فن إدارة العواطف

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

 

الإنسان يتكون من مجموعة من العواطف الرقيقة والأحاسيس الضعيفة، وهي في رقتها وضعفها مختلفة ومتناقضة، فتتقلب مشاعر الناس بين الحب والكره، الأمن والخوف، الفرح والحزن، السعادة والتعاسة، اللذة والألم، الجوع والعطش، الشبع والري، الرغبة والرهبة، وعلى الإنسان أن يتفنن في إدارة هذه العواطف بكفاءة عالية؛ وإلا كان أسيرا لسلبيات العواطف التي تضيق ذرعاً بالإنسان، وإن زادت عن حدها ربما أصابته بأمراض عصية على العلاج كالاكتئاب والاضطراب والأمراض العضوية، بل ربما قتلت الإنسان، كما رأينا وسمعنا قصص الانتحار، وقصة الشاب الذي قتل محبوبته؛ لأنها رفضته، ثم انتحر بعد ذلك، وقصص الشباب الذين يموتون بسبب صدمات عاطفية ونفسية، والمطلوب اعتدال الإنسان في عواطفه وضبط أحاسيسه ومشاعره،

وذلك من خلال أمرين:

الأول: تخفيف المعاناة، وقطع الاحزان أو تقليل مدتها، ومن ذلك:

ـ نظر الإنسان لمن هو دونه، قال صلى الله عليه وسلم: “انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم” فإذا نظر الفقير إلى من هو أفقر منه استراح قلبه وطاب عيشه، وإذا نظر المريض إلى من يصرخون ألماً في أقسام الحروق والعظام، خف ألمه وارتاح قلبه.

ـ تغيير جَو الحزن ومكان الهَمِّ وهيئة الغم، فقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا لموت عَمِّه وموت مؤنسة قلبه خديجة رضي الله عنها في عام الحزن، حتى قطع الله حزنه برحلتي الإسراء والمعراج، كما آنس روحه صلى الله عله وسلم بفريضة الصلاة، فكان صلى الله عليه وسلم لا يسترسل في الحزن ولا يفكر فيه، بل يسارع إلى قطعه بالصلاة الخاشعة، كما سارع أيضاً لحلق شعر أولاد أبي جعفر؛ تخفيفاً لحزنهم على موت أبيهم.

ـ معاونة الحزين في قطع حزنه وتخفيف ألمه، كزيارة المريض، أو تعزية أهل الميت ومواساتهم في مصابهم، أو جبر خاطر الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين؛ ولهذا كانت أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على إنسان أو شر تدفعه عن إنسان أو حُزن تُخففه عن إنسان.

ثانياً: زيادة نشاط الفرح بطرق شتى وأساليب مختلفة، ومن ذلك:
ـ دوام النظر في نعم الله تعالى وفضله، فهذا يشعل حرارة السعادة والفرح في القلب، وأسباب السعادة من حولنا أكثر من الهوى الذي نتنفسه، اقرأ بعمق قوله تعالى: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[النساء: 113]، فالسعادة في نفسك وصحتك وعافيتك وقوتك، السعادة عند أبيك وأمك، السعادة مع زوجك وأولادك، السعادة في عملك ووظيفتك ومذاكرتك، السعادة في بيتك وفي منزلك، فالسعيد من سعد في بيته.

ـ مشاركة الفرحان في فرحه والسعيد في سعادته، ليزيد من فرحة أخيه ويقتبس لنفسه من سعادته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشارك المتزوجين أفراحهم وأعراسهم ويدعوا لهم بالخير والبركة، ويشارك حتى الأطفال الصغار فرحتهم، كما شارك فرحة طفلة صغيرة بثيابها الجديدة، وقال لها: “أبلي وأخلقي”.

وهكذا ينظم الإنسان عواطفة ويرتب مشاعره؛ ليتحكم فيها، ويسعد بحسن إدارتها، فيعيش بين قطع الأحزان ومداواة الجروح له وللناس، وبين تكثير أسباب الفرح وإطالة أمده لنفسه وللناس من حوله.