حُسنُ السيرة أم حُسنُ الصورة؟

بقلم أ . د / عبدالغنى الغريب
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر

 

هل الإنسان بسيرته أم بصورته؟
مما لا شك فيه أن حُسن الصورة وإن كان أمرا مرغوبا فيه، إلا أن حُسن السيرة أفضل من وجوه:

الأول: أن حُسن الصورة من مطالب الشهوة،وحُسن السيرة من مطالب العقل، ولا شك أن الحكمة أفضل من الشهوة، فكان حُسن السيرة أفضل لا محالة من حُسن الصورة.

الثاني: يوسف عليه السلام اجتمع له حسن الصورة وحسن السيرة، لكنه بسبب حُسن الصورة وقع في أنواع من الابتلاءات،منها:

 ١ – أن أباه كان يحبه أكثر من إخوته ،كما قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾يوسف: ٨.

 ٢ – أنه وقع بسبب الحُسن: فى الرق،كما قال تعالى: ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ يوسف ٢٠.

 ٣ – أنه وقع بسبب الحُسن: فى الهم الشديد ، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾سورة يوسف: ٢٤.

 ٤ – أنه وقع بسبب الحُسن: خوف من زوج تلك المرأة، كما قال تعالى:(وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾يوسف: ٢٥.

٥ -أنه وقع بسبب الحُسن: دخول السجن ، بل بقى فيه مدة طويلة. ( فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾سورة يوسف: ٤٢.

 أما ترجيح حُسن السيرة فمن وجوه:

 ١ – أنهم لما وجدوه متسما بالعلم والمعرفة، خاطبوه بخطاب التعظيم طالبين منه تفسير الرؤيا.( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) يوسف:٤٦.

 ٢ – إن المَلكَ حين رآه ذا فهمِِ وعلم أخرجه من السجن .( وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦٓ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) يوسف ٥٤.

 ٣ – أنه زالت عنه تهمة الفاحشة ببركة العلم.(قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾يوسف: ٥١.

 ٤ -ببركة العلم اصطفاه المَلِك.﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾يوسف: ٥٤

 ٥ – وببركة العلم أثنى عليه المَلِك. ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾. يوسف ٥٤.

 ٦ – ثم إن يوسف عليه السلام توسل إلى الملك بحُسن سيرته لا بحسن صورته.{ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } يوسف ٥٥.

# فثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك أن حُسن السيرة أفضل من حسن الصورة.

 ٧ – إن النسوة لما رأين يوسف عليه السلام ﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ يوسف: ٥١.

وذلك التشبيه في حسن السيرة لا فى حسن الصورة، لأنه عليه السلام دخل مُطرقا رأسه ، أى كانت رأسَه إلى صدره ،أو أرخَى عَيْنَيْه إلى الأرض وأمسك عن الكلام ،ولم ينظر إلى واحدة منهن، مع أنه كان في أول زمان شبابه.

 ٨ – إن حسن الصورة من مفاخر النساء ، وحسن السيرة من مفاخر الرجال.

 ٩ –  إن حُسن الصورة لا يبقى إلا أياما قلائل ، أما حسن السيرة فإنه لا يزول أثره ولا يبطل نتيجته.

#فدل هذا علىى أن حُسن السِّيرة أفضل من حُسن الصورة.

# وخير من تمثل حُسن الصورة والسِّيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم، لِما اتصف به من صفات الكمال البشري، حين أثنى الله تعالى عليه في القرآن الكريم فقال عن حسن سيرته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم:٤

وقال عن دعوته: (“وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). الشورى ٥٢.

وقال أيضا: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
[ آل عمران: ١٥٩]
# وكما أثنى القرآن الكريم عليه فى سيرته، فقد جاءت السنة النبوية الشريفة لتثنى عليه في صورته،ففي حديث أنس رضي الله عنه عن جمال صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:ما مسستُ بيدي ديباجًا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألْينَ مِن كفِّ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، ولا شممتُ رائحةً قطُّ أطيبَ من ريحِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، ولقد خدمتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عشرَ سنينَ فواللَّه ما قالَ لي : أُفٍّ قطُّ ، ولا قالَ لشيءٍ فعلتُهُ : لمَ فعلتَ كَذا ولا لشيءٍ لم أفعلْهُ ألا فعلتَ كَذا.. البخارى ومسلم.

#اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

# رزقكم الله تعالى حسن الصورة وحسن السيرة… اللهم آمين يارب العالمين