بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو ( الأزهرى البابي الحلبي )
إن من يريد أن يبني جيش تحرير القدس، يخطئ خطأ فاحشا إذا ظن أن الأمر قوة عضلات وسواعد فحسب. فالطفل الذي يُدرَّب على فنون الحرب والقتال، من غير تربية على مكارم الأخلاق، ولا تهذيب للسلوك، ولا فقه في الدين، إنما هو قنبلة موقوتة، إذا انفجرت، كانت على الإسلام أضرَّ من أعدائه.
لقد جربنا هذا من قبل؛ فكم من فتى ظن أن حيازة السلاح تمنحه لقب “شيخ الإسلام”، فإذا به يستحل الأموال، ويطلق الفتاوى المعلبة، ويرى نفسه المسلم الوحيد، ثم يرفع شعار “أنا ربكم الأعلى” في سلوكه، فيستطيل على الناس، ويزدري كل مخالف، ويجر البلاد إلى فوضى لا آخر لها، بينما تبقى القدس حلما بعيدا.
انظروا — إن شئتم — إلى التاريخ: كيف نشأ جيل صلاح الدين؟ لم يكن العناية بالقشور والمظاهر قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾، وإنما كان الاهتمام بتربية النفوس، كما في الظاهر لا يغني عن الباطن شيئا.
نور الدين محمود زنكي أدرك هذه الحقيقة، فلجأ إلى الجيل الصغير، يربيه على موائد كتاب الله، ويغذيه بالفقه، ويهذبه بالتزكية. لم يهمل الزوايا والتكايا الصوفية، بل رآها روابط روحية أشبه برباط الجيش، تحفظ ظهره، وتكون بين أفراده صلة لا سلكية، معنوية وروحية، تُبقيهم جسدا واحدا وروحا واحدة.
أما اليوم، فكثير ممن يتصدر لتدريب الأطفال على القتال، لم يذق طعم العلم، ولا عرف من السلوك إلا اسمه، فينشأ من تحت يده جيل مشوه، لا يفقه دينه، ولا يعرف غايته، ولا يملك أدوات إعمار البلاد قبل تحريرها.
إن تدريب الأجساد وحده، من غير إعداد النفوس، وبناء العقول، وتوفير العدة، هو عبء جديد على المجتمع، يُثقله بدل أن يُقوّيه.
ما هكذا تُبنى الأمم، ولا هكذا يُنشأ جيل يرفع راية القدس.