
بحث بعنوان ( ميلاد النبي القدوة الحسنة )
للشيخ : رضا الصعيدى
إنَّ موضوع القدوة من المواضيع المهمة جدًّا في حياة البشرية، فالقدوة الحسنة هي الركيزة في المجتمع، وهي عامل التحوُّل السريع الفعَّال، فالقدوة عنصر مهم في كلِّ مجتمع، فمهما كان أفراده صالحين، فهم في أمَسِّ الحاجة للاقتداء بالنماذج الحيَّة، كيف لا وقد أمرَ الله نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بالاقتداء، فقال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].
ولا تخلو الحياة من مشاكل: يمكن أن نقول إنّه تكاد لا تخلو حياة زوجية من مشاكل، وهذا الأمر طبيعي وليس مستغرباً، فعند اختلاف الثقافات والتجارب والأنماط الفكرية في التحليل والاستنتاج، من المسلّم به في هذه الحالة أن يكون تنوُّع الآراء والمواقف هو الحاكم وسيّد الموقف.
مناسبة الموضوع لميلاد الحبيب :
ميلاد قدوتنا سيِّد البشَرصلى الله عليه وسلم، وهو من هو…؟
إنه رحمة الله المُهْداة للإنسانيَّة جَمْعاء، أفضل مولودٍ عرفَتْه البشريَّة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، رجل قامت له الدُّنيا ، واشتهر ميلاده قبل الميلاد، وتحدَّث الكون به قبل ظهورِه، وبعد ميلاده تحدَّث به الزمان وسعدت بذِكْراه الأكوان، وسُجِّل ميلاده في كتب المُرْسَلين قبل مولده؛ حيث بشَّر به موسى – عليه السَّلام – في التوراة، وبشَّر به عيسى – عليه السَّلام – في الإنجيل.
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
أيهاالاخوة:
◄القدوة الحسنة عنصر هامّ في كل مجتمع، فمهما كان أفراده صالحين فهم في أمس الحاجة لرؤية القدوات، ولكن ما مفهوم القدوة ؟؟
مفهوم القدوة :
أولًا: المعنى اللغوي:
القدو: «أصل البناء الذي ينشعب منه تصريف الاقتداء» ، والقدوة، بضم القاف وكسرها: بمعنى الأسوة ، وفي المصباح المنير: «الضم أكثر من الكسر» ، وهي اسمٌ من: اقتدى به إذا فعل مثل فعله تأسيًا، وفلانٌ قدوةٌ، أي: يقتدى به، وتقدت به دابته: لزمت سنن الطريق.
والقدوة أيضا: التقدم. ويقال: فلان لا يقاديه أحدٌ ولا يماديه ولا يباريه ولا يجاريه، وذلك إذا برز في الخلال كلها .
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
القدوة: بالكسر والضم: «الاقتداء بالغير ومتابعته والتأسي به» .
وعرفها الأصفهاني بأنها: «الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنًا وإن قبيحًا، وإن سارًّا وإن ضارًّا» .
وذكر الشنقيطي في أضواء البيان أن الأسوة والقدوة سواء، والمراد بهما: اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنة أو قبيحة.
حاجة الناس الى القدوة :
أيها الأحباب! الناس بحاجة إلى قدوة وليسوا بحاجة إلى منظرين ينظرون تنظيراً بارداً، باهتاً لا علاقة له بالصدق ولا بالواقع.
فالقُدوة الحسنة هي المحرِّك والدافع للإنسان للارتقاء بالذات، فمَن جعَل له قدوة عظيمة في صفاته، فلا بدَّ أن يتأسى به في كلِّ صفاته.
والقدوة الحسنة تهدي الشبابَ إلى الصراط المستقيم في عقيدتهم، وفي أخلاقهم وسلوكهم، وفي اهتمامهم وفي آمالهم وأهدافهم، والإنسان في جميع مراحل عمره بحاجةٍ إلى القدوة الحسنة التي يتَّبُعها ويُطبِّقُها في حياته؛ إذ معنى الاقتداء: العملُ بأعمال المُقتَدى به في الدين أو الدنيا.
لما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم يحول هذا المنهج الرباني والنبوي في حياتهم إلى منهج عملي تعلقت به القلوب، فالقلوب تتعلق بالجمال كأمر فطري جبلي، فكيف بمن جمع الله له الجمال والكمال خَلقاً وخُلقاً؟
كان يقول – صلى الله عليه وسلم – في خُطبه: «إن أحسن الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد – صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة»؛ رواه مسلم من حديث جابر – رضي الله عنه – وقال صلى الله عليه وسلم: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلِهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ» تركتكم على البيضاء الملة الواضحة النقية، لا يوجد فيها شيء واضح، وشيء مبهم، بل كلها بيضاء، ليس فيها ليل أسود، بل كلها نهار ساطع أبيض، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
ميل النفس الى التقليد خاصة عند النشأة :
مشى الطاوس يوماً باختيال فقلده شكل مشيته بنوه
فقال: علام تختالون قالوا بدأت به ونحن مقلدوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
أهمية التربية العملية:
لأنها تنقل القدوة المعرفة من الإطار النظري إلى التطبيق العملي المؤثر، خاصة في مجال التربية، حيث تثبت قدرة الإنسان على التحلي بالفضائل والابتعاد عن الانحراف.
ولهذا لما اتَّخَذَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ( قبل تحريمه على الرجال ) اتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ وَقَالَ: إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا” فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. (رواه البخاري ومسلم).
والقدوة الحسنة – العملية – من الوسائل المهمة في تبليغ الدعوة، “فالتبليغ يكون عن طريق القدوة الحسنة، والسيرة الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والتمسك بأهداب الدين”.
أوصى أحد السلف معلم ولده قائلاً: “لتكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت” .
كثرة الفتن :
ففي الحديث : “ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي” رواه أحمد، حديث صحيح، معنى ذلك: التباعد من الفتن، وعدم المشاركة فيها.
وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا” رواه مسلم.
لماذا النبي هو القدوة ؟
رسولنا – صلى الله عليه وسلم – هو إمام الدعاة، وهو القدوة والأسوة والداعية المعلم الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه، وأن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وخلقنا ومعاملاتنا وجميع أمور حياتنا، قال تعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” [يوسف:108]، وقال تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً” [الأحزاب:21].
قال ابن كثير : “هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أقواله وأفعاله وأحواله.
قال ابن حزمٍ: ” مَنْ أراد خيرَ الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتدِ بمحمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه ” .
الرحمةُ المهداةُ جاء مبشِّرا ** ولأفضلِ الأديان قام فأنـــــذرا
ولأكرمِ الأخلاق جاء مُتمِّمًا ** يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا
صلى عليه اللهُ في ملكوته ** ما قام عبدٌ في الصلاة وكبـــّرا
تحقق كل الوان القدوة فيه كالتالي:
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ *** ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
في كل جانب من حياته قدوة وعظمة ، وكان يقول : ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، ونهى عن الكذب عليه ولو مجاملة أو تجميلا ، فحياته كلها جميله لا تحتاج الى مجاملة ولا تجميل ، وصدق لما قال : أنا سيد ولد آدم ولا فخر .
جمع الله له كل ما يحتاج اليه المسلم من القدوة بطريقه لم تتوفر لنبي قبله ..
سيدنا عيسى قد نقتدي به كفقير زاهد صابر أو شاب عفيف ، لكن لم يتوفر فيه جانب الاقتداء كزوج مع زوجته ، وبالتالي ليس قدوه في الأبوة … لانه لم يتزوج أصلا .. كذلك لا يتوفر فيه الاقتداء به كحاكم عادل لأنه لم يحكم ولم يكن ملكا .. سيدنا سليمان قد نقتدي به كحاكم عادل شاكر ، ولكن لا يتوفر فيه جانب الاقتداء كمحكوم ضعيف أو مستضعف ، أو فقير ، لا ، لأنه لم يكن فقيرا ولا مستضعفا ، لكن النبي الوحيد الذي نجد فيه جميع جوانب الاقتداء في كل الأحوال هو نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقد عاشا غنيا وفقيرا ، حاكما ومحكوما ، قويا ومستضعفا، زوج وقبلها أعزب ، عاش معاهداً ومسالماً ومحارباً ، وتعامل مع كل أطياف المجتمع ، مسلمين وغير مسلمين ، مع العرب ومع العجم ،مع الحضر والبدو ، مع قبائل متصارعه مثل الأوس والخزرج ، ومع قوى عظمى مثل الفرس والروم ، رايناه متعلما من جبريل ، ومعلما للبشرية ، وقاضيا ، وحليما وغضبانا …..الخ ، وفي كل أحواله جانب عظمة وقدوة حسنة للعالمين … مستفاد من حقلة 1 من برنامج على خطى الحبيب د / عمرو خالد .
لقطات من حياته كقدوة :
نبينا القدوة في العمل الجماعي :
كان يبدأ بنفسه قبل الناس ليقتدي الناس به، موقفه في بناء المسجد؛ حيث كان يشارك الصحابة في الحفر ونقل التراب، ورفع البناء، وكانوا يرتكزون أثناء عملهم بقولهم:
لئن قعدنا والرسول يعملُ…. لذاك منا العمل المضللُ
وفي غزوة الأحزاب (الخندق) أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القدوة العملية في مشاركته لأصحابه التعب والعمل، والآلام والآمال، فقد تولى المسلمون وعلى رأسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، المهمة الشاقة في حفر الخندق، ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع، بعرض تسعة أذرع، وعمق يقرب من عشرة أذرع.
نبينا هو القدوة في القيام حتى تورمت قدماه :
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا))، فلما كثر لحمه، صلَّى جالسًا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع؛ (البخاري حديث 4837/ مسلم حديث 2820).
نبينا هو القدوة في الصبر على الأذى :
لقد ابتُلِي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتحمَّل من الأذى – من أجل نشر الإسلام – ما لا يستطيع إنسان أن يتحمله.
نبينا هو القدوة في الصبر على المرض :
روى الشيخان عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكًا شديدًا، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا شديدًا؟! (يصيبك الألم والتعب)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم))، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصيبه أذًى، مرض فما سواه، إلا حط الله له سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها))؛ (البخاري حديث: 5660/ مسلم حديث: 2571).
نبينا هو القدوة في الزهد:
روى الشيخان عن عائشة أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (البخاري حديث 5416/ مسلم حديث 2970).
روى البخاري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر؛ (البخاري حديث 6455).
نبينا هو القدوة في العفو عن الناس:
لما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، اجتمع له أهلها عند الكعبة، ثم قال: ((يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟)) قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))؛ (سيرة ابن هشام جـ 4 صـ 412).
نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في العدل:
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتشفع في حد من حدود الله؟!))، ثم قام فاختطب، ثم قال: ((إنما أهلك الذين قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعتُ يدها))؛ (البخاري حديث 3475/ مسلم حديث 1688).
روى مسلم عن جابر بن عبدالله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (وذلك في حجة الوداع): ((وربا الجاهلية موضوع، وأول ربًا أضع ربانا رِبَا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله))؛ (مسلم حديث 1218).
نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في الشجاعة:
(1) روى مسلم عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف، وهو يقول: ((لم تراعوا، لم تراعوا))، قال: ((وجدناه بحرًا، أو: إنه لبحر))، قال: وكان فرسًا يبطَّأُ؛ (أي معروف بالبطء والعجز وسوء السير)؛ (مسلم حديث 2307).
(2) روى مسلم عن البراء قال: كنا والله إذا احمرَّ البأس (القتال) نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم؛ (مسلم حديث 1776).
نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في الكرم:
روى مسلم عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجودُ ما يكون في شهر رمضان، إن جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقِيَه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة؛ (مسلم حديث 2308).
وروى مسلم عن أنس قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلِموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة؛ (مسلم حديث 2312).
نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة في بيته:
(1) روى البخاري عن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة؛ (البخاري حديث 676).
(2) روى أحمدُ عن عروة بن الزبير قال: سأل رجل عائشة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته شيئًا؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويَخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 42 حديث 25341).
نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة في حسن العشرة :
روى الطبراني عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعتقل (يحلُب)ُ الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير؛ (حديث صحيح)
روى الطبراني عن سهل بن حنيف رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء (فقراء) المسلمين، ويزُورهم، ويعُود مرضاهم، ويشهَد جنائزهم؛ (حديث صحيح)
فكان يتفقَّد أصحابه ويسأل عنهم، فمَن مرض عاده، ومَن غاب دعا له، ومَن مات استرجع فيه، وأتبعه الدعاء له، ومَن تخوَّف أنْ يكون وجد في نفسه شيئًا، انطلق إليه حتى يأتيه في منزله.
◄كان يخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكُل ضيافتهم، ويتألَّف أهل الشرف، ويُكرِم أهل الفضل، ولا يطوي بشره عن أحدٍ، ولا يجفو أحدًا، ويقبل مَعذِرة المعتذِر إليه، الضعيف عنده والقوي في الحق سَواء، لا يدع أحدًا يمشي خلفه، ويقول: ((خلُّوا ظهري للملائكة))، ولا يدع أحدًا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله، فإنْ أبى قال: ((تقدمني إلى المكان الفلاني))، ويخدم مَن خدمه، وله عبيد وإماء، ولا يرتفع عنهم في مأكل ولا ملبس.
روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين أنه قال: “ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وقد ثبتت أبوته لنا كذلك؛ كما في الحديث: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة في الايثار :
روى البخاري عن سهل رضي الله عنه: أن امرأةً جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببُردة منسوجة فيها حاشيتها، أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشَّملة، قال: نعم، قالت: نسجتُها بيدي، فجئت لأكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فحسَّنها فلان، فقال: اكسنيها؛ ما أحسنها! قال القوم: ما أحسنتَ! لبِسها النبيُّ صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألته، وعلمت أنه لا يرد، قال: إني والله ما سألته لألبسه، إنما سألته لتكون كفَني، قال سهل: فكانت كفَنَه؛ (البخاري حديث 1277).
نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في الرفق بالناس:
قال الله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
وقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
روى مسلم عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: ((اللهم مَن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومَن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به))؛ (مسلم حديث 1828).
نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في الإصلاح بين الناس:
روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن أهل قُباء اقتتلوا حتى ترامَوْا بالحجارة، فأُخبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: ((اذهبوا بنا نُصلِح بينهم))؛ (البخاري حديث 2693).
نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في الرفق بالحيوانات:
(1) روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: ((اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحةً، وكُلوها صالحةً))؛ (حديث صحيح)
(2) روى الشيخان عن سعيد بن جبير قال: مر ابن عمر بنفر قد نصبوا دجاجةً يترامونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا؛ (البخاري حديث 5515/ مسلم حديث 1958).
امتياز في كل شي :
وقال عنه أبو بكر رضي الله عنه: طفت العرب وسمعت إلى فصاحتهم فلم أجد أفصح من رسول الله لسانا.
وقال عنه انس رضي الله عنه: ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما شممت ريحا ولا عرقا أفضل من رائحة وعرق رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، متفق عليه.
وقالت عنه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: كان خلقه القرآن أو كان قرآنا يمشي على الأرض.
قال الإمام الشاطبى: “وإنما كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن لأنه حكَّم الوحي على نفسه حتى صار في عمله وعلمه على وفقه، فكان للوحي موافقًا قائلاً مذعنًا ملبيًا واقفًا عند حكمه”. فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض. ولقد شهد الله سبحانه وتعالى له بالأخلاق العظيمة في كل الأمور في حياته صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4)، من أجل ذلك ارتضاه الله تعالى للبشرية كلها بأنه القدوة الحسنة، والأسوة الطيبة في كل ما يصدر عنه من أقوالٍ وأفعال.
حتى قبل البعثة كان قدوة :
كانت حياة النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة حياة شريفة، لم تعرف له فيها هفوة، ولم تُحصَ عليه فيها زلّة، لقد شبَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحوطه الله – سبحانه وتعالى – بعنايته، ويحفظه من أقذار الجاهلية، لما يريده له من كرامته ورسالته، حتى صار أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم حسباً، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، تنزهاً وتكرماً حتى صار معروفاً بالأمين.
لقد نشأ سليم العقيدة، صادق الإيمان، عميق التفكير، غير خاضع لترهات الجاهلية، فما عُرف عنه أنه سجد لصنم، أو تمسح به، أو ذهب إلى عرّاف أو كاهن، بل بُغِّضت إليه عبادة الأصنام، والتمسح بها. وكذلك بُغِّض إليه شرب خمراً قط، فلم يتناوله.
إن محمد – صلى الله عليه وسلم – القدوة الصالحة التي أصلحت الكون كله سياسيا واجتماعيا وصحيا واقتصاديا ونفسيا، وفي كل شؤون الحياة، فانتشر الأمن والأمان، وعم العدل الإحسان، حفظت الحدود، وتحققت العهود، وأديت الحقوق، وعلا القران، زاد الإيمان، فمن أراد أن يقتدي ومن أراد أن يُصلح ومن أراد أن يغير..!! من هنا يبدأ الإصلاح.! ومن هنا يبدأ التغيير..!! ومن هنا يبدأ الحل لكل مشاكل الحياة…!!!
وقد أحسن شوقي في تعداد بعض أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العظيمة، وخِصاله الكريمة، وشمائله المباركة، حين قال:
زَانَتْكَ فِي الخُلُقِ العَظِيمِ شَمَائِلٌ يُغَرَى بِهِنَّ وَيُولَعُ الكُرُمَاءُ
وَالحُسْنُ مِنْ كَرَمِ الوُجُوهِ وَخَيْرُهُ مَا أُوتِيَ القُوَّادُ وَالزُّعَمَاءُ
فَإِذَا سَخَوْتَ بَلَغْتَ بِالجُودِ المَدَى وَفَعَلْتَ مَا لاَ تَفْعَلُ الأَنْوَاءُ
وَإِذَا عَفَوْتَ فَقَادِرًا وَمُقَدَّرًا لاَ يَسْتَهِينُ بِعَفْوِكَ الجُهَلاَءُ
وَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ هَذَانِ فِي الدُّنْيَا هُمَا الرُّحَمَاءُ
وَإِذَا غَضِبْتَ فَإِنَّمَا هِيَ غَضْبَةٌ فِي الحَقِّ لاَ ضِغْنٌ وَلاَ بَغْضَاءُ
وَإِذَا رَضِيتَ فَذَاكَ فِي مَرْضَاتِهِ وَرِضَا الكَثِيرِ تَحَلُّمٌ وَرِيَاءُ