المولد النبوي بين الخلاف المعتبر والوهم المفتعل

بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو
( الأزهرى البابي الحلبي )

حين يقال: إن هناك خلافا في مسألة المولد النبوي بين ” الصوفية” و” السلفية“، فهذه عبارة لا تستقيم على منهج البحث العلمي الرصين؛
إذ توهم السامع أن الطرفين يقفان على أرض واحدة في النظر والاعتبار.

والحق أن الأمر يشبه المقارنة بين أستاذ دكتور بروفيسور متخصص في الفقه وأصوله، وبين تلميذ في أولى مراحل التعليم الإبتدائي لا يعرف بعدُ قواعد الاستدلال.

إن ما يُسمّى خلاف الوهابية في هذه المسألة لا يعدو أن يكون جدلا عارضا، لا يقوم على أصول العلم، ولا يرتكز إلى أقوال معتبرة في الفقه.

إنه أقرب إلى المشاغبة منه إلى البحث الفقهي، وأبعد عن المناقشة العلمية من أن يُلتفت إليه.

ثم إن وصف المولد النبوي بأنه مسألة “صوفية” خطأ ظاهر؛ فالمسألة ليست شأنا ذوقيا ولا حالا وجدانيا كمسألة بحث فقهي، وإنما هي حكم فقهي خالص، تناوله علماء المذاهب الأربعة ببحث وتحقيق.

فمن نسب القول بجواز المولد إلى “الصوفية” فقد دل على جهله بالتمييز بين الأحكام الشرعية المبنية على أصول الفقه، وبين ما يكون من خصائص الطرق وأحوالها.

العالم وطالب العلم المنضبط إنما يقول: “هذا هو حكم المولد عند فقهاء المذاهب_الأربعة“، لا “هذا رأي الصوفية”.
ومن لم يُحسن هذا التفريق فليس من العلم في شيء.

و أن يُترك قول الفقهاء الراسخين، ويُلتفت إلى جدل قوم لم يتجاوزوا عتبة الفهم الأولي، فذلك شبيه بأن تستفتي طفلاً في مسائل الطب، ثم تعرض عن أقوال الجراحين الكبار.
وما أغرب أن يُرفع صوت الجهل فيُحسب خلافا، ثم يُطوى صوت العلم فيظن سكوتا!

والأدهى أن بعض هؤلاء يتحدثون في الفقه كما يتحدث العابر في السوق؛ بلا علم ولا اصطلاح ولا إحاطة.

فإذا سمعته علمت أن الجهل قد نطق بلسان صاحبه، وأن الوهم قد لبس على الناس ثوب العلم، وما هو من العلم في قليل ولا كثير.