وجاءته إحداهما تمشي على استحياء


بقلم الدكتورة : زينب بسيونى ابو اليزيد

مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر

ما أروع هذه الآيات حينما تسمعها من الشيخ:  مصطفى إسماعيل وهو يقول وجاءته إحداهما تمشى على استحياء ويقف ثم يكمل على استحياء قالت . فكأن الحياء لم يقتصر على هيئة المشي فحسب، بل كان خلقاً شاملاً يمتد ليشمل طريقة الحديث. فمشيتها كانت “على استحياء”، وكلامها كان “على استحياء” هذه الوقفة في التلاوة تفتح آفاقاً واسعة للتأمل في جماليات اللغة القرآنية وعمق معانيها.

وهذا ليس مجرد وصفٍ عابر، بل شهادة ربانية على فضل الحياء ومكانته في الإسلام. هذه الآية تدعو كل مسلم ومسلمة للتحلي بهذا الخلق الرفيع، الذي يرفع من شأن الإنسان، ويحفظ له كرامته، ويجعله قدوة في أدبه ووقاره، كما كانت تلك الفتاة قدوة في حشمتها وعفتها.

قال تعالى : “فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا”

تُعتبر هذه الآية من أجمل الآيات التي تجسد فضيلة الحياء وأهميتها في بناء الشخصية الفاضلة.، فهي ليست مجرد جزء من قصة نبي الله موسى عليه السلام، بل تمثل درسًا تربويًا خالدًا في فن التعامل، يجمع بين الأدب الرفيع والعفة التامة.

تبدأ القصة بوصول نبي الله موسى إلى مدين بعد فراره من فرعون وقومه، حيث كان في حالة من الضعف والجوع والوحدة. جلس تحت شجرة عند بئر ماء، ورأى امرأتين تذودان أغنامهما، ولا تقتربان من البئر حتى ينتهي الرجال من السقي. فسألهما عن سبب ذلك، فأخبرتاه بأنهما لا تستطيعان مزاحمة الرجال وأن والدهما شيخ كبير.

تقدم موسى عليه السلام وسقى لهما، مُظهرًا شهامة وقوة في نصرة الضعيف. هذا الموقف النبيل لفت انتباه والدهما (الذي يُرجح أنه نبي الله شعيب) إلى فضل موسى وقوته. وعندما عادت الفتاتان إلى أبيهما وأخبرتاه بما حدث، أرسل إحداهما لدعوته، وهنا يظهر الموقف القرآني البديع.

تصف الآية مجيء الفتاة بقوله تعالى: “وجاءته إحداهما تمشي على استحياء.” هذا الوصف يعكس شخصيتها الكريمة وعفتها، حيث كانت مشيتها تعبر عن الحياء، مما يدل على حشمتها وأدبها..

وخلق الحياء من أجمل وأجل ما يتحلى به الإنسان وخاصة النساء ، فالحياء بالنسبة للمرأة هو من أثمن مقتنياتها التي تعزز وترفع مكانتها في الدنيا والآخرة وهناك العديد من الأحاديث التي تعزز قيمة الحياء، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “الحياء لا يأتي إلا بخير”

ويقول صلى الله عليه وسلم : “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”

يدل هذا على أن الحياء ليس مجرد خجل، بل هو خلق يمنع صاحبه من فعل القبيح ويحثه على فعل الجميل، كما تجسد في مشية الفتاة وحديثها المباشر: “إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا.”

قال ابن كثير: “أي: جاءت تمشي مشية الحرائر، وهي مشية الحشمة والوقار، لا مشية الخرقاء.”

كما قال بعض المفسرين أن معنى “على استحياء” يعني أنها كانت ساترة وجهها وجسدها بثيابها، مما يعكس أدبها وحشمتها.

قال الشاعر:

“وإذا أرادت أن تسير تحاورتْ خطواتُها كاللؤلؤ المنثورِ”

“كأنها البدرُ يغفو في مشيتِها حياءَ حسناءَ في وقارِ أميرِ”