة المجموعة بلا كيل ولا وزن
وأيا ما كان الغش فان العواقب وخيمة، واليك صور من الغش وقبح أثرها :
ومن الغش تقصير المسئول في عمله :
يعنى غش الرعية لتي استرعاه الله إياها، فكلٌ موظف فيما خوله الله راع، وكلٌ مسئول عن رعيته، وقد سمع معقل بن يسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: “ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة”(متفق عليه)، وفي لفظ للطبراني في المعجم الكبير: “ما من عبد يسترعى رعية وهو لها غاش إلا دخل النار“.
ومن الغش ما يحصل في اختبارات الطلاب ، وسرقة الرسائل والبحوث العلمية :
قوله : ((مَن غشنا فليس منا))؛ رواه مسلم، وهو حُكمٌ عام لكل شيء، فيه ما يخالف الحقيقة؛ فالذي يغش ارتكب معصية، والذي يساعده على الغش شريكٌ له في الإثم، ولا يصح أن تكون صعوبة الامتحان مبررةً للغش، فقد جُعِل الامتحان لتمييز المجتهد من غيره، والدين لا يسوِّي بينهما في المعاملة، وكذلك العقل السليم لا يرضى بهذه التسوية؛ قال تعالى: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ [ص: 28]، وبخصوص العلم قال: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، وقد يصدُقُ عليه قول الله تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188]، وإذا كان قد أدى عملًا فله أجر عمله؛ كجهد بذله أي عامل، وليس مرتبطًا بقيمة المؤهل، وهو ما يعرف بأجر المثل في الإجارة الفاسدة، وما وراء ذلك فهو حرامٌ؛-انظر (فتاوى دار الإفتاء المصرية – جـ 10 – صـ: 139)...و(فتاوى الشيخ عطية صقر – جـ 2ـ صـ 259 – رقم: 580 – طبعة المكتبة التوفيقية).
وفي زاد الخطباء : يمثل الغش في الامتحانات واحدًا من أكثر السلوكيات السلبية انتشارًا في البيئات التعليمية على اختلاف مراحلها، وتكمن خطورة هذا السلوك في كونه لا يقتصر على مجرد تجاوز اختبارات دراسية، بل يؤسس لمنظومة فكرية مشوهة تقوم على الخداع، وانتهاك الأمانة، وتفريغ التعليم من جوهره، مما يؤدي إلى إضعاف البنية الأخلاقية والمعرفية للمجتمع.
ومن هذا المنطلق، تضع مبادرة “صحح مفاهيمك” هذا الموضوع في مقدمة أولوياتها، باعتباره مدخلًا أساسيًا لإصلاح الوعي، وترسيخ منظومة القيم، وتطهير البيئة التعليمية من السلوكيات الهدامة.
من الغش كتمان عيب السلعة وهو يمحق البركة :
قال ابن تيمة ” والغش يدخل في بيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع مثل أن يكون ظاهرالمبيع خيرا من باطنه” .
عن حكيم بن حزام – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو قال: حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما” رواه البخاري ومسلم… ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له” صحيح ابن ماجه.
وليس بكثير على التاجر الأمين أن يبشره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيقول : “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء” رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه الدارقطني بزيادة “يوم القيامة “.
موقف من حياة الصالحين : ذات يوم خرج أحد التجار الأمناء في سفر له، وترك أحد العاملين عنده ليبيع في متجره، فجاء رجل يهودي واشتري ثوبًا كان به عيب. فلما حضر صاحب المتجر لم يجد ذلك الثوب، فسأل عنه، فقال له العامل: بعته لرجل يهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم يطلع علي عيبه. فغضب التاجر وقال له: وأين ذلك الرجل؟ فقال: لقد سافر. فأخذ التاجر المسلم المال، وخرج ليلحق بالقافلة التي سافر معها اليهودي، فلحقها بعد ثلاثة أيام، فسأل عن اليهودي، فلما وجده قال له: أيها الرجل! لقد اشتريت من متجري ثوبًا به عيب، فخذ دراهمك، وأعطني الثوب. فتعجب اليهودي وسأله: لماذا فعلت هذا؟ قال التاجر: إن ديني يأمرني بالأمانة، وينهاني عن الخيانة، فقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا” (مسلم)، فاندهش اليهودي وأخبر التاجر بأن الدراهم التي دفعها للعامل كانت مزيفة، وأعطاه بدلاً منها، ثم قال: لقد أسلمت لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.”.
وقصة نهى أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن مَذْق (خلط) اللبن بالماءمعروفة ومشهورة ..
وكان حفصُ بن عبدالرحمن شريكَا لأبي حنيفة، وكان أبو حنيفة هو الذي يقوم بشراء البضاعة، فبعث إليه في رفقة بمتاع، وأعلَمه أن في ثوبِ كذا وكذا عيبًا، فإذا بِعتَه فبيِّن هذا العيب، فباع حفص المتاع ونسي أن يُبيِّنَ العيب، ولم يعلَمِ مَن اشتراه، فلما علم أبو حنيفة بذلك، تصدَّق بثمَنِ المتاع كله؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 13 صـ 358).
ومن الغش بيع النجش :
وهو أن يزيد أو ينقص في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ، وإنما يريد الإضرار بالبائع أو المشتري ، سواءً كان متواطئاً مع البائع أم المشتري أم لم يكن ، فكل ذلك من أكل المال الحرام ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : ” نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجْشِ ” ([1]) ، وقال: “لا تناجشوا” صحيح الجامع؛ فهو حرام وخداع، وتغرير بالمشتري، وأي مال أو ربح حصل عن طريقه فهو مال حرام، وكسب باطل..
ومن الغش تغيير حدود الممتلكات :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ ، إِلَّا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” ([2]) .
ألا فلتعلمَ أن ما أكلتَ من حق غيرك من مال وعقار؛ ستُطوقه يومَ القيامة بإذن الله.
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ »([3])، الأراك : جمع أراكة وهي شجرة يستاك بقضبانها.
ومن الغش اليمين الكاذبة لخداع الناس :
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران:77]… قال تعالى: ﴿ تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ﴾ [النحل: 92]...• قال الواحدي – رحمه الله -: ﴿ دَخَلًا ﴾؛ أي: غشًّا وخيانةً؛ (التفسير الوسيط – للواحدي – جـ 3ـ صـ 80).
فهو يستغل تعظيم الله -تعالى- في قلوب المسلمين فيقسم به -عز وجل- كاذبًا ليروج لكذبه ويبيع سلعته فبئست التجارة البائرة هي؛ فاليمين الكاذبة تؤدي لا محالة إلى الخراب والدمار عاجلًا أو آجلًا؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع”(رواه الشهاب في مسنده)، يقول المناوي: البلاقع “جمع بلقع؛ وهي الأرض القفراء التي لا شيء فيها، يريد أن الحالف كاذبًا يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق”، وفي الصحيحين: “الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة”، وهو في مسند أحمد بلفظ: “اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للكسب“.
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدَّها من الكبائر فقال: “الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس”(رواه البخاري)، وإنما سميت “غموسًا” لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في نار جهنم -والعياذ بالله- إذا لم يتب منها.
ومن الغش ادعاء الفقر وسؤال الناس بلا حاجة أو ضرورة :
فالتسول سبب لمحق بركة المال ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُلْحِفُوا فِى الْمَسْأَلَةِ فَوَاللَّهِ لاَ يَسْأَلُنِى أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّى شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ »([4]) ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِى وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ »([5]). ومزعة يعني قطعة ، وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ ، إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ، يَأْخُذُ الرَّجُلُ حَبْلَهُ فَيَعْمِدُ إِلَى الْجَبَلِ ، فَيَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْكُلُ بِهِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ ، مُعْطًى أَوْ مَمْنُوعًا ” ([6]).
الغش في النصيحة:
وذلك بعدم الإخلاص فيها، والقصد من بذلها أغراض دنيوية.
واليك هذا الموقف الجليل …روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده أن جرير بن عبد الله البجلي أمر مولاه أن يشتري فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به بصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس -وانظر إلى النصيحة-: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبد الله…. فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير، إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها. فقيل له في ذلك، فقال: إني قد بايعت رسول الله ﷺ على النصح لكل مسلم.
ومن الغش ادعاء الكهان معرفة الغيب :
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّيْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا قَالَ: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْحَقُّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ» ([7])..علم الغيب خصيصة من خصائص الربوبية، لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولكن الله تعالى يكشف ما شاء من غيبه لمن شاء من عباده ﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران:179].
وما السحر الا التَّخَيُّلَاتُ، وَالْأَخْذُ بِالْعُيُونِ، والشعبذة،( الشعبذة والشعوذة معناهما واحد )، ومبناه على أن البصر قد يخطىء وَيَشْتَغِلُ بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ.
ولا يتبع السحرة إلا الكذبة الفجرة: قال تعالى: ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) ) { أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أَيْ كذوب في قوله وهو الأفاك {أَثِيمٍ} وهو الْفَاجِرُ فِي أَفْعَالِهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَنَزَّلُ عليه الشياطين من الكهان وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنَ الْكَذَبَةِ الْفَسَقَةِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ أَيْضًا كَذَبَةٌ فَسَقَةٌ.
ولا تقبل لمن ذهب اليهم صلاة أربعين يوما: عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» ([8]) .
وليس معنى هذا أنَّه لا يصلي أو يُؤْمر بالإعادة بعد انقضاء الأربعين، فهذا الحديث ونحوُه محمولٌ عند أهل العلم أنَّه لا ثواب له في صلاته مدَّة الأربعين، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ أَوْ أَتَى امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَو أَتَى امْرَأَته من دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» ([9]).
الغش في الزواج:
ومن مظاهر الغش فيه:أن تكون المرأة دميمة وتخفي ذلك بالمساحيق والألوان فإذا دخل بها الزوج اكتشف دمامتها وعافت نفسه معاشرتها، ولربما انتهى الأمر بالطلاق، ومن ذلك ان يكون بها مرض عضال ولا يخبر أهلها الخاطب به، وأن يقدم أولياء المرأة إلى الخاطب امرأة أخرى عند الرؤية فإذا دخل وجد أنه دخل بغير التي رآها من قبل، ومن صوره عند الرجال أن يكون الرجل بخيلا شحيحا لكنه يتجمل في فترة الخطبة ويكثر النفقة فإذا دخل بامرأته أمسك وبخل وظهر على حقيقته، وكذا أن يخفي عمره خلف صبغات الشعر وغيرها ، أو أن يكون مصابا بمرض عضال لو علمت به المرأة قبل الزواج لرفضت الارتباط به.
ومن الغش وَصْل شَعَر المرأة بشَعَر آخر:
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لعَن اللهُ الواصلةَ والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة))؛ (البخاري حديث: 5933/ مسلم حديث: 2124)... (اللعنة): هي الإبعاد مِن رحمة الله تعالى... قال الإمام النووي – رحمه الله -: الواصلة هي التي تصلُ شَعر المرأة بشعرٍ آخر، والمستوصلة التي تطلب مَن يفعل بها ذلك.
وهذا الحديث صريحٌ في تحريم الوصل، ولعنِ الواصلة والمستوصلة مطلقًا؛ (مسلم بشرح النووي – جـ 14 – صـ 103).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (والواشمة): أي المرأة التي تغرز الإبرة أو الشوكة على ظهر كفِّها أو ساعدها أو غيرهما؛ ليخرج منها الدم، وتجعل فيها كحلًا أو غيره ليخضرَّ لونه، ويبقى نقوشًا، أو تكتب به اسمها.
قوله: (والمستوشمة): أي المرأة التي تطلب أن يُفعَل بها الوشم، فإن فعلت ذلك بصغيرةٍ تأثم فاعلتُه، ولا تأثم المفعولة؛ لأنها غير مكلفةٍ؛ (مرقاة المفاتيح – علي الهروي – جـ 7 – صـ 2836).
واليك هذا الموقف الجليل : قام بلال رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بخطبة امرأة قرشية لأخيه فقال لأهلها ما يلي : ” نحن من قد عرفتم كنا عبدين فأعتقنا الله تعالى، وكنا ضالين فهدانا الله تعالى، وكنا فقيرين فأغنانا الله تعالى، وأنا أخطب إليكم فلانة لأخي، فإن تنكحوها له فالحمد لله تعالى، وإن تردونا فالله أكبر، فأقبل بعضهم على بعض فقالوا : بلال ممن عرفتم سابقته ومشاهده ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجوا أخاه فزوجوه، فلما انصرفوا قال له أخوه : يغفر الله لك أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتترك ما عدا ذلك فقال : مه يا أخي صدقت فأنكحك الصدق ” .
أسباب الغش :
1- الطمع وعدم الرضا بالقليل:
وهو الذي يُفسِد على المرء دينَه ودنياه وأخراه، فالناظر إلى ما تعيشه البشرية في الحقبة الأخيرة من حروبٍ طاحنة، وظلم واستبداد ، فعن كعب بن مالك – رضي الله عنه – ، قَالَ : قَالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينهِ )) ([10]).
2-حب المال :
قال تعالي ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 20] فكما أن المال نعمة وزينة ويحبه الإنسان هو كذلك فتنة فعن كعب بن عياض – رضي الله عنه – ، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، يقول : (( إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً ، وفِتْنَةُ أُمَّتِي : المَالُ )) ([11]) ، قال المناوي رحمه الله: “((إن لكل أمةٍ فتنةً))؛ أي: امتحانًا واختبارًا، وقال القاضي: أراد بالفتنة الضلالَ والمعصية، ((وإن فتنةَ أمتي المالُ))؛ أي: الالتهاءُ به؛ لأنه يشغَلُ البال عن القيام بالطاعة، ويُنسِي الآخرة.
3-الجهل بخطورة الكسب الحرام وحكمه:
كثير من الناس يجهل خطورة الكسب الحرام وحكمه وأثره السيئ عليه ، ويتهاون في معرفة ما يحصله من أموال ، وما يتناوله من طعام .
4-تقليد الأباء :
قال تعالى” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ “المائدة: 104” ، وقال تعالى ﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ “الشعراء: 74” ، وقال تعالى﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ “لقمان: 21”.
5-عدم الخوف والحياء من الله:
قال تعالى : {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} وَ {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}…) أ هـ(انظر كتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر)…وعن أبي مسعودٍ الأنصاري – رضي الله عنه – قال : قال النبيّ – صلى الله عليه وسلم – : (( إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأولَى : إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ )) ([12]).
عاقبة الغش :
1-دخول النار والحرمان من الجنة:
من غش المسلمين فقد أضر بهم وشق عليهم، وقد روى أبو صرمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من ضار أضر الله به، ومن شاق شق الله عليه”(رواه ابن ماجه).
قال تعالى: ” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) ” النساء… وما من خائنٍ إلا تمثل له خيانته وغدرته لواء يعقد خلف ظهره، ثم يُرمى بخيانته في النار -والعياذ بالله-؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» [رواه مسلم].
وعن خولة الأنصارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»([13])
2-عدم قبول الدعاء :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ».
فإذا عملتَ عملًا مبناه على الغش فاعلم أنك تأكل حرامًا، أخذتَ بهذا العمل حقَّ غيرك وجهده، والحقت الأذى بغيرك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٥٨].
يقول العلامة ابن عَلَّان: “ومن أشد الإِيذاء: “الغش”؛ لِمَا فيه من تزيين غير المصلحة، و”الخديعة”؛ لِمَا فيها من إيصال الشر إليه من غير علمه”. [دليل الفالحين].
قال العلامة ابن حجر الهيتمي: “وَالْأَحَادِيثُ فِي الْغِشِّ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ مَرَّ مِنْهَا جُمْلَةٌ، فَمَنْ تَأَمَّلَهَا وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِفَهْمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا، انْكَفَّ عَنْ الْغِشِّ، وَعَلِمَ عَظِيمَ قُبْحِهِ، وَخَطَرِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَمْحَقَ مَا حَصَّلَهُ الْغَاشُّونَ بِغِشِّهِمْ” [الزواجر عن اقتراف الكبائر].
3-عدم قبول العمل :
قال تعالى ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )المائدة27) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ جَمَعَ مَالا حَرَامًا ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ ، وَكَانَ إِصْرُهُ عَلَيْهِ ” صحيح ابن حبان ) وقال رسول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ ، وَلَا صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ” . رواه أبو داود).
وكيف يقبل عمل من خالف رسول الله ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» [رواه مسلم].
4-الغش خيانة :
فقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾”الأنفال” ، قال البيضاوي-رحمه الله-: وأصل الخون: النقص كما أن أصل الوفاء التمام واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه.
والخيانة آية المنافق ودليل نفاقه وعصيانه، عن أبي هريرة عن النبي r قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خـان» ([14])
5-تحمل الإثم المبين:
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)) الأحزاب
الواجب علينا :
1-تحري الحلال :
تضافرت النصوص من القرآن والسنة تحث على أكل الحلال الطيب؛ قال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنفال: 69). . وقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }(البقرة: 168).
ولهذا كان الصحابة والصالحون من سلفنا الصالح يتورعون عن هذه الشبهات؛ بل يتورعون عن بعض الحلال خشية أن يكون حراما!! ” فهذا عمر رضي الله عنه يقول: كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام.. وقال أبو الدرداء: إن من تمام التقوى أن يتقي العبد في مثقال ذرة حتى يدرك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً حتى يكون حجاباً بينه وبين النار، ولهذا كان لبعضهم مائة درهم على إنسان، فحملها إليه، فأخذ تسعة وتسعين وتورع عن استيفاء الكل خيفة الزيادة. وكان ما يستوفيه يأخذه بنقصان حبة وما يعطيه يوفيه بزيادة حبة، ليكون ذلك حاجزاً من النار.”(إحياء علوم الدين).
2-التحلل من المال الحرام :
فاتقوا الله عباد الله ، وردوا الأمانات إلى أهلها ، وتوبوا إليه قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، وإنما هي الحسنات والسيئات ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ” [ البخاري ] .
3-الابتعاد عن الشبهات:
وذلك بأن يتحرَّى التاجرُ صحةَ معاملاته وموافقتها لشرع الله، ويبتعد عما يشتبه فيه منها، فلا يسعى للبحث عن المخارج والرُّخَص، والآراء الشاذَّة؛ ليصحِّحَ معاملة قام بها، أو ليبرِّرَ ربحًا جاء مِن تعاملٍ فيه شبهة حرام أو رِبًا، فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نبتعِدَ عن الشبهات، فقال صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة))[أخرجه الترمذي].
وتقبلوا تحياتي أخوكم الشيخ رضا
([1]) صحيح البخاري
([2]) صحيح مسلم
([3]) صحيح مسلم
([4]) صحيح مسلم
([5]) صحيح مسلم
([6]) السلسلة الصحيحة
[7])) متفق عليه
[8])) صحيح مسلم
[9])) صحيح سنن أبي داوود
([10]) صحيح سنن الترمذي
([11]) صحيح سنن الترمذي
([12]) صحيح البخاري
([13]) صحيح البخاري
([14]) متفق عليه