السلام طريقنا.. فلنرفض زرع الفتن بين الشعوب
22 أغسطس، 2025
قبس من أنوار النبوة

بقلم الدكتورة : حنان محمد
( واعظة بوزارة الأوقاف المصرية )
السيرة النبوية الشريفة بها كثير من العِبر والعِظات، التي يستطيع المسلم أن يسترشد بها، ويسير في هداها، ويقتبس من أنوارها، ويفيد منها في حياته وواقعه المعيش، إلا أن الجماعات المتطرّفة قد استغلت مفهوم حب الاوطان الى مفهوم ( الدولة الاسلامية ) لجذب العديد من المقاتلين في صفوفها، تحت مسمى مزعوم وقد صار للإسلام مهابة واصبح قويّ الأركان، ثابتة القواعد،
وقد عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتماء للوطن وحبُّه والمحافظة عليه من أعظم دروس السيرة النبوية الشريفة في مواطن كثيرة، في بداية بعثته وحين هجرته، ففي بداية البعثة لمّا نزل عليه الوَحي الشريف، وذهب صلى الله عليه وسلم مع زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، يقصُّ عليه ما حدث معه من أمر نزول الوَحي، وورقة يفسّر له ذلك حتى قال: «ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومُك»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَمُخْرِجِيَّ هم؟!» [رواه البخاري].
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «أَومُخْرِجِيّ هم؟!» ما يدلُّ على تألُّمه، كأنَّه استبعد صلى الله عليه وسلم أن يخرجه قومه من وطنه المحبوب، حَرم الله وجوار بيته، وبلدة أبيه إسماعيل من غير سبب، فإنَّه صلى الله عليه وسلم لم يكن منه فيما مضى ولا فيما سيأتي سبب يقتضي إخراجًا، بل كانت منه المحاسن الظاهرات، والكرامات المقتضية لإكرامه وإنزاله بأعلى الدرجات.
وفي ليلةِ الهجرة المباركة، يُسجل التاريخ بمداد من نور على جبين الدهر ذلكم الموقف الخالد، الذي يأخذ بمجامع القلوب، حين وقف النبي صلوات الله وسلامه عليه على مشارف مكّة قاصدًا المدينة المنورة، وقف على مشارف وطنه المحبوب الذي ترعرع فيه، وخالط حبُّه شغاف قلبه، وقف يودعُ أرض مكة وبيوتها، يستعيد المواقف والذكريات التي عاشها على هذه الأرض في مراحل الصّبا والشباب، وهو يقول بنبرة المحبِّ الشفوق، معبِّرًا عن حبه لذاك الوطن: «والله إنِّي أعلم أنك خيرُ أرض الله، وأحبها إلى الله، ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منك ما خرجتُ»، وفي رواية أخرى: «ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ!، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنْتُ غيرك» [رواه الترمذي].
بهذه الكلمات الرقيقة، وبتلك العبارات الأخَّاذة، يتجلَّى حبُّ النبي صلى الله عليه وسلم الشديد لبلده ووطنه، كما يظهر بوضوح مدى حزنه لمفارقته لوطنه، لولا اضطراره لذلك.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتمي إلى ذاك الوطن بكل مشاعره وكِيانه، وبالرغم من أنه لاقى على أيدي المشركين في مكة كافة أنواع التعذيب النفسيّ والبدنيّ، وعانى أشدَّ المعاناة هو وأصحابه من ألوان الاضطهاد، إلا أن ذلك لم يحوّله إلى ساخط على وطنه، أو كارهٍ لبلده، أو مفسدٍ لمقوماته أو منتهكٍ لحرماته، بدعوى الانتقام، أو الشعور بالمظلوميّة التي استباح بها أصحاب الفكر المتطرّف، هدم الأوطان، وتخريب العمران والتوقيع بين الشعوب بدعاوى الكراهيه….الخ
ولشدة تعلُّقه صلى الله عليه وسلم بموطنه الأول، جاء الوعد الإلهيّ الكريم يطمئن قلب النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة الحتميّة إلى ذلك الوطن العزيز، فقال تعالى مخاطبًا نبيَّه صلى الله عليه وسلم:
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ}.
اللهم احفظ مصر وأهلها وجيشها وقائدها اللهم آمين