سلسلة : مقالات في الفقه الإسلامي المعاصر بقلم الأستاذ : مهدى صالحى
إن المقاصد هي الآلية التي يستخدمها الفكر الإسلامي المعاصر لتكييف الموروث الفقهي والحضاري القديم مع سياقات العصر الحديث حتى يدرك المسلم اليوم المنهج الرشيد الذي يتطابق مع روح النصوص التأسيسية رغم الخلافات المذمومة التي شكّلت أزمة داخل المنظومة الفكرية الإسلامية إلى حد تحول الخلاف إلى تطاحن فكري ونزعات إقصائية تحت شعار الانضباط لمتطلبات السُنّة بلاتحريف ولاابتداع لاسيما التنافر بين التصوف والسلفية، فإذا كان المدلول الجوهري للسلفية هو الاقتداء بنهج السلف “الصحابة، التابعين” في تدبر النصوص الدينية وتنزيلها فإن التصوف بمختلف طرائقه هو امتداد عملي لممارسات هؤلاء السلف ،وبهذا المعنى فكلّ متصوف هو سلفي لأن سلوكيات السلف لاتخلو من مقاصد التصوف كالتخلّق بأخلاق الله وتنقية الضمير من كل الشوائب وهذا صنيع السلف الذين استوعبوا البعد المقاصدي من كلّ عمل سُنّي لإدراكهم أن السنة النبوية هي تمثّل لقيم القرآن الجمالية ،ولذلك فإن هذه القيم هي مقاصد الشريعة والعقيدة معا حيث تعتبر جوهر الممارسة الصوفية التي لاينكرها سلفي .
وعلى هذا الأساس فإن التقليص من دائرة الصراع الفكري بين مختلف الاتجاهات الإسلامية في العصر الراهن من المقاصد القطعية ذلك أن فقه المقاصد هو وعاء يكشف عن رحابة الفكر الإسلامي لقدرته على الجمع والترجيح بين الرؤى المتباينة ومن ضمنها الخلاف بين الصوفية والسلفية، وتظل الحاجة ماسة إلى المقاصد لأنها منهج توفيقي يحرر الاتجاهات الإسلامية من ضيق الأفق بإضفاء رؤى حضارية تدعو إلى ضرورة الانفتاح المذهبي لابغرض الوقوف على النقائص وإنما للوصول إلى مقاربة ترمي إلى تصحيح التصورات السطحية التي يحملها العقل السلفي عن المتصوفة وعن حقيقة التصوف الذي هو روح السُنّة ،مثلما يتحتّم على العقل الصوفي سبر أغوار المناهج السلفية في تفاعلها مع النصوص ليحصل ذلك القاسم المشترك بين التجارب الصوفية وبين الرؤية السلفية الداعية إلى عدم مخالفة تعاليم السنّة رغم التعاطي الظاهري معها وإهمال المقاصد ممّا أوْقعها في الغلوّ والتبديع والتكفير الذي يتنافى مع الفهم المقاصدي للسنة .
ومن هنا تتبين المفارقة بين القراءة الظاهرية الحرفية وبين القراءة المقاصدية فكلاهما -أي الصوفية والسلفية-يلامس السنّة لكنّ مكمن الاختلاف في طبيعة المصطلحات الشائعة ولامثشاحة فيها ذلك لأن النبي ﷺ لما قال: “لنصلينّ العصر إلافي بني قريضة ” ففريق من الصحابة وقف على ظاهر الحديث ولم يعنّفه النبي ﷺ ،وفريق تأوّله وتأمل مقاصده ولم يعنّفه ﷺ .قال السهراوردي:من تصوف ولم يتفقّه فقد تزندق ومن تفقّه ولم يتصوف فقد تفسّق” إذ أن التفقه في مقاصد النص التأسيسي يبين أن الاختلاف حقيقة فطرية والشريعة نظام رحب