خطبة بعنوان «نعمة المياه مقوم أساس الحياة – الماء والعبادات» ج٢ للشيخ أحمد عزت حسن


إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة ٧ من صفر ١٤٤٧هـ الموافق الأول من أغسطس ٢٠٢٥م

 

العناصر:

أولًا: الماء والعبادات
ثانيًا: طهارة الماء منّة من الله عز وجل
ثالثًا: النهي عن الإسراف في استعمال الماء
رابعًا: كيفية المحافظة على المياه

الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد،

أولًا: الماء والعبادات
الماء وثيق الصلة بأمور ديننا لأن الطهارة أمر أساسي، فالصلاة والتي هي عماد الدين لا تصح إلا بالوضوء والجنابة لا تزال إلا بالغسل بالماء الطاهر.
وعند الاطلاع على معظم أهم كتب الحديث النبوي الشريف وكتب الفقه الإسلامي نجد في كل واحد منها بابًا خاصًا بالوضوء وسننه، فالإنسان المؤمن يكون طاهر البدن والثياب والمسكن على شاكلة طهارة النفس والروح. فمن جهة يؤدي ذلك إلى تحقيق الصحة البدنية، ومن جهة ثانية إلى الصحة النفسية والروحية للإنسان.
ونموذج اهتمام العلماء المسلمين- رحمهم الله- بالطهارة نجد إمام دار الهجرة مالك بن أنس في كتاب الموطأ حيث خصص لها تسعة أبواب وهي كما يلي:

أ‌- باب العمل في الوضوء
ب‌- باب وضوء النائم إذا قام للصلاة
ج- باب الطهور للوضوء
د- باب ما لا يجب منه الوضوء
ه- باب ترك الضوء مما مسته النار
و- باب جامع الوضوء
ز- باب ما جاء في المسح بالرأس والأذنين
ح- باب ما جاء في المسح على الخفين
ط- باب العمل في المسح على الخفين .

ونجد من فضائل الوضوء كون الإنسان المسلم إذا نام على الوضوء وجاء أجله فهو قد مات على دين الإسلام، كما أخبر بذلك البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي ﷺ الذي مما قاله في هذا الحديث: “….فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة” .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فيلفعل”، متفق عليه .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “إذا توضأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطرة الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب”. رواه مسلم .

* وكما نعلم فعند انحباس المطر وحدوث الجفاف سن الرسول عليه الصلاة والسلام صلاة “الاستسقاء”، أي التوسل إلى الله والتضرع إليه، طلبًا للسقي بأداء ركعتين.

* وتقديرًا لمكانة الماء وما ينتج عن استهلاكه وما قد يكلف هذا الاستهلاك، فقد جعل الإسلام الواجب في زكاة الحبوب “العُشر” إن سقيت بماء المطر أو الأنهار الجارية، في حين حدده في “نصف العشر” إن سقيت بماء تطلب تكاليف في جلبه وحفر آباره ومد قنواته.

ثانيًا: طهارة الماء منّة من الله عز وجل
ولقد امتنَّ الله سبحانه وتعالى على عباده بنعمة أخرى، وهي (طهوريَّة الماء)؛ وبها كان الماء مُنَظِّفًا ومزيلًا للأوساخ والملوِّثات والنجاسات والأقذار، فصلحت به حياة الإنسان فيَجِبُ أنْ يعملَ الإنسانُ على إِبقاءِ الماءِ على الصورةِ التي صوَّرَها القرآنُ الكريمُ، والصفةِ الَّتي وَصَفَهُ بِها، فَقَدْ جاءَ وَصْفُ المَاءِ في القُرآنِ الكريمِ بِالبَركَةِ والطَّهُورِ والعذُوبَة، يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) [ق: ٩]،
وقال في حديثه لأهل بدر:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١].
ويقولُ جلَّ شأنُه: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الْفُرْقَانِ: ٤٨]،

ويقولُ -سبحانه-: (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٧]،

ويروي أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ (أبو هريرة): بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: “أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ”.

وبهذا كان يدعو للميت فيقول -كما عند مسلم-: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ”.

قال ابن حجر: “وحكمة العدول عن الماء الحارِّ إلى الثلج والبرد -مع أنَّ الحارَّ في العادة أبلغ في إزالة الوسخ- الإشارة إلى أن الثلج والبرد ماءان طاهران لم تمسهما الأيدي، ولم يمتهنهما الاستعمال، فكان ذكرهما آكد في هذا المقام”.

وكون البرد أكثر طهارة ونقاوة من المطر؛ ذلك أنه قد تجمَّد، فيقلُّ تأثُّره بتلوُّث الهواء أثناء نزوله.
ويستطيع الإنسان الحياة بدون طعام إلى مدَّة تبلغ الشهر، بينما لا يستطيع الحياة بدون الماء أكثر من أسبوع في الحدِّ الأقصى.

ثالثًا: النهي عن الإسراف في استعمال الماء
لقد حث الإسلام على القصد والاعتدال في جميع الأمور وظهر ذلك في نصوص قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة, كما نهى عن الإسراف بجميع أشكاله. قال تعالى : يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الْأَعْرَافِ: ٣١]،
ويكفي من ذم المسرفين أن الله تعالى لا يحبهم.
وكان الرسول ﷺ أول من دعا الناس إلى عدم الإسراف في الماء حيث قال: “كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة” رواه النسائي وابن ماجة

وإذا كانَ الإسرافُ في استعمالِ الماءِ لِلشُّربِ مَنْهيًّا عنهُ وممنوعًا مِنْهُ فإِنَّ استعمالَه بإِسْرافٍ في مجالاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعًا وأشدُّ خَطَرًا،
وقلة الماء مع إحكام الغسل سنة؛ فقد كان النبي ﷺ الأسوة الحسنى والقدوة المثلى في مجال المحافظة على الماء من الضياع هدرًا.
وقد طبق الرسول ﷺ ما نهى عنه على نفسه وعلى أهل بيته.. فعن عبد اللّه بن زيد أن النبي ﷺ توضأ بثلثي مد» فقد أخرج مسلم من حديث أنس رضي اللّه عنه: «كانَ النبيُّ -ﷺ- يغتسلُ بالصَّاعِ إلى خمسةِ أمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ”، والمُدُّ مِلءُ اليدَينِ المُتوسِّطَتَين،».

وقد روى عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي ﷺ من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، أو قريبا من ذلك.
فقد وردَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -ﷺ- أنهُ كانَ إذا اغتسلَ اغتسلَ بالقلِيلِ، وإذا تَوضَّأَ تَوضأ بالنَّزْرِ اليَسيرِ،

وإذا كانَ الاقتصادُ في استعمالِ الماءِ في العبادةِ مَطْلُوبًا وعَمَلًا مَرغُوبًا فَالاقتصادُ في غيرِ العبادةِ أَولَى وأَحرى، وإنْ كانَ الَّذي يُغرَفُ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا.

ولقدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- حَفِيًّا بنِعْمَةِ اللهِ يُعَظِّمُها ويَشكرُها، وما أَكْثَرَ الدَّعَواتِ التي كانَ يَدعُو بِها رَسُولُ اللهِ -ﷺ- حِينَ يَفرُغُ مِنْ طَعامِهِ إِذَا طَعِمَ وشَرابِهِ إِذَا شَرِبَ، فكانَ إذا فَرَغَ مِنْ طعامهِ وشرابهِ قال: “الحَمدُ للهِ الذي أَطعمنا وسَقَانا وجعلَنا مُسلِمِين”، وجاءَ في رِوايةٍ: كانَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- إذا أَكَلَ أو شَرِبَ قالَ: “الحمدُ للهِ الذي منَّ علينا وهدانا، وأشبعنا وأروانا، وكلَّ الإحسانِ آتَانا”، وكانَ إِذَا شَرِبَ الماءَ قالَ: “الحمدُ للهِ الذي سقَانا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِه، ولم يَجعلْهُ مِلْحًا أُجاجًا بِذُنُوبِنا”.

إِنَّ هذهِ البَشَاشةَ التي يَستَقْبِلُ بِها رَسُولُ اللهِ -ﷺ- نِعْمَةَ الماءِ وشُكرَ مُسدِيها الأعلى جلَّ شأنُه لها أَعْظَمُ دَلَالةٍ على أَهَمِّيَّةِ هذهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَة.

إنَّ شُكْرَ اللهِ -تباركَ وتعالَى- على نِعْمَةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلَالِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تصرُّفٌ سيّءٌ وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ، جاءَ النهيُ عنهُ صَرِيحًا في القُرآنِ المجيدِ.

* وإِذَا كَانَتْ هذهِ الأَدِلَّةُ القُرآنِيَّةُ والنَّبَوِيَّةُ صريحةً في الأمرِ بِالتَّرشيدِ في استهلاكِ الماءِ والنَّهيِ عنِ الإسرافِ فيهِ فإنَّ الطبيعةَ والسُّنَنَ الكونيَّةَ التي أَجراها اللهُ -عزَّ وجلَّ- لَتُعلِّمُنا وتُرشِدُنا إلى التَّصرُّفِ بحِكْمَةٍ في استعمالِ المياه، فَالدِّيمَةُ وهِيَ نُزُولُ الماءِ منَ السَّماءِ شَيئًا فَشيئًا مَعَ استمرارِه خَيْرٌ لِلأَرضِ ومَنْ علَيها وما علَيها مِنْ غَزارَتِه وانْهِمارِه، ثُمَّ انقطَاعِه وانبِتَارِه، وقدْ شَبَّهَتِ السَّيِّدَةُ عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- عَملَ رَسُولِ اللهِ -ﷺ- بِذلِكَ حِينَ سُئِلَتْ عَنْ عملِه فقالتْ: “كانَ عملُه دِيمةً” أي كانَ عملُهُ مَوصُوفًا بالقِلَّةِ معَ الاستِمْرارِيَّة، ومنَ الجبالِ ما يَخْزُنُ الماءَ في داخلِه بكَمِّيَّاتٍ هائلةٍ ثمَّ يَصرِفُهُ بإذنِ اللهِ شَيئا فَشيئًا على مَدَى أَزْمنَةٍ متطاولةٍ، ولعلَّ في خروجِ الماءِ على هذهِ الصُّورةِ المُنتَظِمَةِ تدريبًا على سلوكِ مبدأِ النِّظَامِ وتَرشيدِ الاستِهلاك، تُعلِّمُنَا إِيَّاهُ سُنَنُ اللهِ الكَونِيَّةُ، ضَمانًا لِسعادَةِ الإِنْسانِيَّةِ.

تطبيقات عملية
واعتماداً على التوصيات الفقهية التي تفيد بأن مداً واحداً من الماء هو ما يلزم للوضوء والمد يساوي تقريبا 1.5 ليتر من الماء فإنه يقدر بأن حوالي عشرة لترات من المياه تذهب هدراً في كل وضوء يتم بفتح المياه بشكل متواصل علماً أن صنبور مفتوح بنسبة ٥٠% يصرف ٤ ليتر في كل دقيقة …

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.
فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما; تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما;
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا …
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين …

وبعد:

أيها الإخوة المؤمنين

كيفية المحافظة على المياه
إن أدركت الآن أهمية المياه للإنسان عليك أن تتعلم كيفية المحافظة على المياه وأن تدرك أيضًا خطورة إهمالنا للمياه بالمستقبل؛ لذلك يجب عليك اتباع كل ما تنصح به بخصوص هذا الشأن وستجد انه من طرق كيفية المحافظة على المياه

* عدم تلويثها بإلقاء النفايات بها سواء كانت تلك النفايات شخصية أو التي تقوم المصانع بإلقائها بالأنهار. حيث أنك إن أردت إلقاء تلك القمامة عليك بإلقائها في مكانها المخصص حتى يعاد تدوريها من جديد وسواء قمت بإلقائها بالماء العذب بالنهار أو بالماء المالح بالبحار ستلوث المياه بكل الحالات.

ولأنك تعلم أهمية المياه للإنسان عليك أن تبدأ بنفسك من خلال ترشيد الاستخدام اليومي للمياه لتحافظ على كل قطرة بقدر الإمكان.

يقوم الإسلام بإرشادات قيمة وتوجيهات غير مسبوقة لاستعمال الماء وتعاليمه تحمي الماء من التلوث والإسراف وسوء الاستعمال ويأخذه بعين الاعتبار؛

فلِكَي يَبقَى الماءُ علَى هذهِ الصُّورَةِ النَّضِّرَةِ الزَّاكِية، والصِّفَاتِ الجَميلةِ الرَّاقيةِ نَهَى الإسلامُ عَنْ كُلِّ تَصَرُّفٍ يُؤَدِّي إلى خِلَافِ ذلك، فنهى عن البول في الماء، قال عليه الصلاة والسلام: “لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ”؛ رواه البخاري ومسلم،

وعن جابر عن النبي ﷺ: “أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ” رواه مسلم؛ ولأن في ذلك تنجيسًا للماء وإيذاء لمستعمليه، فكل سلوك ينتج عنه تلوث المياه أو إهدارها هو إيذاءٌ وضررٌ منهي عنه في الإسلام. وعنهُ أيضًا: “نَهَى أنْ يبالَ في الماءِ الجاري”.

فالإسلام دِينُ رقي وحضارة ينأى بمصادر المياه عن كل ما يكدر صفاءها، ويلوث نقاءها، ويوجهنا إلى حماية الماء وألا نلوث موارده وينابيعه؛ حيث شدّدَ الإسلامُ النَّكيرَ على كُلِّ مَنْ تَصرُّفَ تَصرُّفًا أو سلَكَ سُلُوكًا حَرَمَ بسببِهِ الماءَ مِنْ صفَائِه، وطهارتِهِ ونقائِهِ، فعَنْ معاذٍ -رضيَ اللهُ عنه- قال: قالَ رَسولُ اللهِ -ﷺ-: “اتقوا الملاعِنَ الثلاثَ: البُرازُ في المَواردِ وقارعةِ الطَّريقِ والظِلِّ”، والمرادُ بالمواردِ مواردُ المياه. إنَّ أيَّ سلوكٍ أو تصرُّفٍ ينتجُ عنهُ تلوّثُ المياهِ هو إيذاءٌ نَهَى اللهُ -عزَّ وجلَّ- عنهُ فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الْأَحْزَابِ: ٥٨]، وهو أيضًا ضرارٌ نهى عنهُ الرسولُ -ﷺ- فقالَ: “لا ضَرَرَ ولا ضِرار”.

وقد نهانا الرسولُ -ﷺ- عن زيادة الاستعمال حتى في العبادات وإن كانت هذه الزيادة من أنهار وبحار عميقة، وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي ﷺ مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال له: “لا تسرف”، فقال: أو في الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهرٍ جارٍ” (رواه ابن ماجه).

ومن أهم قواعد ترشيد الاستهلاك أثناء الوضوء والغُسل الشرعي:

* فتح الصنبور ربع فتحة أو أقل أثناء الوضوء في المنزل أو المسجد .
* الاقتداء بالرسول ﷺ بالوضوء بكمية قليلة من المياه قدر الإمكان.
* عدم ترك صنبور دورة المياه مفتوحاً حفاظاً على المياه .
* الاقتداء بالرسول ﷺ أثناء أداء الغُسل و التقليل من استهلاك المياه قدر المستطاع.
الدعاء