خطبة بعنوان ( إدمان السوشيال ميديا ) ج١للشيخ أحمد عزت حسن


خطبة بعنوان ( إدمان السوشيال ميديا ) ج١
للشيخ :  أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة ١٦ من جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ الموافق ٧ من نوفمبر ٢٠٢٥م

الموضوع

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد.

فإن نعم الله تعالى علينا كثيرة وجمة، ومهما حاولنا إحصاؤها وعدّها فلن نستطيع. قال تعالى: “وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها” ومن نعم الله تعالى علينا سهولة الاتصال من خلال الإنترنت؛ إذ يمكنك الاتصال بالآخرين وعرض أفكارك وآرائك وصورك وتبادل الأفكار، والاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى، فهو وسيلة جيدة للاتصال والتواصل بين الأفراد والشّركات والهيئات المختلفة، فقد أصبح جزءًا رئيسيًّا من حياتنا وفرض علينا وجوده واستخدامه كثيرًا من أشكال الحياة

فهل فكرت أخي الكريم وأنت تمسك بهاتفك أو تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي -من فيس أو واتس أو غيرهما- أن هناك ضوابطًا وآدابًا وضعها لك الإسلام يتعين عليك الإلتزام بها – ولا عجب! فالإسلام دينٌ عالميٌ صالح لكل زمان ومكان، وجاءت أحكامه شاملة ومنظمة لحياة المسلم في كل صغيرة وكبيرة، حتى المستحدثات والمخترعات تجد لها تنظيمًا دقيقًا، ومن ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والتي تجد آدابها وأصولها في آداب الاستئذان وآداب الزيارة وآداب الحديث، واحترام خصوصيات الآخرين وحياتهم الخاصة، وحُسن اختيار الأصدقاء.

وتعد شبكة الإنترنت شبكة عالمية واسعة النطاق؛ إذ ترتبط أنظمة الكمبيوتر في كافة أرجاء العالم مع بعضها- ويشكل الإنترنت الشبكة العنكبوتية الأكثر استخدامًا في العالم، ويشمل الإنترنت العديد من خطوط البيانات ذات نطاق التردد العالي، والذي يعد الإنترنت لها العمود الفقري، وترتبط هذه الخطوط بمراكز الإنترنت الرئيسية والتي بدورها توزع البيانات على المواقع الأخرى، مثل مزود خدمات الإنترنت وخوادم الويب؛ ذلك من أجل اتصال الأجهزة بالإنترنت، وهو سلاح ذو حدّين، ويوجد فيه الجيد والسيّئ،

فمن المعروف أن كل مجتمع له عاداته وآدابه التي على كل أفراده أن يلتزموا بها، وكذلك فإن اختراع الإنترنت ووجوده كأمر حتمي في حياتنا خلق مجتمعا إلكترونيا عالميا رواده الملايين من هذا العالم، فيه كل الجنسيات والثقافات واللغات المختلفة، كما أن انتشار مواقع التواصل الاجماعي -كالفيس بوك، وتويتر، والإنستغرام- جعلت من وضع قواعد وأخلاقيات وآداب لاستخدام هذه المواقع أمرا مهما لا بد منه.

وما برحت نعمة الهاتف في تقدم من خدمة إلى خدمة، ومن تيسير إلى تيسير، حتى اكتشاف ما يسمى بالـ “فيسبوك” الذي يعمل على الحواسيب في ظل توفر الشبكة العنكبوتية، ثم أضيف بعد ذلك خدمةً في التليفونات الحديثة، ثم ما هي إلا مدة يسيرة حتى جاءت خدمة أخرى أضيفت لها ألا وهي ما يعرف بالـ “الواتساب”، وهاتان الخدمتان فيهما منافع كثيرة لمن يحسن استخدامهما في الخير، فهما من أعظم الوسائل الحديثة في الدعوة إلى الله -تعالى-، وبث الوعي الصحيح، والدفاع عن الحق وأهله، ومحاربة الأفكار المنحرفة، وهما من الوسائل المهمة في التواصل مع الناس من أقارب وأصدقاء وزملاء وغيرهم، وهما من المنابع الغنية لتلقي المعلومات والمعارف المتعددة، بالضوابط العلمية والشرعية وهما من السبل المعينة على البحث عن الأعمال والوظائف والدراسة، ونشر الخبرات والاستفادة منها، وترويج البضائع والمبيعات، وغير ذلك. لكن هذه الفوائد والمنافع وغيرها مما لم يذكر هنا تخرج من بين فرث ودم؛ ولذلك كان لابد من التحصن بحصن آداب وأخلاق يتدرع بها المسلم من سهام مضار الفيسبوك والواتساب،

فإليك أيها المستخدم لهاتين الخدمتين جملةَ آدابٍ تزينك عند الله -تعالى- وعند الناس فمن ذلك:

* عليك أن تتذكر أن كل كلمة تكتبها، وكل صورة تنشرها، وكل مقطع تبثه عبر جهازك إلى غيرك، أنها تصل إلى الله قبل أن تصل إلى الخلق، فانظر ماذا تكتب إلى الله، وماذا ترسل إلى الله؟

قال -تعالى-: “وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ”

* لا ترسل الروابط غير المعنونة؛ فقد يكون في باطنها شر وأنت لا تدري، أو قد يكون عنوان الرابط خلاف محتواه، فلا ترسل رابطًا إلا وقد فتحته وعرفت ما فيه

الحذر من تداول الرسائل التي فيها إلزام بعبادة من العبادات غير الواردة والتي تذيل بقولهم: “إن من لم ينشرها فسيحصل له كذا وكذا مما يكره، أو أنه ليس من محبي الرسول” بصيغ متعددة تدل على هذه النتيجة، أو التي يُطلب منك أن ترسلها أن يكون استعمالك هاتين الخدمتين كاستعمال الدواء في وقت الحاجة، فإياك من الإكثار والإسراف؛ لأن ذلك سيلهيك عن كثير من واجباتك الدينية والدنيوية.

* البعد عن تقمص الشخصيات، خصوصًا تقمص الرجل شخصية امرأة، أو المرأة شخصية رجل؛ فإن هذا تشبه، وقد “لعن رسول الله -ﷺ- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال“ متفق عليه

* أن تحسن اختيار الصورة والحالة في هاتفك وصفحتك؛ لأن ذلك يعبر عن شخصيتك وفكرك وميولك.

أحسن اختيارك أصدقائك؛ فإنهم جلساء، والجليس إما أن يكون جليس خير، وإما أن يكون جليس شر، وكلٌّ متأثر بجليسه، قال رسول -ﷺ-: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل“ رواه أبو داود والترمذي

* كنْ حسنَ التعامل مع الناس، في خطابك وجوابك ورسائلك، قال -تعالى-: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” البقرة:

لا بأس بالمزاح المباحة، والمشاركة بالطرائف الصادقة التي ليس فيها طعن في الشرع، ولا أذية لأحد، وفي المباح المضحك ما يغني عن المكذوب المحظور، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قالوا: يا رسول الله ! إنك تداعبنا؟ قال: “إني لا أقول إلا حقاً“ رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وقال رسول الله -ﷺ-: “ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له“ متفق عليه

* تثبّتْ قبل أن ترسِل، وتبّينْ قبل أن تنشر، فلا ترسل منشوراً، ولا صورة، ولا مقطعًا، إلا وتعلم صدقه، وصحة نسبته، ومن ذلك أخبار الصراعات السياسية وغيرها، “فما آفة الأخبار إلا رواتها“! قال الله -تعالى-: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات: ٦، وأعظم شيء يُتثبت فيه: النصوص الشرعية في الحلال والحرام، ومن ذلك الأحاديث، فخذها من المصادر العلمية الموثوقة، أو فاسأل أهل العلم العارفين عنها قبل أن تنشرها، فما أكثر الأحاديث المكذوبة المتداولة على الفيسبوك والواتساب، فاحذر أن يكون عملك “نسخ ولصق” من غير قراءة ومعرفة صحة المحتوى.

* أن تنسب المنشورات إلى أهلها، وهذا أسلم للدين والعرض، فلا يجوز نسبة ذلك إلى النفس تصريحًا بكتابة الاسم، أو تلميحًا بعدم ذكر اسم صاحبه, فإذا لم يعرف صاحبه فيذيل بقول: “منقول” أو نحو ذلك، قال رسول الله -ﷺ-: “المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور“ متفق عليه .

ورحم الله الإمام القرطبي حينما قال في تفسيره: “من بركة العلم أن يُنسب كل قولٍ لقائله”

هناك قضية مهمة في هذا الموضوع تتعلق بإنشاء المجموعات في الواتساب والمشاركة فيها، فهذه لابد أن يكون فيها آداب على منوال ما سبق، فمن آدابها:

أولاً: أن على مدير المجموعة أن يعلم أنه مسؤول أمام الله -تعالى- عما يُنشر في مجموعته، قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: “كلكم راع, وكلم مسؤول عن رعيته“ رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي، فعليه أن يحسن اختيار الأعضاء، وعليه أيضًا أن يراقب ما ينشر في مجموعته، فينكر المنكر، ومن تجاوز الحدود الشرعية والمسارات الأخلاقية فلينصحه، فإن استمر في نشر الباطل فليخرجه بأدب ولطف.

* أن يعلم المضافون أن المجموعات كالمجالس لها آداب المجالس، فالمجموعة التي يكثر فيها السوء ينكر على من أساء فيها بآدب إنكار المنكر، فإن لم يُستجب لدعوة الإنكار الصحيح فالخروج هو طريق السلامة، قال -تعالى-: “وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” الأنعام: ٦٨

* التماس الأعذار للمخطئين، وحسن معالجة الأخطاء، فليس من الخلق الرفيع علاج الخطأ بخطأ أكبر منه، كالسباب والشتم واللعن والطعن والبهت.

* الحذر من الاختلاط بين الجنسين؛ لأن ذلك له مضار كثيرة، ولو بعد حين، والطريق الصحيح أن تكون النساء مع النساء، والرجال مع الرجال، إلا في المجموعات العائلية الخاصة.

* على جميع الأعضاء أن يتحلوا بآداب الحديث والنقاش عند الحوار والاختلاف، وهذا من أهم الآداب في المجموعات، فالقول الحسن، وحسن الظن، وطيب الخطاب، والكلام بعلم، واحترام الآخرين ولو خالفوا في الرأي عنوان الشخصية الحوارية المؤثرة، ولا تقلل من أهمية وفائدة أفكاره أو آرائه، ولا تسخر منه كذلك. جادل غيرك بالتي هي أحسن دائما، وتجنب أن تسيئ لغيرك أو تجرح شعورهم.

قال -تعالى-: “وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” النحل: 125 وقال: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” فصلت: 34

وهناك بعض التنبيهات الهامة في هذا الموضوع :

*،مشاركة الأعضاء في أفراحهم وأتراحهم، والحياة معهم بالمشاعر الحية، وتفقد منقطعهم، والسؤال عن غائبهم، قال رسول الله -ﷺ-: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى“ رواه مسلم.

حسن تسمية المجموعات

فقد كان رسول الله -ﷺ- ينهى عن الأسماء القبيحة في الناس ويغيرها، ويأمر بالأسماء الحسنة ويثني عليها، كما عند ابن ماجه بمعناه،

وعند أبي داود -وكلها صحيحة- كان رسول الله -ﷺ- إذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه.

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.

فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيمًا تشريفًا لقدر المصطفى ﷺ وتعظيمًا “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”، فاللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين … وبعد:

أيها الإخوة المؤمنين،

تلكم أيها الأخوة هي الصفحة الناصعة لخدمتي الفيسبوك والواتساب حينما يتمسك أهلهما بتلك الآداب النافعة، وتجتنى منهما تلك الثمار السابقة اليانعة، والتي تخرج من بين فرثٍ ودمٍ ويعد الإنترنت سلاحًا ذا حدين، إذ يتمتع بمزايا عدّة يقدمها

ولكن في الصفحة المقابلة نجد هاتين الخدمتين قد جرّت على من أساء استعمالهما المضرات والحسرات، والويلات والندامات على الأفراد وعلى الأسر وعلى المجتمعات، حتى صارتا تخدشان أو تهدمان جدران المعتقدات الصحيحة، وتنحرفان بالأخلاق المستقيمة، وتنشران الفساد بين الناس نشراً ذريعًا، وتسوقان إلى الرذيلة سوقًا شديدًا. إلا أن لديه العديد من الأضرار، فيما يأتي ذكرها:

أضرار الإنترنت

١- إهدار الوقت على الإنترنت،

إذ إن مستخدم الإنترنت يهدر الكثير من الوقت وهو جالس أمام جهاز الكمبيوتر.

٢- إلحاق الضرر بالعيون، فقضاء الوقت الطويل أمام جهاز الكمبيوتر يؤدي إلى الإضرار بالعيون؛ وذلك بسبب الأشعة المنبعثة من شاشة الكمبيوتر.

٣- إلحاق الضرر بالعمود الفقري والرقبة والأكتاف، وذلك بسبب الجلوس لفترات طويلة أمام جهاز الكمبيوتر.

٤- كثرة استخدام الإنترنت يؤدي إلى الإدمان، إذ يصبح الأشخاص مدمين ولا يمكنهم العيش دون الإنترنت، مما يؤثر على علاقاتهم الاجتماعية، فقد يصبحون انعزاليين وليس لديهم أصدقاء حقيقيون على أرض الواقع.

٥- الإصابة بمرض الإدمان لدى بعض المستخدمين، فقد صاروا لا يقدرون على العيش بدونهما، ولا يطيب يومهم ولا ليلهم دون سجود طويل في محرابيهما.

٦- تسهيل عمليات الغش والاحتيال وانتحال شخصيات أخرى.

٧- غياب النشاط البدني لدى الأطفال؛ وذلك بسبب توفير الإنترنت الكثير من الألعاب للأطفال، وكذلك الإصابة بأمراض العصر، مثل السمنة؛ بسبب الجلوس لفترات طويلة وعدم ممارسة الأنشطة الرياضيّة. الخدمات التي يقدمها الإنترنت يعد الإنترنت الوسيلة الأكثر فاعليّة في الاتصال، وقد جعل الحياة سهلة ومريحة؛ إذ إن لديه خدمات فاعلة في الاتصال والتواصل بين الأشخاص حول العالم، إذ يدعم خدمات الاتصال بما فيها البريد الإلكتروني، و…..

الوصول بمعاول الهدم إلى الفكر الصحيح، والسلوك القويم، فكم من إنسان اعوج معتقده، ومالت أعماله وآدابه الصافية إلى مهاوي مردية آسنة، سواء كانوا صغاراً أم كباراً، ذكوراً أم إناثًا.

٨- انتشار الزندقة والمجاهرة بها حتى لم يعد تتمعر وجوه بعض الناس لذلك؛ لكثرة ما ينشر من هذا الخبث والنتن.

٩- ترويج الفاحشة، وتسهيل طريق الوصول إليها، فكم من ضحايا من الرجال والنساء قادهم إلى أوحال الخطيئة الاستعمالُ السيئ لهاتين الخدمتين، وتمنوا أنهم ما عرفوهما.

١٠- انتشار الطعن في أعراض الناس بالظلم والكذب، وإيذاؤهم والتشهير بهم.

١١- قطع الصلات بين الناس، فبدل أن تكونا وسيلتي اتصال صارتا سببي انفصال؛ لسوء التعامل، وجفاف المشاعر، فكم من أقارب بهما تباعدوا، وكم من أصدقاء بهما تعادوا، وكم من أحباب بهما تباغضوا.

١٢- ذهاب رونق الاجتماع الأسري، فالأسرة كانت من قبل إذا اجتمعت تبادل أفرادها حلوَ الكلام، ولذة اللقاء، وكؤوس الابتسامات المترعة، وأنِسَ الوالدان بأولادهما، والأولاد بوالديهم، ولكن ماذا يجري الآن؟! تأملوا في المجالس التي تجمع الأقارب والأصدقاء! يصبح كل إنسان -ذكراً أو أنثى- غالبًا- ينظر إلى عالمه الصغير، ورفيقه الحبيب إلى جواله الذي يجول معه متناسيًا ما حوله، حتى يغدو المجتمعون كما قال الله -تعالى-: “فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” الأنبياء:

١٣- وأثفية الأثافي حينما ينشغل الولد-ابنًا أو بنتًا- بجواله عن والديه، فقد يزورهما أو يزورانه، ليرياه ويسمعا منه، لكنه يعطيهما هامة رأسه ساجداً على صفحة جواله متخذاً له أبًا بدل أبيه، وأمًا بدل أمه!!؛ لأنه هائم بمعشوقيه: الفيسبوك والواتس

١٤- تعكيرصفو العلاقات الزوجية، فعلى أقل سوء أنهما يشغلان كل شريك عن شريكه، حتى يصبح جوال الزوج ضرة للزوجة، وجوال الزوجة وظيفة لها تشغلها عن مهام بيتها وأولادها وزوجها, وعلى أكثر السوء أنهما أوصلا بعض الأزواج والزوجات إلى الخيانات الزوجية.

أنهما أديا إلى تضييع الأعمال، وتفويت بعض المصالح، وشغلا عن الأمور الأكثر نفعًا.

فهذه الأضرار -معشر المسلمين- غيض من فيض، ونزر من كثر، وعينة من بضاعة زاخرة بالسيئات الكثيرة.

وفي الختام أقول: إنني لا أدعو إلى هجر هاتين الخدمتين وإخلاء الجو للفجرة والفسقة؛ لنشر الباطل من غير مدافع عن الحق يبين بطلان الباطل، ولكنني أدعو إلى الاستخدام الجيد، وصرف هذه النعمة في الخير. فعلى من يحب ولوج بحار الفسبكة والواتسبة أن يدخلها بدِين متين يحثه على نشر الخير، ودفعِ الشر، وليكون له طوقَ نجاة إذا هاجت تلك البحار وتلاطمت أمواجها بالشر. وأن يخوضها بعقل حصيف يميز له السمين من المهين، والضياء من الظلماء، والدُّر من الحجر, وأن يلجها بخلق كريم يحجزه عن القول الذميم، ويبقيه على الصراط المستقيم عند هبوب رياح التغيير للنهج القويم. فمن وجد في نفسه ضعفًا وطبعًا اسنفجيًا فلا يسبح في هذه البحور، وليبقَ بعيداً عنها، فالسلامة لا يعدلها شيء.ألا فليعلم واردُ هذه الموارد أنها سوق يربح فيها من يعرف البضاعة، وكيفيةَ المعاملة، ويخسر فيها الأعمى والأعشى والأحمق والباغي والجاهل والغافل والمدلس والمطفف, فما أعظم خسارة الخاسرين، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الدعاء