الحجة الصغرى في حميثرا بين الجهل بالحج والانحراف عن جادة الصواب

بقلم الشيخ: محمد عبد المنعم

الحمد لله الذي شرع لنا حج البيت الحرام، وجعل شعائره معالم للتوحيد والإخلاص، والصلاة والسلام على النبي الهادي إلى سواء السبيل، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد انتشر بين بعض العوام وجهلة الصوفية اعتقاد باطل، يتمثل في تسميتهم لزيارة ضريح الإمام أبي الحسن الشاذلي ـ رضي الله عنه ـ في منطقة حميثرا بـ”الحجة الصغرى”، ويقصدون بها أن هذه الزيارة تقوم مقام الحج أو تشبهه، لكونها تقع في أيام الحج المباركة.

وهذا الاعتقاد لا أصل له في الشرع، بل هو من البدع المحدثة، والضلالات المنكرة، التي تخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويخشى على معتقدها من الزيغ والانحراف عن سبيل المؤمنين، قال تعالى:

{وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيرًۭا} [النساء: 115].

أولاً: الحج عبادة مخصوصة بشروط ومناسك

الحج أحد أركان الإسلام، لا يصح إلا بأركانه المعلومة: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي، وسائر المناسك في أماكنها وأوقاتها، كما أمر الله ورسوله، ومن زعم أن زيارة قبر، أو مقام، أو ضريح ـ مهما علت مكانته ـ تقوم مقام الحج أو تشبهه، فقد قال على الله بغير علم، وابتدع في الدين ما ليس منه.

ثانيًا: زيارة الأولياء لا تُسمى حجًا

نعم، زيارة قبور الصالحين مستحبة بشرط خلوها من المخالفات الشرعية، لكن لا يجوز أن تسمى “حجًا” أو “حجة صغرى”، ولا أن تُقارن بالحج إلى بيت الله الحرام. فالحج عبادة توقيفية، لا مدخل فيها للقياس أو التهويل العاطفي، ومن نسب لزيارة حميثرا منزلة “الحج الأصغر”، فقد خلط بين المباحات والعبادات، وبين التبرك المشروع والغلو المذموم.

ثالثًا: الإمام الشاذلي بريء من هذا

الإمام أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه كان من أئمة التوحيد، ومن أرباب السلوك الصحيح، ومجدد لعلوم القلوب، ولا نظنه يرضى بمثل هذه المبالغات والغلو الذي وقع فيه بعض الجهلة في زماننا، بل كان يحذّر من اتباع الهوى، ومن تلبيس الشيطان في مداخل العبادات.

التحذير والبيان

فننبه عامة الناس، والمنتسبين للطريق، ألا يجعلوا من زيارة الضريح موسماً بدعيًا، ولا يسمّوها حجًا ولا حجة صغرى، فذلك تحريف لمقاصد الشرع، وجرأة على الدين، وتغيير لمعاني العبادات. ولا يجوز للمشايخ والدعاة والعلماء السكوت عن هذا الانحراف العقدي والسلوكي، بل يجب الإنكار عليه بالحكمة والموعظة الحسنة.

زيارة قبور الأولياء أمرٌ مشروع للاستفادة من التذكرة والموعظة، لا للغلو والتشبيه بالحج، ولن يرضى الله عن عبدٍ يترك ما شرعه، ويخترع في الدين ما لم يأذن به، فلنعد إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى الطريق المستقيم الذي سار عليه السلف الصالح، بلا غلو ولا تفريط.

والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.