الكرامات بعد الممات: هل ينفع الولي بعد وفاته؟
6 أغسطس، 2025
شبهات حول قضايا التصوف

بقلم الشيخ : نور عبدالبديع حمودة الأزهرى الشافعي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
المقدمة:
الحمد لله الذي أكرم أولياءه وأظهر فضلهم في الدنيا والآخرة، وجعل أرواحهم الطاهرة مصدر بركة ورحمة، نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فقد شاع السؤال وتكرر: هل ينفع الولي الصالح بعد موته؟ وهل تمتد بركاته وكراماته إلى من حوله في عالم البرزخ؟ وهل يسمع الأموات ويستبشرون بزائريهم؟
هذه الأسئلة وغيرها نجيب عنها من خلال أقوال المحققين من علماء الإسلام، وفي مقدمتهم الإمامان: ابن القيم الجوزية وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى.
أولا: شفاعة الولي في جيرانه بعد وفاته
يروي ابن القيم في كتابه الروح (ص114 طبعة دار الفجر / ص81-82 طبعة بيروت) عن ابن أبي الدنيا أن رجلًا من أهل المدينة مات، فرآه أحدهم في المنام كأنه من أهل النار، ثم رآه مرة أخرى كأنه من أهل الجنة، فقال له: “ألم تكن من أهل النار؟”
فقال: “بلى، ولكن دُفن معنا رجل من الصالحين، فشفّع في أربعين من جيرانه، فكنت أحدهم!”
فانظر إلى أثر الولي الصالح بعد وفاته، حيث تنال البركة والرحمة حتى من جاوروه في القبور.
ثانياً: أرواح الأولياء لا تموت
قال ابن القيم (ص83 طبعة بيروت):
“روح الولي في الدار الآخرة تهزم الجيوش الكثيرة.”
وهذا تعبير مجازي عن عظيم أثرهم وبركة أرواحهم.
بل ذكر أن ابن تيمية – كما نقل تلميذه البزار – أجاب عن مسألة فقهية في الميراث بعد وفاته، وهو في قبره!
– (انظر: كتاب الإعلام العلية، والروح ص9، طبعة دار الفجر)
ثالثاً: سماع الأموات ومعرفتهم بالزائرين
يؤكد ابن القيم أن الأموات يعرفون من يزورهم ويسمعون كلامهم، واستدل بحديث الصحيحين عن قليب بدر، وفيه:
قال ﷺ: “ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يجيبون.”
وفي الصحيح أيضًا:
“إن الميت يسمع قرع نعال مشيعيه إذا انصرفوا عنه.” – متفق عليه.
وقال: “السلف مجمعون على أن الميت يعرف زيارة الحي ويستبشر به.”
رابعاً: كرامات الأولياء بعد وفاتهم
صرّح شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (ص42) بقوله:
“يُصدق المسلم ما يُذكر من كرامات وخوارق عادات يجريها الله عند قبور الأنبياء والأولياء، مثل: نزول الأنوار والملائكة عندها، واندفاع النار عنها، وحصول الأنس والسرور، ونزول العذاب بمن استهان بها، وشفاعة بعضهم في جيرانهم من الموتى.”
ومن أعجب ما روي ما ذكره ابن كثير في تفسيره – وكذلك الكاندهلوي في حياة الصحابة – أن شابًا دُفن، فسُئل من قبل سيدنا عمر، فأجابه من داخل قبره قائلًا:
“لقد آتانيها ربي في الجنة مرتين!”
فقال عمر: “لك جنتان، لك جنتان.”
خامسًا: حياء السيدة عائشة من عمر بعد دفنه
روى أحمد والحاكم عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كنت أدخل البيت فأقول: إنما هو أبي وزوجي، فلما دُفن عمر معهم، صرت لا أدخل إلا وأنا مشدودة الثياب حياءً من عمر.”– كتاب الروح، ص47/46
فدلّ ذلك على شعورها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى ويسمع، رغم أنه في قبره!
سادساً: الصالحون شفعاء في الدنيا والبرزخ
قال تعالى: {وكان أبوهما صالحًا} [الكهف: 82]
قال ابن عباس: “حُفظ لهما كنزهما بصلاح أبيهما، ولم يُذكر لهما صلاح.” – تفسير ابن كثير، طبعة الرباط.
وروى الطبراني عن ابن عمر:
“إن الله ليدفع بالرجل الصالح عن أربعين من أهل بيته ومائة من البلاء.”
وجاء في الحديث الشريف:
“ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين.”
فما أعظم فضل الصالحين في حياتهم ومماتهم.
سابعاً: ابن تيمية والصوفية
وقد تحقق عند ابن تيمية نفسه صلاح القوم الصوفية، حتى أوصى بأن يُدفن في مقابرهم.
قال ابن كثير في البداية والنهاية (جـ15 ص215، طبعة دار ابن رجب):
“وحُمل إلى مقبرة الصوفية.”
وذكره ابن عبد الهادي في العقود الدرية باللفظ نفسه، وهذا من أقوى الأدلة على اعترافه بفضلهم.
الخاتمة:
إن حياة الأولياء لا تنقطع بالموت، بل تمتد أرواحهم بالبركة والنفع بإذن الله، وتبقى سيرهم مشاعل هدى، وكراماتهم آيات صدق، وشفاعتهم رحمة لجيرانهم وزائريهم، وهذا ما عليه أهل الحق من علماء الأمة، ولا يُنكره إلا من جهل النصوص أو تنكر للمنقول عن السلف.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يحب الصالحين ويتبع آثارهم، وأن يحشرنا معهم يوم الدين، في جنات النعيم، آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مصادر للتوسّع:
لمن أراد المزيد من التوثيق والفائدة، فليطالع:
1. شرح الصدور للإمام السيوطي
2. البركة والتبرك من ذهبيات الإمام الذهبي – للشيخة خديجة الإدريسية
3. إقناع المؤمنين – للشيخ عثمان الصومالي الشافعي