الخلق الحسن هو خلاصة الشرائع الإلهية

بقلم الدكتور : نعيم شرف العميد السابق لكلية الدراسات الاسلامية والعربية جامعة الازهر الشريف

إن غاية الدِّين وهدفه ومقصده حُسْنُ الخُلُقِ، قال الله تعالى واصفا نبيه الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن جَمال الروح لا يطيب إلا بفضائل الخِلالِ والسِّمات؛ إذ لا يغني حُسْنُ الوَجْه عن سُمُو الأخلاق، وطِيب القلب، وسِعة الصدر، وصفاء النفس، وبذل المعروف، وكَفِّ الأذى عن الناس..

ولقد تجلت رحمة الله تعالى للأنام باستعلاء شمس نبوة خاتم الأنبياء، سيدي رسول الله النبي العدنان، عطر الحياة، وأطيب الشيم والأخلاق، الشفيع، الحبيب، سراج الروح والفؤاد، شمس الهدى، وهبة السماء..

صلـوا عليه كـمـا يصلي ربـنــا

إن الصلاة على الحبيب دواء

وتجتمع أصول الأخلاق والأدب في أربعة: ضبط النفس، وضبط اللسان، وترك الفضول، وسلامة القلب، ثم يتفرع عن هذه الأصول جميع مكارم الأخلاق، كالصبر، والعدل، والعفة، والحياء، والصدق، والكرم، والرفق، والرحمة، والوفاء، والأمانة، والتواضع، والتعاون، والمروءة، والإيثار، والوقار، والشجاعة، والرضا، والقناعة.. إلى غير ذلك من محاسن الأخلاق.

فالتدين الحقيقي هو أن يرى الناس الدين فيك على هيئة محامد الأخلاق، ومحاسن الآداب، وطلاقة الوجه، والسعي بالخير بين الناس، وكف الأذى عنهم؛ فالعبرة ليست بما وصلت إليه في الدين، إنما بما وصل الدين إليه فيك، وتبارك الذي خلق المودة في القلوب، ويسَّر لها بالتواصل كل الدروب.

واعلم أيها القارئ أن من فاقَكَ في حُسْنِ الخُلُقِ، فلقد فاقك في دينك، والخير كل الخير في مرضاة اللّه تعالى، وعلامة رضاه سبحانه وتعالى أن يجعل العبد مفتاحا للخير في نطقه وفعله، وفي حثه للغير على فعل الخيرات، والدال على الخير كفاعله..

والويل كل الويل لمانع الخير، قال الله تعالى: {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ من النَّاسِ مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشَّرِّ، وإنَّ من النَّاسِ مفاتيحَ للشَّرِّ، مغاليقَ للخيرِ، فطُوبَى لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الخيرِ على يدَيْه، وويلٌ لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الشَّرِّ على يدَيْهِ) صدق الله العظيم ونبيه الكريم.

وإن صلاح الإنسان لا يُقاس أبدا بطول الصلاة، وكثرة الصيام، وأداء الحج والعمرة، وارتداء العمامة، وقصر البنطال، وطول اللحية، وإنما يوزن صلاح الإنسان، وورعه، وتقواه في الظاهر والباطن بكيفية التعامل مع خلق الله تعالى؛ فالدين المعاملة، وإن رب العزة جلَّ في عُلاه ( لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ).

والله سبحانه وتعالى إذا شرح صدر العبد كفاه العوائق الداخلية، وإن سلامة الصدر هي الطريق الأسرع إلى أعلى الجنان، فالقلب السليم الخالي من الغش، ومن الآفات هو في نعيمٍ من نعيمِ الجنة؛ لأن من حَسُنَتْ سريرته، وصَفا قلبه، وخَلا من الغِلِّ والحقد والحسد، فقد رزقه الله تعالى نعيما من نعيمِ الجنة، ولم يجعل له حاجة إلى لئيمٍ قَتورٍ مُمْسِكٍ؛ قال ربنا جلَّ في عُلاه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} صدق الله العظيم.

ولقد وصف الله تعالى علاج ضيق الصدر فى كتابه الكريم بالتسبيح، والسجود، والعبادة، قال جَلَّ في عُلاه: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } صدق الله العظيم.

أما إذا يسَّر الله أمر عبده، فقد كفاه العوائق الخارجية؛ لأنه جَلَّ في عُلاه العزيز، الجواد، الكريم، العظيم، الذي يبسط سلطانه على جميع مُلكه، وهو الذي ووسعَت رحمتُه جميع خلقه؛ لذا أكثروا من الدعاء، بقوله جَلَّ وعلا: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} صدق الله العظيم.

واعلموا أن النفوس إذا كانت كبارا، وتمتعت بأحسن الأخلاق تعِبتْ في مُرادِها الأجسامُ، فمن خَلُصت نفسه، وتَوَقَّدتْ بَصيرَتُهُ، وفطن عَقْلُهُ، وبرعت نباهته، وعلت حصافته ورزانته، دانت له الدنيا وأُزْلِفَت، لكنها مهما دانت واتسعت، فإن ثمنها قليل، وما عند الله جَلَّ وعَلا خير وأبقى.

فالإنسان لا تقاس قيمته إلا بالقدر الذي يتحرك فيه نحو قِيَمِ الحق، والخير، والجمال، والرفق، والعطف، والحنان، والتعاون، والإحسان، والمشاعر الإنسانية النبيلة، فكونوا رائعين في حياتكم، باشِّين في سَحْنَتِكم، وابذلوا تلك القِيَم ما استطعتم؛ فالحياة مواقف، ولا تظهر معادن الناس إلا في الظروف القاسية، ومواقف الشدة؛ لذا يجب أن يكون اختيار الشركاء والأصدقاء مبنيا على أسس ومبادئ، وليس على عاطفة خاطفة، فكم من شدة وخطوب عظام عرضت، ثم خففت، بل انجلت بفضل الصادقين في العهد والوعد، وكم من مرة انفطر القلب، وانكشف لؤم الطباع، وزيف الأخلاق، “ولا خير في امرئٍ متملقٍ حلوِ اللسان وقلبهُ يَتَلهَّبُ، يلقاكَ يحلفُ أنه بك واثقٌ، وإِذا توارى عنك فهو العَقْرَبُ”.

فاحرصوا على حفظ القلوب من الأذى؛ لأن المرء يَسْلَمُ باللسـان ويَعطَبُ، وتَصَدَّقوا؛ فالصدقة تطهير للمعاصي، وتزكية للنفس، ومغفرة للذنوب، ونضرة للوجه، وأمان من الخوف، وزيادة في العمر، وتمنع ميتة السوء، والله تعالى من وراء القصد والنية.