للسادة الخطباء بحث بعنوان ( إدارة الوقت مفتاح النجاح ) للشيخ رضا الصعيدى
20 يوليو، 2025
خطب منبرية

للسادة الخطباء بحث بعنوان ( إدارة الوقت مفتاح النجاح )
للشيخ : رضا الصعيدى
المقدمة :
الوقت هو الحياة، لكنَّ كثيراً من الناس يقضون هذا الوقت فيما لا نفع منه، أو لا يحسنون ترتيب أوقاتهم وبرمجتها حسب الأولويات والمهمات .
والعصر الحالي نعيش فيه أحداثا متلاحقة ، وظروفا متغيره ، ومن لم يثبت وجوده فقد عاش كالأموات بين الأحياء .
ان الحرص على استغلال الوقت وترشيد استغلاله هو السبيل الى تقدم أي أمة ، وان سوء استغلال الوقت مظهر من مظاهر الفشل ، والسلبية ، والعجز المبكر .
قال حاتم الأصم رحمه الله تعالى : أربعة لايعرفُ قدرها إلا أربعة : قـدر الشباب لا يعرفه إلا الشيوخ وقـدر العافية لا يعرفه إلا أهل البلاء وقـدر الصحة لا يعرفه إلا المرضى وقــدر الحياة لا يعرفه إلا الموتى( تنبيه الغافلين ص ٣٩).
الوقت لا يعود ، ولا يباع ولا يشترى ، وهذا معنى ما قاله الحسن البصري: «ما من يوم يمرُّ على ابن آدم إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدِّم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّر ما شئت فلن يعود إليك أبداً »
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم -: ((نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ)) ([1]).
حقائق عن الوقت:
إذا أردت أن تدرك قيمة العام، فاسأل من رسب في الامتحانات.
إذا أردت أن تعرف قيمة الشهر، فاسأل من رزقها الله بمولود ناقص النمو.
إذا أردت أن تعرف قيمة الأسبوع، فاسأل المحرر الذي يصدر جريدة أسبوعية.
إذا أردت أن تعرف قيمة اليوم، فاسأل من ستنتهي عطلته الأسبوعية غدًا.
إذا أردت أن تعرف قيمة الدقيقة، فاسأل من فاته القطار.
اذا أردت أن تعرف قيمة الثانية، فاسأل سائقًا نجا من حادث محقق.
اذا أردت أن تعرف قيمة الجزء من الثانية، فاسأل بطلا شارك في سباق المائة متر.
تذكر أن من تعمَّر سبعين سنة إذا ضيَّع كل يوم خمس دقائق كانت ثلاثة أشهر ،عشر دقائق ستة أشهر ،عشرون دقائق سنة كاملة ،ساعة كاملة ثلاث سنوات ،عشر ساعات ثلاثون سنة .
مفهوم إدارة الوقت :
هي مسألة تنظيمية بالدرجة الأولى ، وحسن استغلالها يدل على مقدار نجاح صاحبها وما يجنيه من مكاسب ، وما يوفره من طاقة ومال .
محفزات إدارة الوقت واستغلاله :
اننا لم نخلق عبثا بل لحكمة الهية ، قال تعالى : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].
وفي الحديث : (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه) حديثٌ صحيح.
وفي الحديث الآخر: (اغتنم خمساً قبل خمس ومنها حياتك قبل موتك).
الإهمال عقوق :
يقولُ علىٌّ بنُ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ:” مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ”.
الإهمال ندم :
قال ابنُ مسعودٍ: “ما نَدمتُ على شيءٍ نَدمِي على يومٍ غَربتْ شمسُهُ، نقصَ فيه أجلِي، ولم يزددْ فيه عملِي”…قال تعالى : يا بن ادم خلقتك للعبادة فلا تلعب ، وقسمت لك الرزق فلا تتعب.
روى الإمام البيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ يتحسر أهل الْجنَّة إِلَّا على سَاعَة مرت بهم لم يذكرُوا الله تَعَالَى فِيهَا .
قال ابن القيم -رحمه الله-: “كل نَفَسٍ من أنفاس العمر جوهرةٌ نفيسةٌ, فإضاعة هذه الأنفاس خسرانٌ عظيم, لا يسمح بمثله إلا أجهلُ الناس, وأَحْمَقُهُمْ وأَقَلُّهُمْ عقلاً. وإنما يظهر له حقيقةَ هذا الخسران يوم التغابن: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران: 30]”. ا.ه
الخير أمنية كل ميت :
وقف الحسن البصري على جنازة رجلٍ فقال لصاحب له يعظه: تُرى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا ماذا يصنع؟! قال: يكثر من الطاعات؛ قال له الحسن: قد فاتته فلا تفتك أنت!!
في الذاهِبينَ الأَوَّلينَ مِنَ القُرونِ لَنا بَصائِر
لَمّا رَأَيتُ مَوارِداًلِلمَوتِ لَيسَ لَها مَصادِر
وَرَأَيتُ قَومي نَحوَها تَمضي الأَصاغِرُ وَالأَكابِر
لا يَرجِعُ الماضي وَلايَبقى مِنَ الباقينَ غابِر
أَيقَنتُ أَنّي لا مَحالَةَ حَيثُ صارَ القَومُ صائِر
ضياع بعض الوقت ضياع بعض العمر :
من بديع ما ذكره شاعرنا الحكيم أمير الشعراء :
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له***إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفعْ لنفسِكَ بعدَ موتكَ ذكرَهَا ***فالذكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثاني
كيفية إدارة الوقت وحسن استغلاله :
ان إدارة الوقت وحسن استغلاله يرجع الى عوامل كثيرة منها : تحديد الأهداف بوضوح، وتحديد الأولويات، ووضع خطة زمنية، والتركيز على المهام، وتجنب التشتت …. الخ واليك التفصيل :
أولا : الترتيب حسب الأولويات واستعداد النفس لها :
حدّد المهام بناءً على مدى أهميتها وإلحاحها ، وأعطِ الأولوية لما هو مهم وعاجل كما يلي:
1-فالهامة والعاجلة أنجزْها على الفور.
2-والهامة، ولكن ليست عاجلة عليك أن تقرر متى تقوم بهذه المهام.
3-والعاجلة لكن غير مهمة قم بتفويض هذه المهام إن أمكن.
4-والتي ليست عاجلة وليست مهمة نحِّها جانبًا لتنجزها في وقت لاحق.
ثانيا : تحديد مواعيد الأشياء الثابتة في كل يوم:
ومما يعين المسلم على تنظيم أوقاته تحديد مواعيد الأشياء الثابتة في كل يوم، فمثلاً: مواقيت الصلاة.. موعد النوم.. موعد الوجبات.. موعد الزيارات.. موعد الجلسات.. موعد المذاكرة.. وهكذا.
ثالثا : مراعاة نشاط النفس واستعدادها :
يقول ابن الجوزي رحمه الله: لما كانت القوة تكل فتحتاج إلى تجديد، وكان النسخ والمطالعة والتخطيط لابد منه مع أن المهم الحفظ، وجب تقسيم الزمان على أمرين: فيكون الحفظ في طرفي النهار وطرفي الليل، ويوزع الباقي بين عمله في النسخ والمطالعة وبين راحة البدن وأخذ لحظة، ولا ينبغي أن يقع الغبن بين الشركاء، فإنه متى أخذهم فوق حقه أثر الغبن وبان أثره.
يقول الكناني رحمه الله: أجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة وللمذاكرة الليل، وأجود أماكن الحفظ الغرف وكل موضع بعيد عن الملهيات، وليس بمحمود الحفظ بحضرة النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطرق وضجيج الأصوات؛ لأنها من خلو القلب غالباً.
رابعا : تحديد وقت معين لإنهاء العمل:
– إن تحديد زمن مُحدد لإكمال المهام يساعدك على أن تكون أكثر تركيزًا وفعالية ، كذلك، يساعدك تحديد مقدار الوقت الذي تحتاج لتخصيصه لكل مهمة في التعرّف على المشكلات المحتملة قبل ظهورها وبهذه الطريقة يمكنك وضع خطط للتعامل معها.
قال الطحاوي في المعتصر: روي عن زيد بن ثابت أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحسن السريانية؟ أنه يأتيني كتب، قال قلت لا، قال فتعلمها، قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما، وفي رواية أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كتاب يهود فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت، وقال صلى الله عليه وسلم والله إني ما آمن يهود على كتابة، فلما تعلمت كنت أكتب إلى يهود إذا كتب إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابتهم
خامسا : أخذ قسط من الراحة بين المهام :
– إن القيام بالكثير من المهام دون استراحة، من شأنه أن يشتّت تركيزك ويجعل حماسك يفتر ، فخذ قسطًا من الراحة أو اذهب في نزهة قصيرة لتصفية ذهنك وتجديد نشاطك.
عن أبي جُحيفة قال: آخى النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بين سلْمان وأبي الدَّرداء، فزار سلْمان أبا الدَّرداء فرأى أمَّ الدَّرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنُك؟ قالت: أخوك أبو الدَّرداء ليس له حاجةٌ في الدُّنيا، فجاء أبو الدَّرداء فصنع له طعامًا فقال: كُلْ، قال: فإنِّي صائم، قال: ما أنا بآكِل حتَّى تأكُل، قال: فأكَل، فلمَّا كان اللَّيل ذهب أبو الدَّرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نَم، فلمَّا كان من آخِر اللَّيل، قال سلمان: قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان: “إنَّ لربِّك عليْك حقًّا، ولنفسك عليْك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه”، فأتى النبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم – فذكر ذلك له، فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صدق سلْمان))؛ رواه البخاري (1968)..
فيجب على الانسان منا أن يعرف الواحد منَّا نفسَه وطاقتَها، فلا يحمِّلها أكثر ممَّا تُطيق ولا يقْطع عنها عادتها مرَّة واحدة، فهذا مظنَّة الانقطاع وعدم الاستِمْرار، فليس المهمّ: ماذا عمِلْت اليوم بل المهمّ: هل أستطيع الاستِمْرار على هذا العمل؟ وقد نبَّه النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – لِهذا الأمر عدَّة من أصحابِه، كعبد الله بن عمرو حينما نَهاه عن كثرة الصيام والقيام، وقال له: ((فإنَّكَ إذا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْناكَ ونَفِهَتْ نَفْسُكَ – أي: ملَّت وسئِمت العبادة – لِعَيْنِكَ حَقٌّ ولِنَفْسِكَ حَقٌّ وَلأهْلِكَ حَقٌّ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأفْطِرْ))؛ رواه البخاري (1153)، ومسلم (1159). .
وقال للحولاء بنت تُوَيْت – وكانت تصلِّي اللَّيْلَ كلَّه ولا تنام -: ((خُذوا من العمل ما تُطيقون))؛ رواه البخاري (1151)، ومسلم (785)..
سادسا : التحلي بالارادة وقوة العزم :
ان أكبر عائق في حياة الإنسان هو ذاته، فإذا كان الفرد إيجابيًا ويسعى للنجاح ،سيتغلب على الصعوبات والمشاكل التي تواجهه.
قال تعالى : فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)..من سورة آل عمران .
سابعا : تجنب المشاكل والصدامات :
سيدنا عمر قال: «اعتزل ما يؤذيك» ولم يقل: «تحمل ما يؤذيك» لا تتأثّر بالأشخاص المؤذين من حولك مهما بلغت قوّتهم أو مدى حضورهم في تفاصيل يومك، بل حصّن واشغل نفسك بالتفكير الإيجابي ، فان الانشغال بالصدامات تشتت واهدار للوقت .
اعتزل ما يؤذيك حتى لا يأتي يوم وتندم فيه وتتحسر على حياتك وما فاتك.
نماذج ناجحه :
هي كثيره ولكن يأتي على قمتها سيدنا محمد رسول الله خير نموذج في استغلال الأوقات ، فلم يثبت وجوده فقط ، بل اثبت وجود أمة كامله .
الواجب علينا :
1-الحذر من الفراغ وضياع الوقت :
قال ابن القيم رحمه الله: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
تأمل معي في آخر سورة الشرح: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:5-8]. فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب، ما معنى هذا؟ قال أهل العلم كما في تفسير ابن كثير : فإذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها -يعني: الأمور المهمة، مثل البيت والأكل والأهل والأولاد- فانصب في العبادة وقم إليها نشيطاً، قال بعض المفسرين: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، وقال بعض المفسرين: فانصب في الدعاء، وقال بعضهم: فإذا فرغت من الجهاد فانصب في العبادة. وهذا يدلك على شيء مهم جداً، وهو أن أوقات الفراغ هي غير أوقات العبادات المفروضة في أوقات معينة، منها صلاة الجماعة، ومثل الجهاد إذا حان وقته، وهكذا.
يقول عمر رضي الله عنه: [تفقهوا قبل أن تسودوا] ما معنى قبل أن تسودوا؟ يعني: قبل أن تصبح إنساناً ذا شأن، وصاحب مسئوليات وصاحب منصب، وقبل أن تصبح سيداً متصدراً للناس، تفقه فإنك غداً عندما تصبح منشغلاً بذلك المنصب أو بتلك السيادة، ربما لا تجد وقتاً كافياً لطلب العلم، وأيضاً، فإن السيادة تحتاج إلى فقه، وإلا فكيف يقود الناس إنسانٌ جاهل.
فاحذروا من مضيعات الأوقات كوسائل اللهو من البرامج والمسلسلات والجرائد والمجلات والألعاب والمباريات والمسابقات.. وغيرها، فإنها كثيراً ما توقع في المحرمات ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا حدث عنه ولا حرج، كيف يضيع مسلسل في تلفزيون أوقات المسلمين، أو كيف تضيع هذه المجلات الفارغة التافهة المنتشرة في الأسواق أوقات المسلمين والمسلمات، هذا شيء في غاية العجب!
2-الاستعجال بالعمل الصالح :
كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) ([2]).
ويبلغ مقدار أهمية استغلال الوقت في الإسلام مبلغاً عجيباً لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل).
وروى الترمذي بسند حسن (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ .
إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك، و لا تضمن أن تعيش إلى الغد، وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوِّقات من مرض طارئ أو شُغلٍ عارض أو بلاء نازل،فبادر باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله،وفعل ما ينفعك.
3-الاستعانة بالبكور :
جاء في الحديث: “بورك لأمتي في بكورها”. ، وخص صلى الله عليه وسلم البكور بالدعاء بالبركة فيه من بين سائر الأوقات ـ والله أعلم ـ لأنه وقت يقصده الناس بابتداء أعمالهم وهو وقت نشاط وقيام من دَعَة فخصه بالدعاء، لينال بركة دعوته جميع أمته. اهـ.
وكما ورد في حديث صخر بن وداعة الغامدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اللهمَ باركْ لأمتي في بكورِها” . قال : وكان إذا بعث سريةً أو جيشًا، بعثهم أولَ النهارِ .
والمقصود بالبكور أول النهار ، وهو ما كان في وقت صلاة الصبح، بعد انتشار ضوء الفجر الصادق وأداء صلاة الفجر، وينتهي عند شروق الشمس وارتفاعها وابتداء انتشار حرها، أي عند ابتداء وقت الضحى، قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (آل عمران:41).
4-أترك أثرا :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سبعٌ يَجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته»
قال صاحب صيد الخاطر : ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظةً في غيره قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة، فإذا علم الإنسان وإن بالغ في الجد بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته.
هناك أناس لو مات أحدهم تأثر البيت من موته؛ لأنه كان يملأ فراغاً عظيماً في ذلك البيت، وكذلك لو مات مدير لتأثرت الدائرة كلها، بسبب موت ذلك المدير الصالح في دائرته التي يعمل فيها، وهناك مدرس لو مات لحزن الطلاب عليه، وأصبح هناك نقص في المدرسة بموت هذا المدرس:
قد مات قومٌ وهم في الناس أحياءُ
قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى }- أي: نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال، { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، { وَآثَارَهُمْ } وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.
([1]) صحيح البخاري
([2]) صحيح البخاري