التفوا حول علمائكم
21 يوليو، 2025
العلم والعلماء

بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو
( الأزهرى البابي الحلبي )
يا أهل السنة في مشارق الأرض ومغاربها، ويا كبد الأمة النابض في حلب الشهباء…
أتستبدلون الذين هو أدنى بالذي هو خير
أتستبدلون الفوم الجلب بالمن والسلوى
أتستبدلون مجهولي النسب العلمي والتيكتوكرز والمشاهير بعلمائكم؟
إن من دلائل البوار، أن تهين الأمة علمـاءها، ومن أمارات السقوط، أن تستبدل الشرر بالنور، والظلمة بالنبراس.
إن ما أصابكم من ذل وتفرق، ليس إلا نتاجا طبيعيا لعقوقكم لأهل العلم، فمن لم يلتف حول عالمه، التف حول جهله، ومن لم يعن بمصباح الدلالة، حفّته ظلمات التّيه.
لقد رأينا أيام العز في حلب، يوم اجتمعت القلوب حول سيدي العارف بالله محمد النبهان رضي الله عنه ، فاضطرت الدولة أن ترضي العامة وتحاسب المسيء للإسلام ، وكانت أعتى الدول تحسب حسابا لغضبة العلماء
ذلك لأنه كان للعالم حرمة، وللناس قلبا يخفق بالمحبة والغيرة.
وهكذا أيضا فعل علماء حماه مثل الشيخ محمد الحامد
وايضا في دمشق
وغيرها
رفضوا الدستور العلماني الذي كان أول الموقعين على رفضه شيخنا محمد النبهان رضي الله عنه ووقع معه كافة العلماء
تم رفض الدستور لأن الدولة تعلم أن وراء هؤلاء العلماء أمة ستقوم معهم
لقد وقف ضد فرنسا علماء كالشيخ بدر الدين الحسني
وكان حتى ايام الاحتلال الفرنسي للعلماء هيبة
لقد أدرك أعداء الأمة هذه المعادلة
جاء زمن البعث، فكان أول ما فعله أن أسقط هيبة العلماء، فماتت الجذوة في الأرواح.
ثم زادت الطامة حين تولت الثورة إعلامياتها، فصار العالِم يُقزّم، ويُرجم، وتُطفأ سيرته بنكتة، ويُشوّه بتغريدة.
فيصل القاسم الذي وصف علماءكم بأقذر العبارات وكنتم تصفقون له
لم يصف مشايخه بأي عبارة ازدراء بالرغم من عمالتهم العلنية
ويكمل بعض السُّذج ما ابتدأته العقول السطحية من حرب على المقامات، فإذا بهم يزعمون أنهم يحاسبون العلماء إن أخطأوا، وكأنما العلم سلعة في أيديهم، يزنونها بميزان أهوائهم، أو كأنما العلماء في سوق السياسة، يُصفَّق لهم حين يوافقون، ويُرجمون إذا خالفوا.
وهذه الكلمة ـ على ظاهرها الذي قد يبدو عادلاً ـ إنما هي سهمٌ في خاصرة الهيبة، وغُصَّة في حلق التقدير، فليست محاسبة العلماء من اختصاص العوام، كما لا يُحاسب الطفل أباه، ولا الجندي قائده. بل يُناصح العالِمُ عالماً، ويُرجَعُ في الخطأ إلى ميزان الشريعة لا إلى مزاج السوق ومزاج التيك توك.
فما هانت أمةٌ إلا حين هانت في عيونها هيبة علمائها، وسقطت عمائمهم تحت أقدام الحشود التي لا تعرف من الدين إلا اسمه، ولا من العلماء إلا لحظات ضعفٍ بشري جعلوها قميص يوسف، يلوّحون به أمام كل عتاب.
قال قائل
إذا ما الجهل خيَّم في بلادٍ
رأيتَ أُسودَها تمشي صغارا
فذو علمٍ يُهانُ بكل وجهٍ
وذو جهلٍ يُقدَّمُ إن جارا
هكذا تتهاوى الأمم، حين تسقط منازلُ حكمائها في أعينها.
وقال آخر:
أأهينُ قومًا بهم قامت صوامعُنا؟
وكان علمهمُ للناسِ مشعلَنا؟
إن الهوانَ إذا ما مسَّ عالمَنا،
فالناسُ بعدهُ في التيهِ سُجّنا
فعودوا يا أهل السنّة، عودوا إلى علمائكم، فلن تُفلح أمّة هجرت رجالها، واستبدلت رُوّاد الفكر بأصوات الجهل والغوغاء.
وما أفلحت أمة أهانت علماءها.
هكذا
يتمدد السرطان في جسد الأمة، حين فقدت بوصلتها وهويتها، وتعمق الشرخ في بيتها الداخلي، فتفرّق الجمع وتاه القصد. أصبحت كالغنم الشريدة، تنهشها الذئاب من كل صوب، وكل عدو يطمع بجزء من هذا الجسد الممزق، بعد أن ضاعت الراية وسقط الحصن من الداخل.
فاللهم إنا نعوذ بك من زمان يُسقِط فيه الجهلةُ العلماء، ويعلو فيه صوتُ العوام على صوت الحكمة، وتُجعل فيه الموازين في غير مواضعها.
د. محمد سعيد السلمو