بحث عن ( وسائل التواصل الاجتماعي ) للشيخ رضا الصعيدى


بحث عن ( وسائل التواصل الاجتماعي )

للشيخ : رضا الصعيدى

كيف نحسن استغلال نعم الله ؟
وما ثمرات ذلك في الدنيا والآخرة ؟
وما عاقبة سوء استغلالها في الحال والمآل ؟
وكيف كان النساء والأطفال الأكثر ضحايا السوشيال ميديا ؟
مع ذكر قصص من تجارب الأخرين ؟
وما الواجب علينا ؟

التعامل الإسلامي مع نعم الله :

أيها المسلمون: هذه الثورة العظيمة في التواصل بين الناس هي مما علم الله تعالى الإنسان، وما كان يظن الإنسان أن يصل إلى ما وصل إليه {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: من الآية 8]… ومن العجائب أن النبي صلوات ربي عليه قال:  إنَّه مَن يعِشْ مِنكم فسيَرَى اختِلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشِدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجِذ ..» الحديث (رواه أبو داود والترمذي).

إن التقنيات الحديثة والطفرة الهائلة في تكنولوجيا المعلومات وأدواتها سهَّلت على الإنسان الكثير من المهام، وهناك من يستغل هذه التقنيات لكي يفتح أبوابًا للخير له ولغيره، وهناك من يتصيد السُّبل لكي يجر السوء على نفسه وعلى غيره.

إن الضغط على أيقونة شارك أو ما تُسمَّى تقنيًا “Share” أو على أيقونة أعجبني أو ما تُسمَّى تقنيًا “Like” أو أيقونة التعليق أو ما يُسمَّى تقنيًا “Comment” أو الضغط على أيقونة المشاركة أو ما يُسمَّى تقنيًا “Tag” قد يكون سببًا في خيرٍ كثيرٍ لا يُحصيه إلا الله الكريم، وقد يكون سببًا في شرٍ كبيرٍ -ونعوذ بالله تعالى من ذلك- ومن إثمِ وعواقب كل شر.

صلاحية النعم للاستخدام الإيجابي والسلبي ودور الانسان في توجيهها :

قال الشيخ الشعراوي :

ان الله خلق النعم صالحة صلاحية النعم للاستخدام الإيجابي والسلبي، فإذا كانت موجهة إلى غير مراد الله يصير العبد عاصياً، وإن وجهها إلى مراد الله فيكون طائعاً،فمثلا السكين صالحة لذبح طير أو انسان ، هي غير عاقلة بذاتها ، وليست مسئولة عن أفعالها ، فمثلا القاتل يأتي بسكين أو سيف أو مسدس ويرتكب فعل القتل، فأداة القتل هي التي قامت بالفعل، والقاتل إنما أخذ الآلة الصالحة لفعل ما ولغيره، فوجهها لذلك الفعل.

إن وسائلَ التواصُلِ الحديثة واقِعٌ لا مفَرَّ منه، ولا إنكارَ لِما تحمِلُه من أوجُهِ الخَير وأوجُهِ الشرِّ، ما يُوجِبُ على العُقلاء وذوِي العلمِ والفهمِ السليمِ أن يُزاحِمُوا أهلَ الشرِّ والطَّيشِ، والغفلَةِ والتهوُّر، وإنه لا مناصَ من ذلكم – عباد الله – لإطفاءِ حرِّ الطَّيشِ واللامُبالاة ببَرْد الأناة، واستِحضار المسؤوليَّة.

وما دام الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على تحريمها؛ فلا شك أن السوشيال ميديا المعاصرة ينسحب عليها هذا الأصل؛ استصحابا للبراءة الأصلية لكن إذا وصلت إلى حد الإدمان فيجب أن يكون لنا وقفة  ، فان التَّطْبيقاتِ الَّتِي انْتَشَرْتْ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ بِشَتَّى صُوُرِها وَأَنْواعِها تُؤَثِّرُ تَأْثيرًا كَبيرًا عَلَىَ الصَّغيِرِ وَالكَبيرِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَىَ فَمِنَ المهُمِّ أَنْ يُدْرِكَ الجَميعُ خُطوُرَةَ ما يَكوُنُ فيها مِن شُروُرٍ وَأَنْ يُتَوَقَّىَ ذَلِكَ في أَنْفُسِهِمْ وفي أُسَرِهِمْ، وَالتَّطْبيقاتُ لا حَصْرَ لها وَلا تَحْديدَ بَلْ هِيَ مُتَنَوِّعَةٌ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ فيها في كُلِّ زمانٍ تَجديدٌ وَتَنْويِعٌ.

حسن استغلال مواقع التواصل :

صلة الأرحام وكسب الأصدقاء :

تجِدُ مَن في المشرِق يسمَعُ سلامَ مَن في المغرِب، ليس بين نُطق ذاك وسماعِ هذا إلا لحَظاتٌ يسيراتٌ، وإذا أَنَّ مَن بالشمالِ سمِعَ أنِينَه مَن بالجنوبِ ليس بين أنِينِ ذاك وسماعِ هذا إلا زمنٌ يسيرٌ.. فالإِنْسانُ مَدَنِيٌ بِطَبْعَهِ لا حَياةَ لَهُ بِاْنفرادٍ بَلْ حياتُهُ بِمُجْتَمَعٍ وَتَواصُلٍ فلابُدَّ لَهُ مِنْ صِلَةٍ بِمنْ حَوْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ …. وهَذِهِ الثَّوْرَةَ الإِلِكْترُوُنِيِّةُ جَعَلَتْ النَّاسَ في تواصُلٍ لَيْسَ لَهُ نَظيرٌ فيما يَعْهَدوُنَ وَيَعْرِفوُنَ تَواصُلٌ لا يَحُدُّهُ مَكانٌ، تَواصُلٌ لا يَحُدُّهُ زَمانٌ وَلا جِنْسٌ وَلا سِنٌ، تَواصُلٌ وَاسِعُ الانْتِشارِ اسْتَوْعَبَ العالمَ بِأَسْرِهِ، شَرْقِهِ وَغَرْبِهِ، صَغيرِهِ وكَبيرِهِ، ذَكَرِهِ وَأُنْثاهُ، عَلَىَ اخْتِلافِ الدِّياناتِ وَتَنَوُّعِ الأَعْراقِ وَتَفَنُّنِ سائِرِ الثَّقافاتِ.

نشر دعوة الإسلام والنصح والتوجيه :

وهذه من أنفع الوسائل وأكثرها فائدة، و يكفي في ذلك قوله جل وعلا: {ومن أحسن قولاً ممَّن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين} وقول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم) وفي رواية: (خير لك من الدنيا وما فيها)، وقوله تعالى: {كنتم خير أمَّةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} كذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) ، قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» (رواه مسلم)…إلى غير ذلك من النصوص التي تبيِّن لنا الفضل، والأثر المترتب على الدعوة إلى الله جل جلاله سبحانه.

ضرورة علمية :

فانها قد أصبحت من ضروريات الحياة اليومية، فهي تعمل على توفير روابط المواقع الهامة للجامعات والمعاهد والكليات للشباب الباحث عن منحٍ دراسيّة، أو طلب الدراسة بها…وهي تساهم في نشر العديد من الأحداث الهامة، كالمؤتمرات، والندوات، والمحاضرات، والأنشطة الإنسانيّة والخدمية.

ضرورة تجارية :

ونرى أنها تعتبر من أهم وسائل الدعاية والإعلان والتواصل بين الشركات التي تروج منتجاتها وبين المشترين الذين يبحثون عن مبتغاهم من خلال هذه المواقع بدون أدنى مشقة عوضاً عن النزول للأسواق ومعاناة البحث المضني.

ضرورة صحية :

 وهي تساهم بشكل كبير في نشر الوعي الصحي بين الناس، عن طريق النشرات، والرسائل، والكتب، والكتابات المختلفة التي تبين للناس خطورة بعض الأمراض وكيفية التعامل معها والوقاية منها.

ضرورة حكومية :

حيث يمكن إنجازُ المصالح والمعاملات بيسر وسهولة دون عناء أو ضياع وقت.

صور من سوء استغلال التواصل :

نشر الكذب والوهم  وتزييف الحقائق  :

وإن مما يذكر في هذا المقام ما جاء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم حيث قال  «إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلِمةِ ما يتبيَّنُ فيها، يزِلُّ بها إلى النار أبعَدَ مما بين المشرِقِ والمغرِبِ» (متفق عليه.

وهذا واقع مشاهد يكذب الكذبة في هذا الجهاز فتبلغ الآفاق، وعقابه في البرزخ ما قد سمعتم..

وان كان غرض هؤلاء هو المكسب المالي فانه محرم  لحرمة الوسيلة.

ناهيك عن القلق والاكتئاب بسبب المقارنات؛ فحين يرى الشاب صور الأثرياء، والسفر، والزينة، فيحزن على حاله، ويظن أنه فاشل، مع أن ما يراه ربما يكون “واجهة مزيفة”.

ولقد قرات هذا التعليق  : ما بالك بخريج طب أو خريج هندسة يحصل على وظيفة بعد أن تعب وسهر من أجل النجاح والتفوق ثم يحصل على وظيفة ب١٠ آلاف ريال شهريا، في حين أنه يشاهد من يسميهم هو التافهين والتافهات أو مشاهير الفلس يحصلون على عشرات الألوف بمجرد لقطة إعلانية لا تتجاوز ٦٠ ثانية .. بالله عليكم كيف تتصورون نسبة الإحباط والمعنويات المنخفضة التي تصيب هذا الخريج إذا قارن نفسه بمن يسميهم مشاهير الفلس.

نشر الأفكار الهدامة والتصدر للفتوى :

فَكَثيِرٌ ممَّنِ ابْتُلِيَ بالإِلحادِ، وَكَثيِرٌ ممَّن ابْتُلِيَ بالغُلُوِّ وَالإِرْهابِ ابْتُلوُا مِنْ طريقِ هذهِ التَّطبيقاتِ إِمَّا بِدَعْوَةٍ صَريحَةٍ أَوْ بِدَعْوَةٍ مُبَطَّنَةٍ فَلْيَكُنِ الإِنْسانُ عَلَىَ حَذَرٍ، وَأَغْلَىَ ما تُحافِظُ عَلَيْهِ وَتَحْرِصُ عَلَيْهِ هُوَ دينُكَ فَتَوَقَّ الشَّرَّ، وَقَدْ قالَ مُحَمَّدُ بْنُ سيرينَ رَحِمَهُ اللهُ: «إن هذا الأمر دين فلينظر أحدكم عمن يأخذ دينه». .. ونرى أنه يتصدُّر رؤوسٍ جهال للفتوى، والتخوض في الأمور العلمية ممن ليسوا أهلاً للتخصص، ودون فهم لآليات النص، ومعرفة إسقاطه على الواقع المعيش، والإحاطة بـ”فقه المآلات”، والإحاطة بالجهات الأربع في الفتوى “تغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص”.

تتبع العورات والتعرض لأعراض الناس :

فالحذرَ الحذرَ، واعلموا أن أعراض الـمسلمين وأسرارهم غير مباحة للتعدي، وعلى هذا الأساس يجب ستر الـمسلمين، ويحرم كل ما يؤدي إلى انتهاك أعراضهم وفضحها؛ قال صلى الله عليه وسلم: “يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته”.

مشاركة الفسق والفجور والسيئات الجارية :

نشر المواد المرئية والصوتية التي تُخالِف الشرع وذلك يتمثَّل في نشر مقاطع للأفلام والأغاني وما شابه ذلك، وكل ذلك يجرُ على صاحبه حسرةً وندامةً يوم القيامة، فهذا جهر بالسوء، وتجارة يقول النبي ﷺ : «كل أمتي معافى إلا المجاهرين …» [رواه البخاري].

وقد يموت فلا يجد من يمسح ذنوبه من على صفحته ، قال حبيب الفارسي رحمه الله: إن من سعادة المرء أن يموت وتموت معه ذنوبه.

وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلَّا سَيَفْنَـــى        وَيَبْقَى الدَّهْرَ مَا كَتَبَتْ يَــدَاهُ

فَلَا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ        يَسُرُّكَ فِـــي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ

المجاهرة بالفسق :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

جرائم الخيانة الكبرى :

من خلال استغلال بعض العيوب أو الثغرات في أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكنهم شن هجمات إلكترونية تؤدي إلى تعطيل البنية التحتية الحيوية للدول المتقدمة، أو سرقة البيانات الحساسة لها، أو نشر معلومات مضللة بين السكان بهدف إحداث بلبلة واضطراب شعبي، أو حتى تضليل أصحاب القرار بمعلومات مزيفة، كما ذكرنا بالنقطة الأولى.

نشر الأمور الخاصة :

لا ينبغي للإنسان أن ينشر أموره الخاصة على وسائل التواصل العامة حتى لا تعرض نفسك للحسد وسوء العاقبة ، إلا إذا كان ذلك لحاجة أو مصلحة، كما لو عانى من مشكلة أو مرض فالتمس نصيحة الناس وإفادته من تجاربهم، أو أن يدلوه على من يعينه من طبيب أو غيره.

خطورة سوء استغلال نعم الله :

العمى يوم القيامة :

 فيا عباد الله، شرُّ الخلق على الإطلاق في الدنيا والآخرة هم الذين يستغلون نعمة الله تعالى، ويخونونها، ويستخدمونها في معصية الله تعالى، هؤلاء يعذبون أنفسهم بعقوبة الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124- 126].

تحول النعم الى نقم في الدنيا :

النعم ليست مجرد هبات، بل لها حقوق وواجبات حددها الله، وإذا لم يلتزم الإنسان بها فقد يسلبها الله منه، بل قد يجعلها نقمة عليه،  فأن قصة ناقة صالح – عليه السلام – خير مثال على ذلك؛ إذ كانت آية عظيمة لقومه، لكنهم لم يلتزموا بشروط الله فكانت عاقبتهم وخيمة.

ضياع الأوقات :

وقد يؤذن المؤذن وهو في محادثة، وتقام الصلاة وهو لا يزال مدمنا لهاتفه  فتفوته صلاة الجماعة، وأمثال ذلك كثير يعلمه الناس من أنفسهم أو ممن هم حولهم، حتى كانت هذه الوسائل سببا من أسباب الصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، ومن وجد في نفسه شيئا من ذلك وجب عليه أن يهجر هذه الوسائل؛ لئلا يذهب عليه دينه بسببها.

قال الإمام الأوزاعي: “ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة عَلَى العبد يوم القيامة، يومًا فيومًا، وساعة فساعة، فلا تمر به ساعة لم يذكر اللَّه فِيهَا إلا تقطعت نفسه عَلَيْهَا حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مَعَ ساعة ويوم مع يوم” أ.ه.

ويقول ابن القيم رحمه الله: (إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها).

اطلاق البصر في الحرام :

ومن العواقب السيئة لوسائل التواصل أنها سهلت على كثير من الشباب والفتيات الوقوع في الشر، وارتكاب المحرمات الظاهرة، كرؤية الحرام، وسماع الحرام، وفعل المحرمات الكبيرة التي تجلب غضب الله، وتوقع العبد في أليم عذابه وشديد عقابه، ومن ذلك مشاهدة الأفلام الإباحية، ورؤية الصور الجنسية، والتعلق المقيت بصور المردان والنساء، والمخنثين والمخنثات… وهذه ظاهرة مقيتة وشهيرة في ذلك العالم الوهمي، ومن يتابع إحصائيات مواقع البحث الالكتروني سيجد أن أكثر الكلمات التي يتم البحث عنها من قبل العرب هي كلمات جنسية وعبارات إباحية، الهدف من البحث عنها مشاهدة الرذائل والتمتع بالحرام المحض الذي يعمي البصر والبصيرة.

قال تعالى : [ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ … ] – (النور 30: 31) …..ويقول الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦].

حصولُ علاقات مشبوهة :

وعلاقات محرّمة ومكالمات غير نزيهة بين الجنسين، مما يترتب عليه حدوث حالات ابتزاز ووقوعٍ في المحرم.

حصول مشكلات الصحية للأطفال :

جاء في زاد الخطباء : شعور بالقلق والاضطراب، وقلة النوم خاصة الأطفال مما يؤثر على تحصيلهم الدراسي، وضياع مستقبلهم؛ لأنَّ إدمان السوشيال ميديا يؤثر على ذاكرة الطفل، وتصيبه بحالة من تشتت الانتباه، وفرط الحركة، والنسيان لكل ما يتعلمه بسهولة، ويصعب عليهم التحلي بالهدوء…. كما أن الأطفال يصبح لديهم حالة من الكسل غير قابلين للحركة مما يؤثر بشكل مباشر على صحتهم ولياقتهم حيث يصابون بزيادة الوزن والبدانة بل قد تتسبب الجلوس الدائم في تلف خلايا المخ، وتحدث توترات عصبية بالإفراز المفرط والمتزايد لهرمون الكورتيزول “هرمون الإجهاد والتعب”، وهرمون الأدرينالين، والنورادرينالين، فيولد ذلك سرعة الغضب حتى إن بعض العلماء أطلق عليه اسم “الهوس النفسي”، كما قد يؤدي إلى ما يسمى “الإصابة بالتعب المتكرر”؛ إذ الأطفال الذين يستخدمون لوحة المفاتيح الملحقة بالجهاز، يقومون بالضرب على لوحة المفاتيح بمعدل قد يصل إلى [٣١٢٠٠] ضربة في الساعة يعدون حوالي ١٣ % من إجمالي نسبة المصابين بالتعب المتكرر. [الإدمان على الانترنت: اضطراب العصر، حمودة سليمة، ص ٢٢١].

عندما يدمن الأطفال استعمال السوشيال ميديا غالبًا ما يقارنوا حياتهم الشخصية بالآخرين مما يتسبب في فقدانهم لثقتهم بأنفسهم، والشعور بالمزيد من البؤس وعدم الرضا والقناعة بما هم عليه مما يؤثر بشكل مباشر على موقفهم تجاه حياتهم، وقد يضطروا للسخط على وضعهم المادي أو التعليمي أو الوظيفي … إلخ.

قصص من سوء الاستغلال  لمواقع الفيس :

وكم من قصص ومآسي وعلاقات وصداقات سيئة كانت بدايتها ونقطة انطلاقتها تعارف عبر الفيس بوك، أو التويتر، أو الواتساب، أو غيرها، وكثير من هذه العلاقات تتحول في النهاية إلى تعاسة وجحيم وشقاء، واليك بعض النماذج :

النصب والاحتيال :

هذه فتاة تتواصل مع  شاب مجهول، بدأت تتعرف عليه وتثق فيه، وهو يعطيها من كلامه المعسول ووعوده الكاذبة، وعندما طلب منها الحرام أبت ورفضت إلا عبر الطريقة الشرعية بالزواج بها. تعذر الوغد لها بأنه لا يملك تكاليف الزواج، وليس عنده المصاريف اللازمة لزواجه بها، فوعدته المسكينة بأن تذلل له الصعاب وتيسر له الأسباب، وكانت تعمل موظفة في أحد الدوائر الحكومية وعندها رصيد مالي هائل.

وعدته بأنها ستعطيه القسط الأكبر من التكاليف، ومن شدة ثقتها وفرط تعلقها، إن لم نقل سذاجتها وحماقتها، أعطته مبلغاً مالياً هائلاً على أن يجهز نفسه به، ثم يأتي إلى بيت أهلها ليتقدم لها, استلم الغادر المبلغ، وبعدها تتفاجأ الفتاة المسكينة بإغلاقه لكل قنوات الاتصال التي كان يتواصل معها عبرها.

التحرش :

وأخرى وقعت في فخ أعظم من هذا، فإذا كانت مصيبة هذه في مالها، فإن مصيبة تلك في حالها, إنها فتاة عانس، أقامت علاقة عبر الفيس بوك والواتساب مع شاب يقاربها في العمر، إن كان صادقاً في معلوماته التي أدلى بها لها، وبعد فترات من العلاقة والتواصل طلب الزواج بها شريطة أن يراها، فقامت المسكينة فأرسلت له صورة لها وهي بلثامها وبرقعها، فتشنج الكلب وغضب عليها، وتحت ضغطه وتهديداته بقطع العلاقة معها أرسلت له صورة لها وهي سافرة الوجه.

وتتفاجأ الضحية بعدها بإرساله لرابط لصفحة على الفيس بوك باسمها الصريح، وفيه صورتها وهي باللثام، وكتب على الصفحة تهديد مباشر لها بأنها إن لم تفعل له وتفعل فإنه سيقوم بنشر الصورة الثانية لها، وسيعمل للصورة إشارة لتصل إلى جميع أهلها وأقربائها.

وقعت الفتاة في الحيرة، ودخلها الهم والغم الشديد، وأخذت تنوح وتبكي عند من تثق فيهم وتعرفهم من المخلصين، وتسألهم بالله العظيم أن يخلصوها من هذه المحنة وينقذوها من هذه الأزمة، قبل أن ينفذ هذا الشيطان تهديداته فتفضح، ويقوم أهلها بالتصرف القوي معها.

مكالمات فيديو بين زوجين :

مغترب يمني لم يمضِ على زواجه سوى ستة أشهر، طلب من زوجته أن تتحدث معه عبر مكالمة فيديو في وضع خاص، وسجل الفيديو دون علمها، ولم يكن يعلم أن هاتفه سيقع في يد صديقه، الذي سرق الفيديوهات ونشرها على تيك توك للضغط عليه لسداد دينه.. رغم تسديده الدين، إلا أن الضرر كان قد وقع، وانتهى زواجه بسبب انتشار هذه المقاطع.

الابتزاز عبر الاختراق :

امرأة كبيرة في السن، لا ذنب لها سوى أن هاتفها تعرض للاختراق بعد فتحها رابطًا مجهولًا. وجد المخترق صور بناتها في الأعراس والمناسبات، واستغل ذلك ليبتزها ماليًا. استمرت في دفع الأموال خوفًا من الفضيحة، حتى استنزفها تمامًا.

كيف نحمي أنفسنا؟

لا تحتفظوا بصوركم الخاصة أو صور عائلاتكم في الهواتف

إذا تعطل الهاتف، لا تأخذوه للإصلاح، بل أكسروه بأنفسكم

لا تضغطوا على الروابط المجهولة، فقد تكون وسيلة لاختراق أجهزتكم

في حال التعرض للابتزاز، لا تخضعوا للمجرم، بل أبلغوا الجهات المختصة فورًا.

الواجب علينا تجاه نعمة اليوم :

 مراقبة الله تعالى :

يا عباد الله، يا أصحاب الجوَّالات، راقبوا الله تعالى القائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والقائل: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العلق: 14]، والقائل: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4] والقائل: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46].

يا أصحاب هذه النعمة، لا تجعلوا الله أهون الناظرين إليكم، وتذكروا قول الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، واسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “استحيوا من الله حق الحياء”.

قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله..قال: “ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء”؛ رواه الترمذي.

تحري الحلال وتذكر سؤال يوم القيامة :

على المرء كذلك أن يتذكر مسؤوليته عما تجترحه جوارحه من أفعال وأقوال، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 24، 25].

فليحذر كل من يتصدر على مواقع التواصل الاجتماعي من التكسب من وراء البرامج والمقاطع التي تستهدف أعراض الناس، فإن من يفعل ذلك يأكل حراما، ولا تغرنه الشهرة وكثرة المتابعات والمشاهدات، فهو أمر -لو علمه- عظيم!

وقال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8].. وعَنْ وَقَّاصِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ رضي الله عنه، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ كُسِيَ ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ». [رواه أبو داود].

عدم التصديق المطلق لأخبار التواصل :

فهذا منذر شرٍّ على المجتمع عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: “سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكَلَّم في أمر العامة”.

قَالَ تَعَالَى :  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ – [الحجرات:6]،  نرى من ينشرُ الأفكار الهدامة والمنحرفة بين فئات الشباب المختلفة، عن طريق النشرات، والمقاطع الصوتية والمرئية الحماسية التي تدعوا إلى تقليدهم، والسيرِ خلفهم، والاستجابةِ لأفكارهم الضالة، وما وقع في زماننا هذا من نشرٍ للفكر الضال ووقوعِ اعتداءات على الحرمات والأنفس إلا بسبب التأثر بتلك الأفكار الخطيرة، التي تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح، بل من ورائها شر عظيم يراد بهذا البلد ودينه وأهله وقيادته.

 الوعي وإدراك مخاطر إدمان السوشيال ميديا، والضبط الذاتي:

 كلما زاد وعي الآباء، زادت قدرتهم على الصمود، والتصدي للمخاطر الفكرية، والنفسية؛ لأن السوشيال ميديا ليست عدواً، وإنما هي “سلاح ذو حدين”، ينبغي استخدامها فيما ينفع، وإلا سيضيع أطفالنا في غيبابات المتاهات، ويصبحون عبيداً لها، تتحكم فيهم بدل أن يتحكمون فيها.

كن إيجابياً، كن جميلاً ترى الوجود جميلاً:

استخدم السوشيال ميديا للخير والعلم، وللتواصل البنّاء، ولتقوية القيم والـهُويَّة الدينية والوطنية والأخلاقية، وابتعد عن: تضييع الوقت، والعَلاقات المحرمة، ومتابعة التافهين ومروّجي الفساد. واجعل السوشيال ميديا وسيلةً لا غايةً، واجعلها تُقرّبك من الله لا أن تُبعدك عنه.

 قيام الاسرة والدولة بمسئوليتها :

إخوة الإيمان، إن على الآباء والأمهات مسؤولية عظيمة في مراقبة الأبناء والبنات “فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته”، فإنكم ستسألون أمام الله عن رعيتكم، ومن الأمور التي تعين على مواجهة هذا الطوفان التقني الذي فتح أبواب الشر على مصراعيها تعزيز الرقابة الذاتية عند أبنائنا وبناتنا، وهي شعور داخلي، وقوة ضابطة، نابعة من إيمانه بمراقبة الله تعالى، واطِّلاعه على أعماله، تدعوه إلى الحرص على فعل الطاعات طلبًا لمرضاة الله وثوابه، والبُعْد عن المعاصي خوفًا من عقابه.

واعْلَموُا أَيُّها المؤْمِنونَ إنَّ اللهَ يَزَعُ بِالسُّلْطانِ ما لاَ يَزَعُ بِالقُرآنِ فَثَمَّةَ نِظامٌ قَدْ وُضِعَ مِنْ جِهاتٍ مخُتْصَّةِ لِرَصْدِ المخالفاتِ وَالمعاقَبَةِ عَلَيْها وَهُوَ نِظامُ الجَرائِمِ المعْلوُماتِيَّةْ فَمَنْ لمَ ْيَخْشَ اللهَ –عَزَّ وَجَلَّ- فَلْيَكُنْ عَلَىَ حَذَرِ أَنْ يَنالَهُ شَيْءٌ مِنَ العُقوباتِ الَّتي تُرَتِّبُها الأَنْظِمَةُ إِلَّا أَنَّ الأَساسَ وَالأَصْلَ أَنْ يَخْشَىَ العَبْدُ اللهَ –عَزَّ وَجَلَّ- في السِّرِّ وَالعَلَنِ هَذا أَعْظَمُ ما يَقِيِ الإنسانَ الشُّروُرَ، وَأَعْظَمُ ما يُوُقِعُهُ في مَواطِنِ الهُدَىَ وَيَسوُقُهُ إِلَىَ البِرِّ أَنْ يَكوُنَ عَلَىَ رِقابَةٍ مِنَ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ- .

الدعاء :

الَّلهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ انْصُرْنا عَلَىَ مَنْ بَغَىَ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنا الصَّالحِاتُ وَقِنا شَرَّ المنْكَراتِ وارْزُقْنا حُبَّ المساكينِ، نَسْألُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنا إِلَىَ حُبِّكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا وَلِإخْوانِنا الَّذينَ سَبقوُنا بالإيمانِ وَلا تَجْعَل في قُلوُبِنا غِلاًّ للذينَ آمنوُا رَبَّنا إِنَّك رؤوُفٌ رَحيمٌ، الَّلهُمَّ صَلَّ عَلَىَ محُمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمِّدٍ كما صَلَّيْتَ عَلَىَ إبراهيمَ وَعَلَىَ آلِ إبراهيمَ إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ.