خطبة الجمعة القادمة (الاتحاد قوة)
اعداد وترتيب الشيخ : احمد عبدالله عطوه
الموافق ٢٣ محرم ١٤٤٧هـ ـ الموافق ١٨يوليو ٢٠٢٥م
لتحميل الخطبة pdf اضغط ادناه
أحمد عبد الله عطوة. الاتحادُ قوةٌ
العناصر الرئيسية التالية :
1/الحث على الإتحاد وذم الفرقة في القرآن الكريم
2/ أخوة في الله لا في شيء آخر
3/الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف
4/المفاسد المترتبة على الفرقة والاختلاف
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَامَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،
وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ
وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حقَّ التَّقْوَى وَاعْلَمُوا أنَّأَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
عباد الله: لقد مدح الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الاجتماع والائتلاف وتنمية روح الأخوة بين المسلمين وذَمَّ الفرقة والتشرذم والاختلاف فالاجتماع قوةوهو سبب كل خير وسبيل لكل فضيلة والاختلاف بلا شك ضعف وهو نذير هلاك ودليل بوار وما اعتصمت أمة بكتاب ربها وسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم- إلا نجَّاها الله تعالى، ورفعها على غيرها من الأمم يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103]، فجعل الهداية إلى الائتلاف والاعتصام بحبله تعالى آية من آيات الله، تستحق التأمل والتدبر في مغزاها وآثارها.فهذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتنّ الله بها على الجماعة المسلمة الأولى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده إلى قيام الساعة
عِبَادَ اللَّهِ
لَقْدَ أَحَاطَ الْإِسْلَامُ الْمُجْتَمَعَ الإسلامي بِسِيَاجٍ مَنِيعٍ مِنْ دَاخِلِهِ يَحُولُ دُونَ تَصَدُّعِ بُنْيَانِهِ وَتَزَعْزُعِ أَرْكَانِهِ فَأَقَامَ الضَّمَانَاتِ الْوَاقِيَةَ وَالْحَصَانَاتِ الْكَافِيَةَ الْحَائِلَةَ دُونَ مَعَاوِلِ الْهَدْمِ وَالتَّخْرِيبِ أَنْ تَتَسَلَّلَ إِلَى جَبْهَتِهِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَتَعْمَلَ عَمَلَهَا هَدْمًا وَتَخْرِيبًا وَفُرْقَةً وَتَأْلِيبًا وَإِنَّ الْحَمْلَةَ الشَّرِسَةَ الَّتِي تَقُودُهَا بَعْضُ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمُعَادِيَةِ لِلتَّأْلِيبِ الشَّرْقِيِّ وَالْغَرْبِيِّ عَلَى دَوْلَةِ التَّوْحِيدِ فيَسْتَغِلُّ فِيهَا الْأَعْدَاءُ، وَالْخُصُومُ كُلَّ مَا يُمْكِنُهُ اسْتِغْلَالُهُ، وَيُحَاوِلُونَ أَنْ يَشُقُّوا صَفَّ هَذِهِ الدَّوْلَةِ المصرية
إخوة الإسلام والإيمان
الإسلام دين يدعو إلى الوحدة والاتحاد ويحذر من الفرقة والاختلاف ففي الوحدة والاتحاد قوة ومنعة وفي الفرقة والاختلاف ضعف ومهانة ،وهذا ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في الحديث المتقدم بقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :« أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعاً وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ، إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ) ،وفي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُورَةً مِنَ الثَّلاَثِينَ مِنْ آلِ حم قَالَ يَعْنِي الأَحْقَافَ قَالَ وَكَانَتِ السُّورَةُ إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِينَ آيَةً سُمَّيْتِ الثَّلاَثِينَ قَالَ فَرُحْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ ،فَإِذَا رَجُلٌ يَقْرَؤُهَا عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأَنِي ،فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ: فَقُلْتُ لآخَرَ اقْرَأْهَا. فَقَرَأَهَا عَلَى غَيْرِ قِرَاءَتِي وَقِرَاءَةِ صَاحِبِي ،فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ،فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَيْنِ يُخَالِفَانِي فِي الْقِرَاءَةِ قَالَ فَغَضِبَ وَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ ،وَقَالَ :« إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الاِخْتِلاَفُ ». قَالَ: قَالَ زِرٌّ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ ،قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ كَمَا أُقْرِئَ ،فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الاِخْتِلاَفُ) ، فوحدة المسلمين والتزام الجماعة من أهم فروض الدين الاسلامي على الإطلاق و يأتي بعد توحيد الله عزّ وجلّ ،يقول الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران 103 ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله“وَهَذَا الْأَصْلُ الْعَظِيمُ : (وَهُوَ الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَأَنْ لَا يَتَفَرَّقَ) هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَمِمَّا عَظُمَتْ وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ وَمِمَّا عَظُمَ ذَمُّهُ لِمَنْ تَرَكَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ وَمِمَّا عَظُمَتْ بِهِ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِن عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ واجتماع المسلمين ووحدتهم إنما يكون بالاعتصام بحبل الحق الواحد وهو شرع الله الذي أنزل به كتابه وأرسل به نبيه ففي مسند البزار وصحيح ابن حبان (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْجُحْفَةِ فَقَالَ : أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ طَرْفُهُ بِيَدِ اللهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَهْلِكُوا وَلَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا).،والاجتماع إنما يكون على الغاية الأسمى التي خلقنا من أجلهاوهي :(عبادة الله وحده لا شريك له) وهو ما كلفنا بالجهاد من أجله أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العلياوهذا ما أمر الله عز وجل به وقام به المرسلون وأتباعهم فلقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم ان يداهن كفار قريش ويقرهم على بعض باطلهم رغم أنهم وعدوه أن يجتمعوا على بعض الحق الذي جاء به ،قال تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم 9] وأنكر نبي الله هارون (عليه السلام) على قومه عبادتهم للعجل ،رغم قلة عدد الذين ثبتوا معه قال تعالى على لسانه هارون:{ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي } [الأعراف 150]، فلا يسع أهل الحق التنازل عن بعضه لتحقيق الوحدة وإلا لما بقوا على الحق ،ولما أغنت عنهم كثرتهم على الباطل فلا قيمة للاجتماع على غير الكتاب والسنة ،ولا يجوز التهاون في أصول الدين التي تدور حول كلمة التوحيد ،لتحقيق مكاسب زائلة فالاعتصام إنما يكون بالثبات على الثوابت وإعمال السياسة المنضبطة بضوابط الشرع في المتغيرات والرخص وكل ذلك من الشرع وفيه خير الأمة ،وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم:” لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ” ،وإذا حدث تنازع في شيء صغير أم كبير نرده إلى الله والرسول أي إلى الحبل الذي أمرنا بالاعتصام به الكتاب والسنة ، قال الله تعالى { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [النساء 59]
أيها المسلمون
ومن النصوص التي تحث المسلمين على الوحدة ولزوم الجماعة ،وتحذر من الاختلاف والفرقة ما رواه الترمذي في سننه قوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ »وفيه أيضا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم« يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ » فيد الله تعالى مع الجماعة ينصرهم ويؤيدهم ويسددهم ،وهو معهم معية خاصة: معية النصر والتأييد متى ما كانوا مجتمعين على الحق ،مجتمعين على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما أمر الله عز وجل نبيه وأمته تبع له بلزوم الجماعة ففي سنن الترمذي : (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِى بِهِنَّ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ »فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ قَالَ « وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِى سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ »، هكذا تتبين لنا أهمية وحدة المسلمين ولزوم الجماعة ومدى الحاجة إليها فهي من قواعد الدين, والخطر والشر في الفرقة لذا جاء النهي عن الفرقة والتحذير منها وكان صلى الله عليه وسلم يغضب ويشتد غضبه عند اختلاف أصحابه في أمر من أمور الدين خشية ما يؤدي إليه من فرقة وهلكة ففي الحديث عن عبدالله بن عمرو قال: ((هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا في آيَةٍ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الْغَضَبُ فقال: إنما أهلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب)) كما كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم من أشد الناس تحذيرا من الفرقة ونهيا عنها وبيانا لأضرارها يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناصحا ومرشدا لرعيته: (إياكم والفرقة بعدي)
أيها المسلمون
فعلى المسلمين أن يتحدوا ويتوحدوا ويتجنوا الوسائل المعينة على الفرقة والاختلاف فمن الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف : مخالفة شرع الله عز وجل : وهو السبب الأساس الذي تنبع منه بقية الأسباب فلقد حذرنا الله من الاختلاف وبين لنا أسبابه وعواقبه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهما حبله الذي أمرنا أن نعتصم به ،وجلي أن مخالفة ما يجمع يسبب التفرق والتنازع كما أن مخالفة أمر الله وتركه عقوبته العداوة والبغضاء بين المخالفين كما قال تعالى {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة 14]. ومن الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف : تفاوت الناس في العقول والطباع والميول , وتفاوتهم بالعلم والقدرة على الفهم واختلافهم في الهدى والضلال قال تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(118)، (119) [هود]
ومن الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف : الاختلاف في تحديد الأصول المتفق عليها ، والفروع التي يسع الاختلاف فيها ،والثوابت والمتغيرات ،وكل ذلك سببه الجهل بأحكام الشريعة ومقاصدها وعدم فهم المسائل خاصة العقدية منها فهما صحيحا وشاملا، ومن الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف : الإعجاب بالرأي واتباع الهوى وترك الهدى وبطر الحق وتسفيه الناس وإن كانوا مصيبين ،قال تعالى {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد:14]
ومن الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف : الأثرة وحب الرياسة والزعامة وعدم التنازل للغير وإن كان الأفضل وذلك من الركون إلى الدنيا وزينتها ،قال تعالى واصفا حظ النفس ، وحب الدنيا وأثره في التنازع والفشل {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران 152]. ومن الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة والاختلاف : وساوس شياطين الجن والإنس- بطانة السوء- وتزييفهم للحق وتزيينهم للباطل وكيدهم للمؤمنين ،قال تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة91] ،وعن المنافقين الذين يحاولون تفريق الأمة من الداخل قال تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة 107] ,وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم أن يعالج بنيان الشر هذا بالهدم