إصلاح ذات البين
3 أكتوبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى
لا تزال الأجيال تتوارث المرض المزمن العداوة والبغضاء، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء”، حتى وقعت الفتنة والعداوة بين أفضل الناس بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن جاء حفيد النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنه، فأصلح بين المسلمين وحقن دمائهم في عام سُمي بعام الجماعة، ولقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الصلح العظيم، فقال على المنبر وبجواره الحسن: “إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين”، فمن أراد أن يكون سيداً فعليه بالإصلاح بين الناس، وفض النزاعات والخصومات؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى بنفسه الإصلاح، ولا ينيب غيره لذلك.
ودائما ما يسعى الشيطان الرجيم إلى إفساد العلاقات وقطع الصلات، وإذكاء نار البغضاء والعداوات، والتي تفسد على الإنسان الهدوء والسكون، وتقطع عنه حرارة الفرح والسعادة، فالواجب على العقلاء والحكماء (وناشري السعادة) احتواء الفتن والخصومات، وإفشال المخطط الشيطاني، كما قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات: 9]، وأن يبذلوا في سبيل الإصلاح الغالي والنفيس، ويسلكوا في قلع جذور الفتن كل طريق، حتى ولو بالكذب، فالله عز وجل أحب الكذب في الإصلاح، وأبغض الصدق في الفساد.
وترغيباً في الإصلاح عظم الله تعالى أجر المصلحين، كما قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء: 114]، وتأمل إلى لفظة (الناس) في الآية، والتي تشمل كل الناس، وتعم أي خصوم، حتى ولو كانت الخصومة بين غير المسلمين بعضهم بعضاً.
ثم علق الله تعالى الأجر العظيم ـ في ذات الآية ـ على مَن يريد بالإصلاح وجه الله، فقال تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: 114]، فعلى قدر نيتك وعَدْلك يأتيك التوفيق من الله؛ لأن القلوب بيد الله تعالى ولا يقدر على جمعها بعد تنافرها إلا الله.
أما من يُصلح ونيته فاسدة، فهو النَّمَّام الذي لا يخفى على الله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}[البقرة: 220]، ولقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من النَّمَّام ومن إفساده للعلاقات الزوجية، كما في الحديث: “ليس منا من خَبَّبَّ امرأة على زوجها”، قال صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة نَمَّام”، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: “إنهما يعذبان، أما أحدهما، فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله”، فمن يسرق السكينة من الناس، ويعذبهم بنار العداوة والبغضاء فهو أحق بالعذاب من غيره، كحال حمالة الحطب امرأة أبي لهب، التي كانت تحمل حطب الإفساد وتشعل الفتن بين الناس.
فلنحفاظ على سلامة صدورنا وهدوء قلوبنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يُبَلِّغُني أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئاً؛ فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”, ولا نستمع للنمامين ولا نستجيب للمفسدين الذين قال فيهم رب العالمين: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}[القلم: 10، 11].