بتاريخ 14 صفر 1447هـ ، الموافق 8 أغسطس 2025م للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولاً : تعريف الرِّفْقِ
ثانياً : إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ
ثالثاً : من مجالات الرفق
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات نحمَده تبارك وتعالى حمدًا يليق بجلال الذات وكمال الصفات ونعوذ بنور وجهه الكريم من السيئات والهفوات ونسأله من نوره نورًا ننجو به من العثرات وحالك الظلمات
فليتك تحلو والحياة مريرة……وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامرُ……وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صح منك الود فالكل هين……وكل الذي فوق التراب ترابُ
وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش رفيع الدرجات، المنزه الذات عن الاختصاص بالجهات خضعت لسلطان قهره كل الموجودات، سميع بصير تستوي في كمال سمعه الأصوات، ولا تختلف عليه اللغات، ولا تحجب رؤيته الظلمات، عليٌّ كبير لا تضره المعاصي ولا تنفعه الطاعات.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المعصوم من كل الشهوات، المبرأ من الهوى والمنزه عن النزغات والخطرات
بأبي وأمي أنتَ يا خيرَ الورَى.. وصلاةُ ربي والسَّلامُ مُعطرا..
يا ربِّ صلِّ على النبيِّ المصطفى.. أزكى الأنامِ وخيرُ من وَطِئَ الثَرى..
يا ربِّ صلِّ على النبيِّ وآلهِ وصحبه تِعدادَ حبَّاتِ الرِمـالِ وأَكثَرا..
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على أكمل المخلوقات، عدد ما في الكون من معلومات، ومداد ما خطه القلم من كلمات، ما دامت الكواكب في أفلاكها والنجوم سابحات
أما بعد:
فقد روي عن هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ” مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: الرِّفْقُ رَأْسُ الْحِكْمَةِ ” الزهد لوكيع
معاشر المؤمنين الكرام: نتحدث اليوم بإذن الله وعونهِ وتوفيقه، عن خُلقٍ عظيم، ومسلكٍ كريم، وصفةٍ رائعةٍ نبيلة من صفاتِ الكُمَّلِ من الرجال، وخِصلةٍ راقيةٍ جميلة، جامعةٍ لمحاسن الأقوالِ والأفعال.. صفة لها ما بعدها، من رُزقها رُزقَ الخيرَ كُله، ومن حُرمها حُرمَ الخيرَ كُله.. صفة محبَّبة مميزة، وصفَها المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها ما تكونُ في شيءٍ إلا زانتهُ، ولا نُزعت من شيءٍ إلا شانتهُ إنه الرفق
إنه رأس الحِكمة، ودليل كمالِ العقل وقوّة الشخصية والقدرةِ القادرة على ضبطِ التصرّفات والإرادات واعتدال النظر، ومظهرٌ عجيبٌ من مظاهر الرشد، بل هو ثمرةٌ كبرى من ثمار التديُّن الصحيح
الرفقُ يمنٌ والأناةُ سعادةٌ.. فتأنَّ في أمرٍ تُلاقِ نجاحًا.. وفي الحديث الحسن: عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِنْ سِيقَ انْسَاقَ، وَإِنْ اسْتُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ» مكارم الأخلاق للطبراني
قال الغزالي -رحمه الله-: اعْلَمْ أَنَّ الرِّفْقَ مَحْمُودٌ وَيُضَادُّهُ الْعُنْفُ وَالْحِدَّةُ وَالْعُنْفُ نَتِيجَةُ الْغَضَبِ وَالْفَظَاظَةِ، والرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق وَلَا يَحْسُنُ الْخُلُقُ إِلَّا بِضَبْطِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وقوة الشهوة وحفظهما عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ
الرفقُ أحسنَ اللهُ إليكم، لينٌ من غير ضعفٍ، وقوةٌ من غير عُنفٍ، توادٌّ وتآلفٌ.
وفي الحديث الصحيح: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي الطبراني في المعجم الصغير عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا ، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا ، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ»
قال سفيان الثّوريّ لأصحابه: «تدرون ما الرّفق؟» . قالوا: قل يا أبا محمّد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشّدّة في موضعها واللّين في موضعه والسّيف في موضعه والسّوط في موضعه. وهذه إشارة إلى أنّه لا بدّ من مزج الغلظة باللّين والفظاظة بالرّفق
ولله در صالح بن عبد القدوس اذ يقول
لَو سارَ الف مدجَج في حاجَة لَم يَقضِها إِلّا الَّذي يَترفق
إنها صفة سامية جليلة، كَانَ يُقَالُ: مَنْ يُعْطَ الرِّفْقَ فِي الدُّنْيَا، نَفَعَهُ فِي الْآخِرَةِ ” ويكفي أنَّ الله تعالى أحبَّها واتَّصفَ بها، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ . رواه مسلم.
إن أحد الصالحين كان ينام ثم يستيقظ في وسط الليل فقالوا: مالك لا تنام؟ قال: أتذكر المساكين واليتامى والمحتاجين
فيا من نام على الفراش الوثير! غيرك ينام على الرصيف، يا من أكل الموائد الشهية! غيرك لا يجد كسرة الخبز، يا من يسكن القصور البهية! غيرك يسكن في خيمة أو في الصحراء، غطاؤه السماء ولحافه الأرض، وأقرب الناس إلى الله أنفعهم لعياله، فكن رفيقا بعباد الله
يقول عبد الملك بن مروان، رحمه الله: لبني أمية ( ابذلوا نداكم، وكفوا أذاكم، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم، فإن خير المال ما أفاد حمداً أو نفى ذماً، ولا يقولن أحدكم ابدأ بمن تعول، فإنما الناس عيال الله قد تكفّل الله بأرزاقهم، فمن وسّع أخلف الله عليه، ومن ضيّق ضيّق الله عليه ثم تلا قوله تعالى ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) سبأ “الأمالي 2: 32”.
فالواجب على العاقل لزوم الرفق في الأمور كلها وترك العجله والخفة فيها إذ اللَّه تعالى يحب الرفق في الأمور كلها ومن منع الرفق منع الخير كما أن من أعطي الرفق أعطي الخير ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يحب إلا بمقارنة الرفق ومفارقة العجلة وإذَا رُزِقَ الْعَبْدُ الرِّفْقَ، رُزِقَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ مُنِعَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، مُنِعَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ» أخرجه الترمذي
وأنشد المنتصر بن بلال الأنصاري …
الرفق ممن سيلقى اليمن صاحبه … والخرف منه يكون العنف والزلل
والحزم أن يتأنى المرء فرصته … والكف عنها إذا ما أمكنت فشل
والبر لله خير الأمر عاقبة … والله للبر عون ماله مثل
خير البرية قولا خيرهم عملا … لا يصلح القول حتى يصلح العمل
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ رَفَقَ بِأُمَّتِي فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَشُقَّ عَلَيْهِ»
يقولُ الإمامُ ابن القيم رحمهُ الله:
(من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ اللهُ به، ومن رحمَهمْ رحمَه، ومن أحسنَ إليهم أحسنَ إليهِ، ومن نفعَهم نفعهُ، ومن سترهُم سترهُ، ومن عاملَ خلقهُ بصفةٍ عاملهُ اللهُ بتلك الصِّفةِ بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسبَ ما يكونُ العبدُ لخلقه).
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَحَدَا الْحَادِي، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ، وَيْحَكَ بِالْقَوَارِيرِ» البخاري
ومن الأمثلة على ذلك:
دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته وبكائه شفقة عليهم ورفقا بهم، روي مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ « أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَا قَوْلَ اللهِ عز وجل فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} الْآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ، أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عز وجل يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ ».
قال النووي -رحمه الله-: هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها بيان كمال شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم
وعن أبي هريرة أنَّ رجلاً أتى النبيَّ يتقاضاه، فأغلَظَ، فهمَّ به أصحابُه، فقال رسولُ اللهِ : ((دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً))، ثُمَّ قَالَ: ((أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: ((أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً)) رواه البخاريُّ.
وصاحبُ الرِّفقِ قريبٌ من الناسِ هيِّنٌ سهلٌ رقيقٌ رحيمٌ مُحرَّمٌ على النارِ، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ» رواه أحمدُ
وقال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر: يا أبت، مالك لا تنفذ في الأمور، فو الله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور. قال له عمر: لا تعجل يا بني، فإن الله تعالى ذم الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه وتكون فتنة.
وقالت الحكماء: يدرك بالرفق ما لا يدرك بالعنف، ألا ترى أن الماء على لينه يقطع الحجر على شدّته.
والرفق مطلوب مع النفس أيضا، فيجب على الإنسان أن يرفق بنفسه؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، وأولى ما يكون رفق الإنسان بنفسه عند الأخذ بتعاليم الدين وتطبيقها؛ لأن من أخذ هذا الدين بعنف وبصورة غير طبيعية كانت نهايته محزنة مؤلمة وسريعة، لذلك حذرنا نبينا من ذلك فقال فيما روي البيهقي في السنن الكبرى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ” إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا سَفَرًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى، فَاعْمَلْ عَمَلَ امْرِئٍ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَمُوتَ أَبَدًا، وَاحْذَرْ حَذَرًا يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ غَدًا ” وهذا الحديث ليس فيه حجة لمن يستمر في فعل المحرمات بحجة الرفق، أو يترك صلاة الفجر مع الجماعة بحجة أن ذلك أرفق به؛ عنى أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ .» مسلم
فما حرمه الله تعالى ورسوله فأنت مطالب بالامتناع عنه فورًا وبدون تردد، وما أمرنا الله تعالى ورسوله به فعليك أن تفعله بحسب استطاعتك.
قال الزرقاني -رحمه الله-: والوغول: الدخول، فكأنه قال: إن هذا الدين -مع كونه يسيرًا سهلًا- شديدًا، فبالغوا فيه بالعبادة، لكن اجعلوا تلك المبالغة مع رفق، فإن من بالغ بغير رفق وتكلّف من العبادة فوق طاقته يوشك أن يملّ حتى ينقطع عن الواجبات، فيكون مثله كمثل الذي يعسف الركاب، ويحملها من السير على ما لا تطيق رجاء الإسراع، فينقطع ظهره، فلا هو قطع الأرض التي أراد، ولا هو أبقى ظهره سالمًا ينتفع به بعد ذلك
والمقصود به حسن التعامل معهم ولين الجانب لهم كما أمر الله عز وجل وأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بما لا يخالف شرع الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. روي البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: (أَسْلِمْ). فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ).
وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: لأصحابه تدرون ما الرفق؟ قالوا قل يا أبا محمد. قال: أن تضع الأمور من مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه.
6- الرفق بالبهائم:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ هَدَفًا، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ.» سنن أبي داود
البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضِل له، ومن يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله.
وبعد:
فالمؤمن رفيق في أخلاقه، رفيق في أعماله وتعامله، رفيق مع أهله وإخوانه، رفيق في رعيته، رفيق في شجاعته وسياسته، رفيق في وصيته وجميع أحواله، ويرحم الله أبا العتاهية حيث يقول:
الرِفقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ … وَقَلَّ في الناسِ مَن يَصفو لَهُ خُلُقُ
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يُقْسَمِ الرِّفْقُ لِأَهْلِ بَيْتٍ إِلَّا نَفَعَهُمْ، وَلَمْ يُعْزَلْ عَنْهُمْ إِلَّا ضَرَّهُمْ»
قال ابن بطال -رحمه الله-: فى هذه الأحاديث الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم كافرهم ومؤمنهم ولجميع البهائم والرفق بها، وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ويكفر به الخطايا، ألا ترى أن الذى سقى الكلب الذى وجده بالفلاة لم يكن له ملكًا فغفر الله له. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ».
وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج ذات ليلة فسمع بكاء صبى فتوجه نحوه
فقال لأمه اتق الله وأحسني إلى صبيك ثم عاد إلى بكائه فعاد إلى أمه مرة بعد مرة كل ذلك يقول: اتق الله، وأحسني إلى صبيك، ثم قال لها: إني لأراك أُمَّ سُوءٍ، مالي
أرى ابنك لا يقر. قالت: يا عبد الله، قد أبرمتني منذ الليلة إني أريغه على الفطام فيأبى، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم، قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرا. قال: ويحك لا تعجليه. فصلى الفجر، ثم قال: بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين؟ ثم أمر مناديا فنادى: لا تعجلوا صبيانكم من الفطام، فإنا نفرض لكل مولود. وكتب بذلك إلى الآفاق
ايها الموحدون : أعبدوا الله حبا من القلب، وافهموا مقاصد الشريعة، ولاقوا الله راضين مرضيين، واستزيدوا من التقوى واﻹستقامة، فالحياة قصيرة جدا وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت.
تسامحوا وإبتسموا في وجوه اﻵخرين، وأشعروهم بشوقكم لهم، وأحسنوا المعاملة، وادعوا لهم من قلوبكم، فالحياة قصيرة جدا ولا تستحق الكدر والعراك.
تسامحوا فرحلة الحياة قصيرة ، وتقاربوا فالعمر لحظة، سنرحل كلنا ، وسنختلف في الرحيل، فيارب أحسن خاتمتنا وأرزقنا جنتك وانصر اهل غزة علي عدوهم وانزل رحمتك وسكينتك فك حصارهم وتولي امرهم
ثم إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.
معشر المسلمين أن الله يامركم بثلاث وينهاكم عن ثلاث اذ يقول ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
يأمركم: بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى…. فهل أنتم فاعلون ؟ وينهاكم: عن الفحشاء والمنكر والبغي… فهل أنتم منتهون؟