حكاية الأربعة


بقلم الكاتب والداعية الإسلامى

الدكتور : سيد مندور

حينما قال الله تعالى للخليل ابراهيم عليه السلام فخذ أربعة من الطير فهناك أسرار في هذه القصة حيثُ خصَّ هذا العددَ،وقالَ طيرٌ ،ولم يقل: طيور ؟!

قال الله تعالى :
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 260].

ننظر إلى أقوالُ المفسِّرين :

الطبري: بيَّن أن العدد أربعة هو غاية الكفاية لإقامة البرهان، فهو أكثر من اثنين وأقل من الكثرة التي لا حاجة إليها، والمقصود حصول اليقين لا تكثير العدد .

القرطبي: قال إن الأربعة إشارة إلى جهات الأرض الأربع ليشاهد إبراهيم عليه السلام الإحياء من كل ناحية، وذكر أيضًا أنها كانت أجناسًا مختلفة من الطير (طاووس، ديك، غراب، حمامة) ليكون الدليل أوضح.

الرازي: أوضح أن اختيار الطيور دون غيرها لأن الطير أسرع الحيوانات حركة، فإذا عادت بعد التقطيع كان ذلك أدلَّ على تمام القدرة، ولم يُؤمر بأكثر من أربعة لأن المقصود المَثَل والبرهان.

ابن عاشور: أشار إلى أن التعبير بـ “مِنَ الطَّيْرِ” دون “طيور” أبلغ، لأن “الطير” اسم جنس يشمل الأنواع المختلفة، بخلاف “طيور” التي قد تُوهم أنها من نوع واحد فقط.

إذن،العدد أربعة: كافٍ ومناسب للبرهان، يرمز إلى الجهات الأربع، ويُظهر التنوع دون إفراط.

كلمة “الطَّيْر”: أفصح وأعم من “طيور”، وتشمل الأنواع كلها، فجاءت أبلغ وأدق في المعنى.

العبرةُ والاتعاظُ :
وهكذا يعلِّمنا الله تعالى أن الإيمان يزيد باليقين، وأن طلب الدليل لا ينافي الإيمان بل يُرسِّخه، كما طلب إبراهيم عليه السلام طمأنينة القلب بعد الإيمان،وفي هذه القصة أعظم برهان على أن الله تعالى قادر على إحياءِ الموتى مهما تفرَّقت أجزاؤهم، وأنه ﴿عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ في أمره وقدرته.