لعبة إبليس ( العالم يتغير)

بقلم الأستاذ : أحمد المهيدى

 

الحكايات لا يرويها إلا الحكماء ، والحكماء لا يستمع إليهم إلا العقلاء ، ولم يعد فى هذا الزمان عقول تفطن ، أو أذان تسمع ، أو قلوب ترق الا القليل ، فقد تغير العالم ياصديقي ولم يعد كما كان .

اذا كنت واحداً من أولئك الذين يقدرون الحكايات ستشعر بهذا فى كل شئ ، ستشعر بالعبث فى كل مقومات الحياة ، لم يعد الهواء الذى نتنفسه نقيا فقد أثقلته ظلمة تضيق بها الصدور ، ولم تعد المياه العذبة تروى عطش الظمأ بل تترك فى الحناجر غصة تكاد تقتلع الارواح ، لم تعد السماء صافية والنجوم لامعة ولم تعد الأشجار خضراء يانعة فقد أسقط أوراقها الخريف ، ترى من سلب الطبيعة جمالها وسرق منها براءتها ؟

اما عن الإنسان المستخلف فى الأرض ، فقد نسي سر خلافته ونسى الأمانة التى حملها ، خلق ليعمر فخرب ، خلق ليزرع فأصبح يقتلع ، لم تعد البشرية كما كانت فقد سلب منها النقاء والفطرة ، لم تعد ياعزيزى فى ذلك الزمان الذى تجد فيه الإنسان القويم الذى لم تتبدل فطرته ، فقد خارت قوى البشر أمام هذا الشر ولم يعد إيمانهم يحملهم لمجابهة هذه الظلمات،

فمرحباً بك ياعزيزى فى  زمان  يخون فيه الخليل خليله ، مرحباً بك فى زمان  يأكل فيه الأب لحم أبناءه والأم التى تذهل عما أرضعت ، مرحباً بك في زمن الإبن الذى يفتك بوالديه مرحباً بك فى أصعب حقبة مرت على تاريخ البشرية ، فإفتح عينيك ياصديقي ولا تتعجب مما تراه فهنا على هذه الأرض قد نصب مسرحاً كبير تجرى فيه عروضاً تخجل منها الحيوانات المفترسة ، فلم تعد الضباع هى الأكثر خيانة ، ولم تعد الثعالب هى الأكثر مكرا بل نسل آدم هو من تجمل بهذه الصفات .
هل تغير العالم فجأة وتبدل بصنع البشر أم أن هناك من يحرك محور الشر ؟

خيوط الشر قد نسجها عزازيل منذ أن صار لوسيفر :
يا صديقي، ما نراه اليوم لم يكن وليد الأمس، بل هو خيط من نسج قديم، حاكه عزازيل يوم أن تمرد على خالقه، ومنذ أن سقط لوسيفر من مقام الطاعة إلى دركات الغواية، فبدأت لعبته بهمسة ساحرة فى الجنة لكلا الزوجين اللذين يتوقا إلى الخلود، ومنذ هذه اللحظة قد علم نقاط ضعف هذ المخلوق الذي يسمى بالإنسان وأخذ على عاتقه تدميره وإرساله إلى قعر الجحيم .

وعود إبليس :
لم يكن إبليس رحيماً بآدم الذى فضل عليه بل توعده وذريته أشد الوعيد ولكنه لم يكن ماكرا أو متلوعا بل أعلنها صراحتا أن آدم وذريته هم مهمته إلى قيام الساعة ولكن البشر هم من نسوا هذا فقد ذكر المولى سبحانه وتعالى ذلك فى القرآن الكريم: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ }

الوعود التى أطلقت منذ قديم الأزل لا تزال باقية والشر الذى ظهر من إبليس لا يزال فى عنفوانه ولم يهدأ يوماً :
{فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ • ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}
وقال أيضًا: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ • إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }
{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}

مسرح الأوهام :
إن حبائل الشيطان يا صديقي ليست سوى مسرحٍ كبير، نصبت عليه ستائر باهرة تخفي وراءها عالَمًا مظلمًا الممثلون بشرٌ، لكن أدوارهم أُلبِسَت لهم بأيدي خفية إنه مسرحٌ تُعزَف فيه ألحان إبليس، ويُدار فيه العرض بمهارة، حتى إذا ضحك الناس أو بكوا، كانوا في الحقيقة يسيرون إلى الهاوية وهم يصفقون. ومن لم يفق من غفلته، ظل أسيرًا في مقاعد المتفرجين، يظن أنه يشاهد بينما هو نفسه جزء من المشهد.

السيدات والسادة إن لعبة إبليس وجنوده لم تكن يوماً مجرد وساوس يهمس بها فى الآذان يأخذ بها من يأخذ ويدع من يدع فلم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل أصبحت مصفوفة متكاملة الأركان خطة ممنهجة للتلاعب بالعقول والألباب ، مخططات خبيثة تحالفت عليها قوى الشر من الشيطان وأعوانه من البشر لغسل أدمغة وعقول البشرية للسيطرة عليها ولأقتيادها على مسرح الأوهام والتلاعب بها كعرائس المسرح .

الموتى لا يسمعون الحكايات :
الحكايات يا صديقي لا تنفع إلا من كانت له أذن تصغي وقلب يعي، أما من مات قلبه، فلن تُحييه الكلمات، ولن تُخرجه من ظلمات غفلته لقد صار بيننا أحياء يسيرون على الأرض، لكنهم موتى في البصيرة، تراهم يضحكون ويبكون، يبيعون ويشترون، لكنهم لا يسمعون الحكايات، ولا يدركون العِبرأولئك الذين استسلموا للزيف، وانخدعوا بألاعيب إبليس، قد انقطعت صلتهم بالحكمة، فلا حديث يوقظهم، ولا موعظة تنفعهم ،وكيف يسمع الميت حكاية، وهو لا يسمع إلا صدى أهوائه، ولا يرى إلا دخان سرابه؟

أما من تمسّك بنور ربه، فلن تغره الأضواء الزائفة، ولن يسحره بريق الستائر ،هو يعرف أن الدنيا كلها مسرح عابر، وأن الأدوار كلها تنتهي عند سقوط الستار الأخير ،يمشي بين الناس بنور من الله، يرى الحقائق على ما هي عليه، فلا يبيع دينه بعَرَض زائل، ولا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ،ذلك هو الغريب في هذا الزمان، الذي لا يضحك حيث يضحكون، ولا يصفق حيث يصفقون، لأنه يرى ما لا يرون، ويسمع ما لا يسمعون ، هو الناجي الوحيد من مسرح الأوهام، لأنه أدرك أن الحياة ليست عرضًا للزينة، بل امتحانًا للقلوب.

الحكايات تروى والمستمعون لا يملوا واللعبة لا تنتهي وللحديث بقية إن شاء الله