خطبة بعنوان (إدمان السوشيال ميديا) للدكتور : أيمن حمدى الحداد


خطبة بعنوان (إدمان السوشيال ميديا)
للدكتور : أيمن حمدى الحداد

الحمد لله رب العالمين أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون:
لقد أصبحتّ ظاهرة إدمان السوشيال ميديا من أخطر التحديات التي تؤثر على الصّحة النفسيّة، والأخلاقيّة للمجتمع؛ إذ أصبح إدمان هذه الوسائلُ يدمر الشباب والمراهقين فيؤثّر على تركيزهم، ويؤثر على علاقاتهم الاجتماعية، ويؤثر على أداءهم الدراسي والمهني، والإنسان فى هذه الحياة لم يُخلق عبثاً ولم يترك هملاً؛ قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾(المؤمنون: ١١٥)، وعن أبى ذر الغفارى رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «واللهِ لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا وما تلذَّذتم بالنساءِ على الفُرُشِ ولخرجتم إلى الصُّعداتِ تجأرونَ إلى اللهِ لوددتُ أني كنتُ شجرةً تُعْضَدُ» رواه الترمذي وابن ماجه.

وقيل لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق لِمَ حجبت القلوب عن الله؟ قال: «لأنها أحبت ما أبغض الله. أحبت الدنيا ومالت إلى دار الغرور واللهو واللعب وتركت العمل لدار فيها حياة الأبد في نعيم لا يزول ولا ينفذ خالداً مخلداً في ملك سرمد لا نفاد له ولا انقطاع» الزهد والرقائق للبغدادى.

– ولقد أكدت الدراسات والبحوث على أن إدمان الانترنت أصبح واقعاً وحمى مريضية خطيرة فالاستعمال المفرط والمبالغ فيه للإنترنت إنما هو نمط من الإدمان الحقيقي الذي تتكافئ خصائصه وعلاماته الإكلينيكية، وآثاره الفسيولوجية والنفسية مع حالات الإدمان التي تسببها المواد الإدمانية المتعارف عليها كالمخدرات والكحوليات!!

ولا سبيل إلى التخلص من إدمان السوشيال ميديا وغيرها من العادات الضارة إلا من خلال الفهم الصحيح العميق لتعاليم ديننا الحنيف من ذلك؛

♦أولاً: غاية الوجود؛ لقد خلق الله عز وجل الإنسان لإعمار الكون بالعمل الصالح النافع وجعله خليفة فى الأرض؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(البقرة: ٣٠)، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات: ٥٦)، فالعبودية لله رب العالمين هي غاية الوجود فى هذه الحياة، وبهذه العبادة أرسل جميع الرسل؛ كما قال نوح عليه السلام لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأعراف: ٥٩)، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم – عليهم السلام – لأقوامهم.

ومن هنا كان لزاماً على المسلم أن يدرك حقيقة الغاية التى خُلق من أجلها فيُصحِّح تصوراته وتوجهاته، ويعلم أن الافراط فى استخدام السوشيال ميديا يتنافى مع غاية وجوده!!

– إن الإنسان هو محور العمارة الكونية في هذه الحياة فهو المخلوق المتميز الذي فضّله الله على كثير من خلقه، وكرّمه على سائر المخلوقات الأخرى وكلّف الملائكة بالسجود له متمثلاً في شخص أبيه آدم عليه الصلاة والسلام، وشرفه بالخلافة على هذه الأرض وسخر له الكون بكل ما فيه؛ قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الجاثية: ١٣)،
ومن هنا تظهر لنا الحكمة من رفع شأن الإنسان وجعله سيداً لهذا الكون وأنه لم يخلق عبثاً وإنما خلق لغاية وهدف؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(البقرة: ٢١)، وقال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾(طه: ١٣٢)،

– والعبادة هى وصية الله عز وجل لخير خلقه وهم الأنبياء والمرسلين؛ حيث جاء في القرآن الكريم قولُ عيسى عليه السلام: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾(مريم: ٣١)، ولقد أمر الله عز وجل سيدنا رسول الله ﷺ بالعبادة حتى نهاية العمر؛ قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾(الحجر: ٩٩)،أي: حتى يأتيك الموت.
قال ابن كثير: ويستدل من هذه الآية الكريمة على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبةٌ على الإنسان ما دام عقله ثابتًا، فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري عن عِمران بن حُصين رضي الله عنهما أنَّرسول الله ﷺ قال: «صَلِّ قائمًا؛ فإن لم تستطع فقاعدًا؛ فإن لم تستطع فعلى جَنْب»،

– وللعبادة لذة لا يعرفها إلا من ذاق؛
قال الحسن: «تفقدوا الحلاوة في ثلاث: في الصلاة، وفي القرآن، وفي الذكر، فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا، فإن لم تجدوها فاعلم أن بابك مغلق».
قال أبو سليمان الداراني: «ليس العجب ممن لم يجد لذة الطاعة، إنما العجب ممن وجد لذتها ثم تركها، كيف صبر عنها؟».

وقال أيضا: «لَأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا».

قال ابن المبارك: قيل لوهب: يجد طعم العبادة من يعصي؟ قال: ولا من يهمُّ بالمعصية.
قال بشر بن الحارث الحافي: لا يجد العبد حلاوة العبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطًا من حديد.

– المدوامة على العبادة نجاة من الغفلة؛ لقد ذمَّ الله عز وجل الغفلة وأهلَها، ونهى عن الاتِّصاف بها؛ قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾(الأعراف: ٢٠٥)، وعن عبدالله بن عمرٍو وأبي هريرة أنهما سَمعا رسول الله ﷺ يقول على أعواد مِنبَرِه: «لينتهيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجمُعات، أو ليَختمَنَّ الله على قلوبهم ولَيَكونُنَّ مِن الغافلين» رواه مسلم.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «من قام بعشر آيات لم يُكتَب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقَنطرين» رواه أبو داود.
فالمداومة على الطاعات وقايةٌ من الغفلة التي تَقود إلى الهلاك والخُسران، وما أخطر ما تجلبه السوشيال ميديا على مدمنها من غفلة وتضييع للواجبات.
وصدَق القائل؛

وما المرءُ إلاَّ حيثُ يَجعَلُ نفسَه
ففي صالحِ الأعمال نفسَك فاجعلِ

– العبادة سكينة للنفس؛ إن إدمان السوشيال ميديا يؤدى إلى الاضطرابات النفسية والعصبية، وفى العبادة سكينة وطمأنية؛ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾(الرعد: ٢٨)، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا حزَبه أمرٌ صلَّى» رواه أبو داود.

– إن استقرار غاية الوجود في نفس الإنسان يجعله دائب العمل الصالح حتى يتحقق له وعد ربه جل وعلا؛ قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(النور: ٥٥- ٥٦)،
♦ثانياً: مجاهدة النفس؛ إن التخلص من إدمان السوشيال ميديا يحتاج إلى جهاد كبير للنفس، ومجاهدة النفس تعنى استفراغ الطاقة والوسع في مخالفة هواها، أو هو تحميلها ما يثقل عليها، وبُعدها مما يخف عليها؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾(العنكبوت: ٦٩)، فمن أراد الهداية وسعى لها سعيها وجاهد فيها، فإن الله لا يحرمه منها، بل يعينه عليها؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾(محمد: ١٧)، وقال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾(الشمس: ٧-١٠)،

وعن فضأَلة بْن عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ» رواه أحمد وبن حبان وغيرهم.. ورواه الترمذي مختصراً، ولفظه: «المُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ».
قال ابن القيم: كَانَ جِهَادُ النَّفْسِ مُقَدَّماً عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ فِي الْخَارِجِ، وأصلاً لَهُ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُجَاهِدْ نَفْسَهُ أَوَّلًا، لِتَفْعَلَ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَتَتْرُكَ مَا نُهِيَتْ عَنْهُ، وَيُحَارِبهَا فِي اللَّهِ، لَمْ يُمْكِنْهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ فِي الْخَارِجِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ، وَالِانْتِصَافُ مِنْهُ، وَعَدُوُّهُ الَّذِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ قَاهِرٌ لَه، مُتَسَلِّطٌ عَلَيْهِ، زاد المعاد.

فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى الهوى﴾(النازعات: ٣٧-٤١)، ويظهر التغابن بين من جاهد نفسه اليوم ومن أهملها يوم القيامة؛ قال تعالى:
﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾(آل عمران: ٣٠)،

قال سُفْيان الثورى: ما عَالَجْتُ شيئًا أشد عليَّ من نفسي: مرة لى، ومرة علي، حلية الأولياء.

قال أبو اليزيد البسْطَامِيّ: عملتُ في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدتُ شيئاً أشد عليَّ من العلم ومتابعته، حلية الأولياء.

– يجب مجاهدة النفس على التعاطى إيجابياً مع السوشيال ميديا لأن النفس جبلت على الخير والشر؛ قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾(الشمس٧ : ١٠)، والنفس هى أعدى أعداء الإنسان لأنها بطبيعتها أمارة بالسوء، فإن لم يشغلها صاحبها بالحق شغلته بالباطل لذلك وجب على العبد مجاهدة نفسه.

– قال الحسن البصري في قوله تعالى: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾(القيامة: ٢)، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا تَرَاهُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ يَقُولُ: مَا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي، يَقُولُ: مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي، مَا أَرَدْتُ بِحَدِيثِ نَفْسِي، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا يُعَاتِبُهَا، الزهد، للإمام احمد.

– لقد كان عمر رضي الله عنه يُخَاطِب نفسه، ويَقْهَرها حتى لا تَجْمح به، فتُخْرِجه عن الجادَّة، لقد دخل حائطاً فخَاطِب نفسه، قائلاً : عمر بن الخطاب أمير المؤمنِينَ، بَخٍ بَخٍ، واللهِ يا ابن الخطاب لتَتَّقِيَنَّ الله، أو ليُعَذِّبَنَّك،، الموطأ.

– ولما تعرضت امرأة لشاب وأخبرته بشغفها به فلم يلتفت إليها وكتب واعظاً لها: اعلمي أيتها المرأة أن الله عزو جل إذا عصاه العبد حلم فاذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستره فاذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضيق منها السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا يطيق غضبه وإني مشغول عنك بقوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾( غافر: ١٨-١٩)،

وهذه رسالة إلى مدمنى المواقع الإباحية المحرمة وإلى الذين ينشرون الفواحش عبر السوشيال ميديا اتقوا الله واحذروا من سخطه جل وعلا.

– إن الإنسانَ قد يُجَاهِد غيره، لكنه يَنْسَى نفسه، ويظن أنها لا تحتاج إلى مجاهدة، وقد يرى أنه أحسن الناس حالاً، أو على الأقل ليس أَسْوَأَ الناسِ، وهذا يُقْعِدُه عن المجاهدة، فيسير في الرَّدى، ويُوشِك أن يهلك، ولقد أشار إلى هذا المعنى الإمام علي رضي الله عنه حين قال: أولُ ما تُنكِرُون من جِهادِكُم أنفُسُكم، جامع العلوم والحكم.
ولما سأل رَجُلٌ عبدَالله بن عمر رضي الله عنهما عن الجِهَاد قال: ابْدَأْ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغْزها، جامع العلوم والحكم.

– إياك إياك والتسويف؛ إن التسويف من أشر الأمراض التي تفتك بالقلب، وتعوق سير الإنسان إلى ربه ومولاه، لأنَّهُ إيحاءٌ مُضِلٌ مِنْ إيحاءاتِ الشيطانِ، وهو جند من جنود إبليس، لذلك كان لزاماً على كل مسلم أن يحذر التسويف وإليكم بعض أقوال الصالحين فى التحذير من خطورة التسويف من ذلك؛

– عبدالله بن مسعود رضى الله عنه كان يقول: «ما ندمت على شىء ندمى على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملي».

– وقال لقمان لابنه: يا بنى إنك استدبرت الدنيا من يوم نزلتها واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقترب منها أقرب إلى دار تتباعد عنها٠
يا من له في بطن الأرض حفرة
أتأنس بالدنيا وأنت غريب
وما الدهر إلا كر يوم وليلة
وما الموت إلا نازل وقريب

– وكان مالك بن دينار يقول لنفسه: ويحك، بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر. حتى كرر ذلك ستين مرة.
ولست بمدرك ما فات مني
بـ “سوف” ولا بـ “ليت” ولا “لو اني”

– لقد دخل إبراهيم بن أدهم على أخ له في الله يعوده في مرضه فجعل الرجل يتنفس ويتأسف؟ فقال: «ما تأسفي على البقاء في الدنيا ولكن تأسفي على ليلة نمتها ويوم أفطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله!!
فما أكثر الذين يسوفون حتى إذا تقطعت الآمال وانقضت الآجال ندموا!!
فاتقوا الله عباد الله: وجاهدوا أنفسكم على مرضاة ربكم جل وعلا وترك ما حرم تفوزوا برضوانه.

أقول قولي هذا واستغفر الله لى ولكم.
الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: لقد ارتبط إدمان السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية بالعديد من المشاكل الصحيَّة كالسمنة، والكسل، والاكتئاب، والقلق، والرهاب الاجتماعي، وآلام المفاصل.
♦ثالثاً: الإسلام أعلى من قيمة الوقت؛ إن الإنسان إذا أيقن بقيمة وقته ما أهدره على السوشيال ميديا فى متابعة مالا يفيد!!
– إن للزمن قيمة جليلة وفضل عظيم لذلك أقسم به الله عز وجل فى كتابه العزيز؛ قال تعالى: ﴿وَٱلۡفَجۡرِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَٱلضُّحَىٰ﴾، وقال تعالى: ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ﴾(الليل: ١-٢)، وقال تعالى: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ (العصر: ١-٣)،
– إن أعقل الناس من علم قيمة الوقت وأدرك خطورة فوات الزمن وأخذ من ذلك العبرة؛ قال تعالى: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾(النور: ٤٤)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾(يونس: ٦)، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾(الفرقان: ٦٢)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ» متّفق عليه.

– ولقد جعل الله عزّ وجل الصلوات الخمس تكتنف اليوم كله، حيث نزل جبريل عليه السلام فبين ذلك لسيدنا رسول الله ﷺ في نظام دقيق محكم رتب فيه حياة المسلم من مطلع الفجر إلى نهاية اليوم فجعل الحياة مملوءة بالذكر والعبادة؛ قال تعالى ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾(الروم: ١٧-١٨)،

– فيجب على العبد أن يعلم أن مدة حياته محدودة وأن أنفاسه معدودة فكل نفس يتنفسه الإنسان يدنيه من أجله فيتزود بالطاعة والعمل الصالح؛ فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك» رواه الحاكم.

– علو الهمة فى المحافظة على الأوقات؛ لقد فقه أسلافنا الكرام رضي الله عنهم حقيقة الأمر فعلت همهم في الحرص على الأوقات واستغلالها في عمل الصالحات عملاً بأمر الله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾(الشرح: ٧-٨)، ومن أمثلة ذلك؛

– قال العباس بن عبدالمطلب رضى الله عنه: «كنت جاراً لعمر بن الخطاب فما رأيت أحداً من الناس كان أفضل من عمر: إن ليله صلاة وإن نهاره صيام وفى حاجات الناس» حلية الأولياء للأصفهاني.

وروى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يصلى من الليل ما شاء الله حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة الصلاة ثم يتلو هذه الآية ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾، هذه عبادة الفاروق وانتفاعه رضى الله عنه بأوقاته.
فمن يجارى أبا حفص وسيرته
أو من يحاول للفاروق تشبيها

– وكان عثمان بن عفان رضى الله عنه: «يصوم النهار ويقوم الليل إلا من هجعة من أوله» الزهد لأحمد.
– ولله در أبا موسى الأشعري كان يزين أوقاته بتلاوة القرآن الكريم؛ لقد مر سيدنا رسول الله ﷺ ذات ليلة وأبو موسى يقرأ القرآن في بيته ومع النبي ﷺ عائشة رضى الله عنها – فقاما فاستمعا لقراءته ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقى أبو موسى النبي ﷺ فقال: «يا أبا موسى مررت بك البارحة ومعي عائشة وأنت تقرأ في بيتك فقمنا فاستمعنا لقراءتك»، فقال أبو موسى رضي الله عنه: «يا نبي الله أما إني لو علمت بمكانك لحبرت لك القرآن تحبيراً» حلية الأولياء.

– وعن أبى ذر رضى الله عنه أنه قال: «يا أيها الناس صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور وصوموا النهار لحر يوم النشور وتصدقوا مخافة يوم عسير يا أيها الناس إني لكم ناصح أمين إني عليكم شفيق» الزهد لأحمد.

– وكان أبو الدرداء رضى الله عنه يقول: «لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً الظمأ لله بالهواجر والسجود لله في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر».

– وسئل نافع: ما كان عبدالله بن عمر يفعل في منزله؟ قال: «الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهما».

وكان بن عمر رضى الله عنهما إذا فاتته صلاة الجماعة صام يوماً وأحيا ليله وأعتق رقبة.
– قال الحسن البصرى: «ما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم إني يوم جديد وعلى ما تعمل في شهيد وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك فقدم ما شئت تجده ببن يديك وأخر ما شئت فلن يعود إليك أبداً».
– وكتب أحد الصالحين إلى أخ له: «أعلم يا أخي أنه يخيل إليك أنك مقيم وأنت دائب السير تساق سوقاً حثيثاً والموت متوجه إليك والدنيا تطوى من ورائك وما مضى من عمرك فلن يرجع إليك».
– وقال مورق العجلى: «يا ابن آدم نودى كل يوم برزقك وأنت تحزن وينقص عمرك وأنت لا تحزن». وصدق القائل:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع

– وهذا داوود الطائي رضى الله عنه كان يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز فلما سئل ألا تشتهى الخبز؟! قال: «إن ما بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين أية» صفة الصفوة.
– وقال حماد بن سلمة: ما أتينا (سليمان التيمي) في ساعة إلا ووجدناه في طاعة إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاً أو عائداً مريضاً أو مشيعاً جنازة أو قاعداً في المسجد.
قال: فكنا نرى أنه لا يُحسن أن يعصى الله عزّ وجل.
– وهذا حماد بن سلمة ما رأى إلا مشغولاً بنفسه إما أن يحدث بحديث رسول الله ﷺ وإما أن يقرأ وإما أن يسبح وإما أن يصلى كان قد قسم النهار على هذه الأعمال.
– وكانت رابعة العدوية تملأ أوقاتها بالأعمال الصالحة وتقول: «يا ابن آدم إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل».
تؤمل في الدنيا طويلاً ولا تدرى
إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ
وكم من مريضٍ عاش حيناً من الدهر

– فينغى للعاقل أن يحرص على أن يكون وقته طاعة لله عز وجل؛ فعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال جاءَ أعرابيَّانِ إلى رسولِ اللهِ ﷺ فقال أحدُهما: «يا رسولَ اللهِ! أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال: طُوبَى لمن طالَ عُمُرُه، وحَسُنَ عملُه، وقال الآخرُ: أيُّ العملِ خيرٌ؟ قال: أن تُفارِقَ الدنيا ولِسانُكَ رَطْبٌ من ذِكْرِ اللهِ» رواه الترمذي.
– وقديماً قالوا: الوقت من ذهب والحق أن الوقت أغلى من الذهب فالذهب إن ضاع يمكن أن يعوض لكن الوقت يستحيل أن يعوض.

– وقيل أيضاً في فضل الوقت: الوقت كالسيف فإذا لم تقطعه قطعك.
– والإنسان مسؤول أمام الله عزّ وجل عن وقته ما صنع فيه؛ فعن أبى برزة الأسلمى رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟» رواه الترمذي.
ويُستفاد من هذا أنه يجب علي المسلم أن يغتنم أوقاته في ما يفيد ويترك ما تعود وأدمن من المحذروات التى تنتشر على مواقع السوشيال ميديا، ويجب أيضاً توعية الأطفال بمخاطر طول المكث على الألعاب الألكترونيّة وما يسببه ذلك من أضرار.
– ولقد سأل الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى رجلاً: كم أتت عليك من السنين؟ قال: ستون سنة. قال الفضيل: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ؟ فقال الرجل: ﴿إنا لله وانا إليه راجعون﴾
قال الفضيل: أتعرف تفسير ﴿إنا لله وانا اليه راجعون﴾،
فمن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول ومن علم أنه مسؤول فليعد للسؤل جواباً.
قال الرجل: فما الحيلة؟
قال: يسيرة.
قال ما هي؟
قال تحسن فيما بقى يغفر لك ما مضى فإنك إن أسأت فيما بقى أخذت بما مضى وما بقى.
فاتقوا الله عباد الله: واحسنوا استغلال أوقاتكم تفوزوا برضوان ربكم جل وعلا، ولا تكونوا من الذين غرهم طول الأمل فيندمون حين لا ينفع الندم؛ قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(المؤمنون: ٩٩- ١٠٠)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «ما مِن أحدٍ يَموتُ إلَّا نَدِم، قالوا: وما نَدامتُه يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إنْ كان مُحسِنًا نَدِمَ ألَّا يكونَ ازدادَ، وإنْ كان مُسِيئًا نَدِم ألَّا يكونَ نَزَعَ» رواه الترمذي.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه واغفر لنا ما مضى واعصمنا فيما بقى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة.