خطبة بعنوان «مولد الهادي البشير ﷺ» للشيخ أحمد عزت حسن
31 أغسطس، 2025
خطب منبرية

خطبة بعنوان «مولد الهادي البشير ﷺ»
للشيخ أحمد عزت حسن
خطبة الجمعة ١٣ من ربيع أول ١٤٤٧ هـ الموافق ٥ من سبتمــبر ٢٠٢٥م
الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد،
لم يكن ميلاد النبى ﷺ ميلاد لشخصٍ عادى بل كان تجديدًا لميلاد الزمان وتجديدًا لميلاد المكان وتجديدًا لميلاد الإنسان وكذلك تجديدًا لميلاد الأديان، وإذا أردنا مصداق ذلك فما علينا إلا أن نرجع بالبصر إلى ما قبل البعثة ثم نرجع بالبصر كرّةً أخرى لنرى البون الشاسع بين الحياتين الفرق بين الحياتين الفرق بين كيف كانوا وكيف أصبحوا؟ هو الميلاد النبوى هو البعثة المحمدية، إنه دمٌ جديد سرى فى جسد الإنسانية الخامد فأعاد لها الحياه من جديد حتى تسرى فى عروقه فيستعيد قوته وشبابه
انظر إلى المجتمع الجاهلى وما كان عليه من شرور وآثام وظلم وطغيان، بُعث النبى والعالم بنيان أُصيب بزلزال عنيف هزّه هزا عنيفا فإذا كل شئٍ فى غير موضعه
من الناحية الدينية رأى إنسانا هانت عليه آدميته فسجد للشجر والحجر وكل ما لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرًا مجتمع كل شئ فى غير شكله وغير محله؛ فالذئب راعيًا والخصم الجائر قاضيًا والمجرم سعيدًا حظيًا والصالح محروماً شقيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا
ومن الناحية الإجتماعية رأى الاختلاط بين الرجل والمرأة إلى حد لا نستطيع التعبير عنه إلا بالفحش والدعارة والسفاح فكانت فاحشة الزنا سائدة فى جميع الأوساط ومعاقرة الخمر إلى حد الإدمان والخلاعة إلى حد الاستهتار وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستغلال الأموال والطمع إلى حد الجشع والقسوة إلى حد الوأد وقتل الأولاد شعارهم: “ومن لا يظلم الناس يُظْلم”
كانوا يعيشون حياتهم يستمتعون بها ولا يفكرون فى غد أو حساب يكفى أحدهم إذا أراد الخروج أن يزجر الطير فإن طارت ناحية اليمين مضى وإلا تراجع عن قصده، أويكفيه أن يستقسم بالأزلام يفعل أو لا يفعل، وإذا أراد خلاف ما أرادت الأزلام يكفى أن يدفع للكاهن حتى يعطيه ما يريد ، فإذا ربحت تجارته يقدم القرابين ويعتذر عن عدم الانصياع لرغبته، ومادام قادرًا على رشوة الإله فليفعل ما يشاء
كانت شبه الجزيرة تموج بالفتن يبطش القوى بالضعيف والغنى بالفقير وتعصف العصبية العمياء بالقيم الإنسانية فتمزق الروابط وتقطع الصلات لا يسألون أخاهم على ما قال فى النائبات برهانا فكانوا أشتاتا لا تجمعهم عقيدة صحيحة ولا تؤلف بينهم رابطة, كانت الحرب تقام لأتفه الأسباب
كانت التجارة تقوم على الجشع والكسب الكثير حتى ولو استرق المدين وبيع نظير ما عليه من دين وبالجملة كانت قافلة الحياة جائرة السبيل حائرة الدليل
وحتى ترى عظيم المسؤلية التى سيتحملها هذا النبى العظيم وكيف سيواجه كل هذه الموبقات التى شبّ عليها الصغير وشاب عليها الكبير ما عليك إلا أن تقارن فبضدها تتميز الأشياء .
لك أن تقارن بين هذا الموقف وبين البشر حينما يجرمون فعل هذا الأمر “فقد حاولت الحكومة الأمريكية مرة القضاء على هذه الظاهرة فسنت قانونًا في سنة ١٩١٩ سمي قانون “الجفاف” ! من باب التهكم عليه؛ لأنه يمنع “الري” بالخمر! وقد ظل هذا القانون قائما مدة أربعة عشر عامًا، حتى اضطرت الحكومة إلى إلغائه في سنة ١٩٣٣. وكانت قد استخدمت جميع وسائل النشر والإذاعة والسينما والمحاضرات للدعاية ضد الخمر. ويقدرون ما أنفقته الدولة في الدعاية ضد الخمر بما يزيد على ستين مليونًا من الدولارات.
وأن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على عشرة بلايين صفحة.
وما تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة أربعة عشر عاما لا يقل عن ٢٥٠ مليون جنيه.
وقد أعدم فيها ٣٠٠ نفس، وسُجن كذلك ٣٣٥ر٣٥٢ شحصًا وبلغت الغرامات ١٦ مليون جنيه.
وصادرت من الأملاك ما يبلغ ٤٠٠ مليون وأربعة بلايين جنيه. وبعد ذلك كله اضطرت إلى التراجع وإلغاء القانون
أما النبى ﷺ فكم أنفق؟! لم ينفق سوى زرع الإيمان فى القلوب، فقضى على هذه الظاهرة العميقة في المجتمع الجاهلي ببضع آيات من القرآن.
وهذا هو الفرق في علاج النفس البشرية وفي علاج المجتمع الإنساني بمنهج الله ومناهج البشر.
لقد استخدم المنهج الحكيم وهو التدرج فى التشريع
فأولا:- تمت الإشارة إلى مصدرها الذى تُتخذ منه وهو قوله تعالى: “ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً…
ثم بدأ الصحابة يسألون عن حكمها ” يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثمٌ كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما. ..” وصاحب العقل عليه أن يحسن الاختيار بين شيئن أحدهما فيه ضرر كبير ومنفعة بسيطة
وكانت هذه فرصة لإعمال العقل ثم بدأ التحريم الجزئى عن تناولها فى وقت الصلاة “ياأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون…. ثم جاء التحريم المطلق والنهى الجذرى لمّا استقر الإيمان فى القلوب: “ياأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون”
وكم كانت الروعة فى تنفيذ هذا الأمر حينما نادى المنادى:
“إن الله حرّم الخمر” فكان الرجل يرفع الكأس إلى فيه فيسمع النداء فيقذف به على الأرض وكان كل من عنده خمر أهرقها على الأرض حتى امتلات الشوارع بالخمر
فانظر الى هذا المنهج الحكيم وهو التدرج فى التشريع فى معالجة الآفات المجتمعية
بل وانظر إلى التعبير القرآنى “فاجتنبوه” أى ابتعدوا عنها وعن كل ما يؤدى إليها سواء بالبيع أو الشراء أو التجارة فيها أو العمل فى مكان تشرب فيه ولم يقل لا تشربوها, وهكذا حُرمت الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وكل المحرمات بأوامر بسيطة وسرعة فى التنفيذ لأن النبى ﷺ
كان يخاطب العقل والوجدان والمشاعر والإيمان الرابض فى القلوب
كان ميلاد النبي ﷺ تجديدًا لميلاد الزمان الذى أفسده الإنسان، ولم يدر قيمته
جاء النبى ﷺ ليقول لنا: إننا مسؤلون عن كل لحظة تمر بحياتنا، يجب أن نستغلها فيما يعود نفعه “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون” وقال ﷺ: “اغتنم خمسًا قبل خمس … وشبابك قبل هرمك
ميلاد المكان الذي دنسه أهل الشرك باحاطته بالأصنام التى تُعبد من دون الله
جاء ليعلن التوحيد ويقضى على كل مظاهر الشرك ويحطم كل ما يُعبد من دون الله “وقل جاء الحق تزهق الباطل أن الباطل كان زهوقاً”
كان تجديداً لميلاد الإنسان الذى فسد ذوقه وانحط فى رتبته إلى أقل من الأنعام فسجد للشجر والحجر وكل ما لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا جاء ليقول له أنك خليفة الله فى أرضه جاء ليعلن كرامته: “ولقد كرمنا بنى آدم..” جاء ليضعه فى مكانه الطبيعى الذى أراده الله له
أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.
فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما; تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما;
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، فاللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين … وبعد:
أيها الإخوة المؤمنين
لقد كان ميلاد النبى ﷺ تجديدًا لميلاد الأديان التى طُمست وضاعت معالمها فأصبحت لا تعرف منها الصحيح من الزائف وكانت الأديان قبله إما أديانًا وضعية وثنيه تتخذ من الأنعام والطبيعة إلاها
– وإما أديانًا سماوية حُرفت وضاغت معالمها الأولى ولم نعد نعرف أو ندري أو نَميز كلام الله من كلام البشر فجاء ليعيد إلى الوحى الإلهى قدسيته، ويفضح المحرفين الذين حرّفوا وبدّلوا
وإلا فكيف يستسيغ العقل أن يصدق أن الابن أكبر أبيه بسنتين
وكيف يصدق العقل أن هذا النبي يرتد ويعبد الأصنام وآخر يزنى بابنته، وثالث يتحايل ليتزوج بزوجة قائد جنده.
وأشياء أخري يخجل الإنسان عن ذكرها بله التعبد بها
“إننا نكاد نجزم بأن محرفى الأديان ما كانوا يتوقعون أن للوحى معقب أمين يفضحهم ويكشف مخازيهم فلما جاء النبى ﷺ ، وانكشف باطلهم أخذوا يدافعون عن باطلهم بباطل مثله فكانوا كمن يضع الصفر بجوار الصفر حاسبين أنهم يزيدون من قيمته، ولا يعرفون الصفر مهما تعدد لا تزيد قيمته فهو صفر” د/ عبد العزيز المطعني رحمه الله
حقاً لقد كان ميلاد النبى ﷺ تجديدًا لميلاد الزمان وتجديداً لميلاد المكان و الأديان والإنسانية كلها ميلاد رحمة للعالمين ميلاد إنسان جديد، فعلينا أن نتخلق بخلق وهدى النبى ﷺ فى ذكرى مولده نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
الدعاء