علم الأوفاق.. حقيقته وممارسته

بقلم د/ مصطفى حسن الأقفهصي
أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية

 

ممَّا استقرَّ في عقائد المسلمين سلفًا وخلفًا، أنَّ المؤثر الحقيقي في إيجاد الأشياء وعللها، هو الله تعالى؛ الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.

فالخلقُ خلقُهُ، والأمرُ أمرُهُ، وكلُّ شيء بمشيئته، وفعله وإرادته، وأن الأسباب وإن حصلتْ عند مسبباتها، إلَّا أنها لا تؤثِّر ذاتيًّا في وقوعها، ولا بد من إضافتها إلى الله تعالى خلقًا وتقديرًا، وإيجادًا وتسييرًا؛ قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: 96]، وقال سبحانه: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزُّمَرِ: 62]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49]، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [التَّكْوِيرِ: 29].

قال الإمام الشاطبي: [السببُ غيرُ فاعلٍ بنفسه، بل إنما وقع المسبب عندَهُ لا بِهِ، فإذا تسبب المكلف: فالله خالق السبب، والعبد مكتسب له] اهـ([1]).

فمَنْ اعتقد أنَّ المؤثر هو الله سبحانه، وجعل بين الأسباب والمسببات تلازمًا عاديًّا؛ بحيث يصح تخلُّفها: فهو المؤمن الناجي إن شاء الله تعالى؛ كما قال شيخ الإسلام برهان الدين البيجوري([2]).

فيتعامل المسلمُ مع الأسباب تأدُّبًا مع الله تعالى الذي خلقها، فيحصل عنده من الموازنة والاتساق ما يجعله يأخذ بالأسباب دون الاعتماد عليها؛ بل على مُسببها وموجدها؛ تأكيدًا على التوافق بين عالم الخلق وعالم الأمر؛ قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 7].

ومن ثمَّ: فلا تعارض بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل على رب الأرباب.

قال الإمام البقاعي: [أوامرُ الدِّين تارة تكون باعتبار الأمر الديني من سائر الطاعات المحضة، وتارة باعتبار الأمر التكويني؛ وهو ما كان بواسطة] اهـ([3]).

من خلال ذلك، نستطيع القول بأن قدَر اللهِ تعالى ينفذُ من خلال الأسباب التي أودعها سبحانه في كونه ليستقيم بها أمر الوجود ونظام التكليف، وأنها مِن قدر الله تعالى أيضًا، لا تخرج عنه ولا تحيد؛ فعن أَبِى خُزَامَةَ عن أبيه رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقلتُ يَا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا ودواءً نَتَدَاوَى بهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هل ترد مِن قَدرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ “هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ”([4]). فالقَدَرُ شاملٌ للأسباب والمسببات، والشرائط والمشروط بها؛ كما قال العلامة عبد الحق الدِّهْلوي([5]).

والأسباب إما أن تكون من جملة المأذون فيه شرعًا وإمَّا أن تكون ممنوعة، ولا يتوصل العبد إلى أُمورٍ مشروعة بأسبابٍ ممنوعة؛ ففي الحديث: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ»، قالوا: ومن هم يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»([6]). فقرَنَ التوكل هنا بترك الأعمال الوهمية دون غيرها، إذ لم ينف من الأعمال إلا الاستشفاء بالرُّقية وهي إنما يطلبها الجاهلون بالأسباب الحقيقية، وإلا التطير وهو التيمن والتشاؤم بحركات الطير، وإلا الكي بالنار وكانوا يتداوون به في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكرهه لأمته، ويعده من الأسباب المؤلمة التي تنافي التوكل؛ كما قال العلامة الشيخ أحمد مصطفى المراغي([7]).

والأسباب المشروعة منها: ما هو منصوصٌ عليه (أصلًا أو تخريجًا)؛ كالأسباب الكلية للطاعات والعبادات؛ حيث جاء الشرعُ بما فيه صلاح الإنسان ظاهرًا وباطنًا.

ومنها: ما يعرف عن طريق التجربة أو العادة (مما هو مندرجُ تحت مقصود الشرع ومضمونه)؛ كالتداوي من الأمراض والعلل، وإصلاح النفس والجسد.. ونحو ذلك.

ومدار هذه المجربات على ما ينفع الناس ويزيل عنتهم ويذهب الآثار السلبية عنهم، خاصَّة ما كان يتعلق بالأمور الروحية أو النفسيَّة؛ اعتمادًا على القاعدة الأصولية: أنَّ “الأصلَ في المنافع الإباحةُ” ما لم يثبت خلافُها بدليل من الشرع؛ كما في “الإبهاج في شرح المنهاج” للإمام السبكي([8]) وهذا يقتضي الإذن بالانتفاع بكل ما يثبت نفعه من الأكوان، ما لم يترتب عليه ضررٌ أو يأت بشأنه مانعٌ شرعيٌّ.

قال الإمام ابن عبد البر: [لا بأسَ بالتداوي من كل عِلَّةٍ بما يُرجى به برؤها] اهـ([9]).

ولذلك أجاز الفقهاء جملة من النماذج التجريبية؛ بناءً على ما فيها من نفعٍ وما تحدثه من تأثير، وهي لا تخرج أيضًا عن جملة الأسباب المشروعة.  

ومن ذلك:

– التداوي بالنُّشْرَة؛ وهي “نوع من التطبب بالاغتسال على هيئات مخصوصة بالتجربة، لا تدرك بقياسٍ طِبٍّي”؛ كما قال العلامة ابن قُرْقُول ([10]). فعن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب، أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو يُنَشَّرُ؟ قال: “لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع الناس: فلم يُنْهَ عنه”([11]).

وورد ذلك عن عطاء بن أبي رباح ويَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، كما عند ابن وهب في “جامعه”.

قال العلامة شمس الدين الكرماني: [وهذا يدلُّ على جواز النُّشْرَةِ، وأنها كانت مشهورة عندهم] اهـ([12]). فالنُّشْرةُ وسيلةٌ مُجَرَّبَة، تُذهب عن الإنسان ما به مِن أذى، ويدخل في حكمها ما في معناها مِن المجربات؛ كالحرز، والعوذة، والتمائم ونحو ذلك.

ففي “مصنف” ابن أبي شيبة أن سعيد بن المسيب سئل عن التعويذ فقال: “لا بأس إذا كان في أديم”، وعن عطاء قال: “لا بأس أن يعلق القرآن”، وكان مجاهد يكتب للناس التعويذ فيعلقه عليهم، وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسًا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الغسل وعند الغائط، ورخَّص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ بأن يُعلق على الصبيان، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا بالشيء من القرآن.

قال الإمام ابن عبد البر المالكي: [النُّشْرَة وشبهها: لَا بَأْسَ بِهَا] اهـ([13]).

– ومن النماذج التجريبيَّة أيضًا: حساب الجُمَّل، وقد نصَّ العلماء على أنه مباحٌ لا حرج فيه، وأنه كان يستعملُ من غير نكير.

وهو عبارة عن طريقة حسابية تجعل لكل حرفٍ من الحروف العربية رقمًا، فتركب الحروف تركيبًا له معناه اللغوي، مضافًا إليه دلالاته الحسابية.

وهي طريقة توارثها العرب من قبل الإسلام، قصدوا منها الاختصار والحفظ وتوثيق الأشياء، إلى أن جاء الإسلام فأقرها، وفهم المسلمون بها كثيرًا من الشرع الشريف، وقد شرح كثير من العلماء هذه الطريقة، وكانوا يدونون بها أسماء الكتب، وتواريخ الوفاة، وعدد أبيات القصائد، ونحو ذلك.

كما فعل الإمام ابن الجزري في ختام منظومته في التجويد؛ حيث قال:

أبياتها قاف وزاي بالعدد … مَنْ يُحْسِنِ التَّجْوِيدَ يَظْفَرْ بِالرَّشَدْ

وقد شَرَحَتْ الموسوعة العربية العالمية الصادر عن المملكة العربية السعودية بعناية الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، طريقة حساب الجُمَّل، شرحتها شرحًا مُفصَّلًا، وبيَّنت جدول الحروف، وما يقابل كل حرف منها من الأرقام([14]).

وممَّا لا يمتري فيه اثنان، ولا ينتطح فيها عنزان: أن الله تعالى أودع في هذا العالم أسرارًا كثيرة وخواصَّ عظيمة، منها ما هو معلوم مطلقًا؛ كإرواء الماء، وإحراق النار، ومنها ما هو مجهول مطلقًا، ومنه ما يعلمه بعض الناس دون غيرهم، وبقدر استعداد العبد يفيض الله تعالى عليه ما شاء من العلوم والمعارف والاسرار الالهية والكونية فيطلع على ما لم يطلع عليه غيره من العلم والمعرفة بعد الجهل والغفلة؛ على أنَّ “النّفوس البشريّة وإن كانت واحدة بالنّوع فهي مختلفة بالخواصّ وهي أصناف كلّ صنف مختصّ بخاصيّة واحدة بالنّوع لا توجد في الصّنف الآخر”؛ كما قال العلامة ابن خلدون([15]).

قال الإمام القرافي: [ولا شكَّ أن الله تعالى أودع في أجزاء هذا العالم أسرارًا وخواصَّ عظيمة وكثيرة حتى لا يكاد يعرى شيء عن خاصية، فمنها ما هو معلوم على الإطلاق؛ كإرواء الماء، وإحراق النار، ومنها ما هو مجهول على الإطلاق، ومنه ما يعلمه الأفراد من الناس كالجحر والمكرم، وما يصنع منه الكيمياء، ونحو ذلك؛ كما يقال: إن بالهند شجرًا إذا عمل منه دهن ودهن به إنسان لا يقطع فيه الحديد، وشجرًا إذا استخرج منه دهن وشرب على صورة خاصة مذكورة عندهم في العمليات: استغنى عن الغذاء، وامتنعت عليه الأمراض واستقام، ولا يموت بشيء من ذلك، وطالت حياته أبدًا حتى يأتي من يقتله، أما موته بهذه الأسباب العادية: فلا، ونحو ذلك، فهذا شيء مودع في أجزاء العالم لا يدخله فعل البشر، بل هو ثابت كامل مستقل بقدرة الله سبحانه وتعالى] اهـ([16]).

والمظاهر الكونية في القرآن مصادر إشارات لا تنتهي، فالشمس والقمر، والليل والنهار، والجبال والبحار، والسحب والأمطار.. كلها توحي بمعان كثيرة لتوضيح الفروق الدقيقة بين الطوالع واللوامع واللوائح، وعلم اليقين وحق اليقين، وعلوم الإنسان العقلية والمعارف اللدنية.. كما قال الإمام القشيري([17]).

وقد أكرم الله تعلى الأصفياء من عباده بفهم ما أودعه في كونه من لطائف أسراره وأنواره، لاستبصار ما ضمنه من دقيق إشاراته وخفّي رموزه، ويتفاوت ذلك على مراتبهم وأقدارهم، وهو محضُ اصطفاء واجتباء، وضربٌ من الإمداد الإلهي.

قال العلامة نعمة الله بن محمود النخجوان: [والتصرفات الواقعة في عالم الملك والملكوت إنما هي مرقومة مرسومة فيه على وجهها، بحيث لا يشذ شيء منها عنه، والقرآن المجيد منتخب منه وحاو عموم ما ثبت فيه إجمالًا، ومن أدركته العناية السرمدية وجذبته الجذبة الأحدية يصل من رموز القرآن إلى كنوز الأسرار والمعارف التي فصلها الحق في لوح قضائه وحضرة علمه، لكن الواصل إلى هذه المرتبة العلية أقل من القليل، فكن راجيًا من الله الجميل] اهـ([18]).

وللصوفية من ذلك حظٌّ ومدد؛ لأنَّ طريقتهم ونحلتهم من آثار النبوة وتوابعها، والحق سبحانه يلهمهم من المعارف والعلوم بما به يكرمهم، والحكم إليه أولًا وآخرًا في جميع ما يأتون به ويذرون.

وفي ذلك يقول العلامة أبو الطيب القِنوجي رحمه الله: [وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأثير أيضًا في أحوال العالم، وليس معدودًا من جنس السحر، وإنما هو بالإمداد الإلهي؛ لأنَّ طريقتهم ونحلتهم من آثار النبوة وتوابعها، ولهم في المدد الإلهي حظ على قدر حالهم وإيمانهم وتمسكهم بكلمة الله، وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر: فلا يأتيها؛ لأنه متقيد فيما يأتيه ويذره للأمر الإلهي، فما لا يقع لهم فيه الإذن: لا يأتونه بوجه] اهـ([19]).

إذا عرفتَ ذلك، تسنَّى لك معرفة ممارسة مثل هذه الرياضات من العلوم والتي منها “الأوفاق”، ولكن: ما هي الأوفاق؟ وما هي حقيقتها؟

علم الوفق أو الأوفاق، هو علمٌ من العلوم التي يُشاعُ ارتباطها بعلوم التصوف، بينما هو في الحقيقة علمٌ لا علاقة له مباشرة بالتصوف، بل هو علمٌ مستقل، يمكن أن يكون خادمًا للتصوف كشأن بقية العلوم، والتي يعتبرها العلماء من العلوم المساعدة؛ كعلوم العربية ونحوها.

فقد يعيش الصوفي حياته وسيره إلى الله دون أن يسمع بهذا العلم أصلًا، أو أن يجربه، أو أن يستعين به على شيء في معرفته بالله، بل إن هذا هو الغالب على خواص الصوفية ومشايخهم فضلًا عن عوامِّهم ومريديهم؛ لأن علاقتهم مع الله من غير هذا العلم لا تتغير ولا تتأثر بزيادة أو نقصان.

 ولذلك: كان علم الأوفاق من العلوم العزيزة التي لا تتوفر لكل السالكين إلى الله.

والأوفاق: جمع وفق: وهي مأخوذة من التوافق والتوائم؛ بين الأعداد، أو بين الحروف، أو بين الأعداد والحروف، فالوفاق هو: الموافقة والتوافق والاتفاق، ووافقه أي: صادفه، واستوفق الله: أي طلب منه التوفيق([20]).

فهي علمٌ باحثٌ عن خواص الأعداد (إفرادًا وتركيبًا)، وتقسيمها (كمًّا وكيفًا)، وتأليف الأقسام والعزائم، وما ينتج منها على وجه يحصل به المطلوب (إيقاعًا وانتزاعًا)، فيتطلب معرفة بالقيم العددية، وكيفية ترتيبها في جداول أو أشكال هندسية معينة.

ويدخل هذا العلم تحت علم “الأرتماطيقي” الذي نصَّ العلماء على أنه أثبت العلوم الرياضية، وأنفع البراهين الحسابية، ويرجع إلى معرفة خواص الأعداد ومناسبتها، وجعلها على شكلٍ مخصوص يطابق ما يوافقها من معاني الموجودات؛ كما ذكر العلامة ابن حجر الهيتمي([21])، والعلامة أبو الطيب القِنوجي([22]).

يقول العلامة صلاح الدين الصفدي: [ما بقي من الرياضي شيء في هذا المنحى يجزم فيه بسلامة الوضع والترتيب، وعدم الاختلال والاختلاط في التقسيم والتبويب، غير علم الأوفاق؛ فإن العدد لا يقبل الغلط، ومتى وقع ذلك: ردَّته قواعد ذلك الوضع إلى سلوك الصواب فما زاغ وما سقط] اهـ([23]).

وقد أجازه جماهير العلماء، وتعلَّمه كثير منهم، وبرع فيه جماعة ممن أُلهموا أسرار الأعداد ووقفوا على خواصها وعلاقتها ببعضها وارتباطها بالموجودات.

قال مفتي المالكية بمكة المكرمة؛ العلامة محمد بن حسين [ت: 1367هـ] في “تهذيب الفروق” (4/198، ط. عالم الكتب): [الأوفاق، وتسمى علم الأشكال، وعلم الجداول، وتسمى الأشكال، والجداول بالمثلث والمربع والمخمس ونحوها أي كمسبع السلالة الآتي.. إذا أريد بها غرض لا اعتراض للشرع عليه: فلا بأس به؛ كمثلث الغزالي أي مملوء الوسط لتيسير العسير، وإخراج المسجون، وإيضاع الجنين من الحامل وتيسير الوضع، وكل ما هو من هذا المعنى، ونسب للغزالي؛ لأنه كان يعتني به كثيرا، وإلا فقد قال بعضهم: إن هذا المثلث بصورته الآتية يسمى بخاتم أبي سعيد اهـ.] اهـ.

وفي “الفتاوى الحديثية” للعلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي:

[وسُئل فسح الله فِي مدَّته: مَا حكم علم الأوفاق؟ فَأجَاب نفع الله بِعُلُومِهِ: بِأَن علم الأوفاق يرجع إِلَى مناسبات الْأَعْدَاد وَجعلهَا على شكل مَخْصُوص، وَهَذَا كَأَن يكون بشكل من تسع بيُوت مبلغ الْعدَد من كل جِهَة خَمْسَة عشر، وَهُوَ ينفع للحوائج وَإِخْرَاج المسجون وَوضع الْجَنِين وكل مَا هُوَ من هَذَا الْمَعْنى وضابطه بطد زهج واح، وَكَانَ الْغَزالِيّ رَحمَه الله يعتني بِهِ كثيرا حَتَّى نسب إِلَيْهِ وَلَا مَحْذُور فِيهِ إِن اسْتعْمل لمباح] اهـ([24]).

وقد نصَّ العلماء في أثباتهم أنَّ هذا العلم من العلوم المسندة التي تلقوها عن مشايخهم جيلًا من بعد جيل، فكيف يطبق العلماء على تعلم علم مُحرَّم؟!!

وعدد العلامة البوني سلسلة أسانيده في علم الوفق والحروف إلى العلماء الربانيين في كتابه “شمس المعارف ولطائف العوارف” (4/538، ط. المكتبة العلمية).

كما عدَّ المترجمون من العلماء هذا العلم من جملة المناقب ومحامد السير والرقي في العلم.

قال العلامة محمد أمين الحموي في “خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر” (1/85، ط. صادر): [الشيخ أبو بكر بن صالح الكثامي الشافعي، الإمام العارف بالله تعالى، كان من أجلاء الشيوخ وأكابر العلماء العاملين، ومن المشهورين بمصر في علوم الهيئة والميقات والفلك، وكان في علم الأوفاق والزايرجا آية من آيات الله تعالى الباهرة] اهـ.

وقال العلامة المؤرخ الجبرتي في تاريخه: “تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ” (1/237، ط. دار الجيل): [الإمام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض العلوم والمعارف وكنز الأسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي الدانرانكوي السوداني كان إماما دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع واسع في جميع العلوم ومعرفة تامة بدقائق الأسرار والأنوار.. وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والأوفاق وعلم الحساب والمواقيت على اسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بانواعها الحرفية والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية] اهـ.

وقال العلامة ابن العماد الحنبلي في “شذرات الذهب” [مصلح الدّين مصطفى، الشهير بابن وفاء الحنفي، العارف بالله تعالى… أخذ التصوف أولا عن الشيخ مصلح الدّين المشتهر بإمام الدّبّاغين، ثم اتصل بأمر منه إلى خدمة الشيخ عبد اللطيف القدسي، وأكمل عنده الطريق، وأجازه بالإرشاد، وكان صاحب الترجمة إماما، عالما، محقّقا، جامعا بين علمي الظاهر والباطن، له شأن عظيم من التصرفات الفائقة، عارفا بعلم الوفق] اهـ.

وقال العلامة طاشْكُبْري زادَهْ في “الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية” (ص: 31، ط. دار الكتاب العربي): [وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه عبد الرحمن بن عَليّ بن احْمَد البسطامي مشربا والحنفي مذهبا والانطاكي مولدا، كَانَ رَحمَه الله عَالما بِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه عَارِفًا بخواص الْحُرُوف وَعلم الوفق] اهـ.

ومنهم العلامة كمال الدين موسى بن أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة- أبا الفتح الموصلي واستخرج في علم الأوفاق طرقاً لم يهتد إليها أحد،كما في “التحصيل من المحصول”.

ومنهم العلامة محمد بن محمد بن سليمان بن الفاسي بن طاهر السوسي الردواني المغربي المالكي (المتوفى: 1094هـ)، وكان في العلوم الغريبة كالرمل والأوفاق والحروف والسيميا والكيميا حاذقا أتم الحذق، وحصل له في الحرمين شهرة عظيمة حتى عد إمامهما (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن بن العربيّ بن محمد الحجوي الثعالبي الجعفري الفاسي (المتوفى: 1376هـ)، (2/335، ط. دار الكتب العلمية).

ومنهم العلامة المؤرخ الجبرتي وتلميذه الأمير الكبير؛ فيقول العلامة الأمير الكبير في “سد الأرب في علوم الإسناد والأدب” (ص 11) عن شيخه الجبرتي: [حضرت عليه مجالس في فقه الحنفية، وعنده رحمه الله تعالى كان اشتغالنا بالعلوم الحكمية، كالهندسة والهيئة والميقات والأوفاق وغير ذلك] اهـ.

إلى غير ذلك من التراجم والأقوال.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله ووالديه وصحبه وسلم.

([1]) “الموافقات” (1 /314، ط. دار ابن عفان).
([2]) “تحفة المريد” (ص: 167، ط. دار السلام).
([3]) “نظم الدرر” (20/ 128، ط. دار الكتاب الإسلامي).
([4]) أخرجه الترمذي في “السنن” وصحَّحه.
([5]) “لمعات التنقيح” (1/ 388، ط. دار النوادر).
([6]) أخرجه الإمام مسلم في “الصحيح”.
([7])  “تفسير المراغي” (4/ 117، ط. الحلبي)..
([8])  (3/165، ط. دار الكتب العلمية).
([9])  “الكافي في فقه أهل المدينة” (2/1142، ط. مكتبة الرياض الحديثة).
([10])  “مطالع الأنوار” (4/ 221، ط. أوقاف قطر).
([11])  أخرجه الإمام البخاري في “الصحيح”.
([12])  “الكواكب الدراري” (21/ 41، ط. دار إحياء التراث العربي).
([13])  “التمهيد” (13/ 70، ط. أوقاف المغرب).
([14])  ينظر: (9/334).
([15])  “تاريخ ابن خلدون” (1/656، ط. دار الفكر).
([16])  “الفروق” (4/144، ط. عالم الكتب).
([17])  “لطائف الإشارات” (1/37، ط. الهيئة العامة للكتاب).
([18])  “الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية الموضحة للكلم القرآنية والحكم الفرقانية” (2/500، ط. دار ركابي).
([19])  “أبجد العلوم” (ص: 418، ط. دار ابن حزم).
([20])  مختار الصحاح (ص: 304) مادة: وفق.
([21])  “الفتاوى الحديثية” (ص: 2، ط. دار الفكر).
([22])  “أبجد العلوم” (ص: 2، ط. دار ابن حزم).
([23])  “طرد السَّبع في سرد السَّبع” (ل: 4ب- 5أ، خ. جامعة الإمام محمد بن سعود بن الإسلامية، برقم 6246).
([24])  “الفتاوى الحديثية” العلامة ابن حجر الهيتمي (3/1648، ط. دار الفكر).