للرجال فقط ( نظرة حول التعدد )
8 سبتمبر، 2025
بناء الأسرة والمجتمع

بقلم الدكتور : وليد قاسم
مدرس الفقه العام بجامعة الأزهر
♦️الزواج من سنن المرسلين، وهو قربة وعبادة يثاب المرء عليها متى حسنت نيته، وصلح قصده.
وللزواج مقاصد سامية، وأهداف نبيلة، منها:
حسن العشرة، وإنجاب الذرية الصالحة التي تقر بها العين، وقضاء الوطر الجسدي والنفسي، فإن النفس بحاجة إلى أن تَألف وتُؤلف، ليسكن لوعها، وتجد أُنسها، وتزول وحشتها.
♦️ومشارب الناس في الزواج متنوعة، ومآربهم شتى، والنفس تسكن إلى من يشاكلها فتسعد بقربه، وتأنس بوجوده، وتطمئن لحديثه.
ومن أهم واجبات كل من الزوجين: السعي لإرضاء الطرف الآخر، والاجتهاد في تلبية مطالبه، وإشباعه نفسيًا وجسديًا؛ ليتحقق المقصود من الزواج.
♦️فإذا فهم كل من الزوجين ذلك، وعمل بمقتضاه، فيُرجى لتلك الحياة أن تُؤتي أكلها، وتحقق أهدافها، وتمخر عباب أمواج الحياة؛ حتى تصل إلى بر النجاة.
♦️ولكن ليست دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ويحدث ألا يجد أحد الزوجين في الآخر بغيته، وما تصبو إليه نفسه، فإن استحالت العشرة، فإن الله تعالى من رحمته شرع التسريح بإحسان، دون تجريح أو ظلم من أي من الطرفين للآخر.
♦️ومن المعضلات رغبة الزوج في التعدد، إما لأنه تواق للنساء، أو لحاجة تدفعه لذلك، كرغبة في الإنجاب أو لتحصيل مصلحة يرجوها من وراء التعدد.
♦️ومن هنا تقع المشكلات، وتتأزم العلاقات، وتُفجع الزوجة الأولى في قلبها، وشعورها الطيب مع زوجها، فيتبدل الحب والأنس والبهجة إلى مشاعر أخرى سلبية، يتفاوت النساء فيها مابين مقتصد ومغال.
♦️والحق أن الزوج وإن كان من حقه أن يتزوج طالما كانت عنده القدرة المادية (المالية والجسدية) والنفسية، والأخلاقية لكي يعدل بين نسائه؛ فإن هذا الحق ليس مطلقًا عن القيود، بل هو كأي حق مقيد بعدم التعسف في استعماله.
♦️وهذا معناه: أن للزوج الحقَ في التعدد، بشرط ألا يضر بزوجته الأولى، ومتى تسبب زواجه في الإضرار بها، فإن من حق الزوجة الأولى أن تطلب التطليق للضرر الواقع عليها.
♦️وهذا معلوم، لكن هنا نظر آخر، وهو النظر الديني (أي بين العبد وربه) فإن الزوج إذا لم يكن على قدر من التدين، كي يفي بحقوق زوجتيه، فإنه يقع في الإثم؛ إذ هو الذي حمَّل نفسه فوق طاقته، وإذا دخل الزوج في الزواج الثاني، وهو يعلم أنه سيضر بزوجته ضررًا لا تحتمله، فإنه لا يحل له أن يُدخل عليها هذا الضرر، فمن المقرر: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
♦️والزواج مصلحة شخصية للزوج، يقابلها مفسدة الإضرار بالزوجة، فيقارَن حينئذ بين هذا وذاك.
♦️وليس من الضرر المؤثر غيرة المرأة، أو محبة استئثارها بزوجها، فهذا في كل النساء، ولو كان ذلك مؤثرًا ما حصل نكاح قط.
♦️ومن ناحية أخرى: فليس كل رجل يقدر على التعدد، وإنما يقدر على التعدد الرجال (أقصد المستجمعين لصفات الكمال من الرجولة) الذين لديهم من القدرات العقلية والعاطفية ما يستطيعون به مواجهة مصاعب التعدد وتحدياته.
♦️فضعيف الشخصية الذي يتنمر على إحدى زوجتيه، ويقف مهينا أمام الأخرى لا يصلح للتعدد.
ومن لا يستطيع مجابهة سطوة امرأته لا يصلح للتعدد.
والفقير العالة الذي لا يستطيع الإنفاق على بيته لا يصلح للتعدد.
والظالم الجائر الذي لا يعرف العدل لا يصلح للتعدد.
والأهوج الأرعن الغضوب الذي لا يملك نفسه ساعة الغضب لا يصلح للتعدد.
♦️وكم وكم من أناس لا يصلحون للتعدد، ولا يصلح لهم التعدد، وقعوا في مخالفات عظيمة، ومن أعظمها تشويه صورة التعدد، وخلق حالة من التشنج في المجتمع تجاه التعدد، وتوفير مادة لمبغضي الإسلام لمهاجمة شريعة التعدد.
♦️وليت شعري: ما ذنب التعدد إن فعله أناس جاهلون بحقيقته ومقتضياته، وأي ذنب للفضيلة إن توشحتها مناطق الرذائل، وأي ذنب لمن تعثر حظها، أو تأخر زواجها، أو مات زوجها، كي تُحرم من أبسط حقوقها.
♦️إنا وإن كنا ندعو إلى ضبط التعدد عند الرجال، وتقييده لمن لديه القدرة عليه، فإننا في الوقت ذاته، ندعو النساء إلى نزع الأثرة، وترك الغيرة المذمومة التي تقف حائلا في طريق الحلال، ونذكر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
♦️مجرد وجهة نظر، والله تعالى أعلى وأعلم.
وليد قاسم ٨/ ٩/ ٢٠٢٥ م