
بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى
إذا استحكمت الغفلة من القلوب وتمكن الران منها بعث الله عز وجل الآيات تذكيرا بأهوال الآخرة وتغيير الكَون أجمع وتنبيهاً للساعة وتخويفاً من غضب الله تعالى، كما قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء:59]،
ومن هذه الآيات خسوف القمر وكسوف الشمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزنى عبده أو تزنى أمته، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً”، أي أن الخسوف والكسوف من أهم أسبابه الشرعية هي الذنوب والمعاصي خاصة انتهاك الأعراض.
وعن شؤم المعصية يقول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم: 41]، وقال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: 79]، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم”، فالذنوب تؤثر في الحجر فكيف بقلوب البشر! {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين: 14]، فالمعاصي تُظْلم القلوب شيئاً فشيئاً حتى يصبح القلب ـ كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ـ أسوداً مربادا كالكوز، مجخيا (أي منكوساً)لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه”، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “وإن للسيئة لسوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضا في قلوب الخلق”.
وكان ابن المبارك يقول إني لأري شؤم معصيتي في سوء خلق امرأتي ودابتي، وقال صلى الله عليه وسلم في التحذير من الصغائر: “إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه”.
وكان السلف الصالح يتعاملون مع المعصية بحذر شديد، فعن عبد الله بن مسعود قال: “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا – أي ذَبَّه عنه بيده-“.
ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم عند الخسوف أو الكسوف على هذه الطاعات والقربات، والتي منها:
ـ الصلاة قال أبو موسى الأشعري: ” خَسَفَتِ الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فَزِعا، يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد، فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله، وقال: “هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد، ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده”.
ـ التوبة والاستغفار قال صلى الله عليه وسلم: “فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره”، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
ـ الصدقة كما قال صلى الله عليه وسلم: “فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا”؛ لأن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.