سورة البروج.. حين انتصر الإيمان على النار
22 سبتمبر، 2025
اعداد المجلة, منبر الدعاة
بقلم د.إيمان إبراهيم عبد العظيم
مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر – واعظة بوزارة الأوقاف
سورة البروج سورة مكية باتفاق العلماء، وعدد آياتها اثنتان وعشرون آية، وتعالج السورة قصة أصحاب الأخدود وتُبين مصير كل فريق من أفرقة القصة، وتتناول السورة مظاهر قدرة الله -تعالى-.
أما عن قصة سورة البروج
أما عن قصة أصحاب الأخدود كما ذكر الضحاك إنّ أصحاب الأخدود هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة،و يشير ابن إسحاق وأبو صالح عن ابن عباس في السيرة أن قوم الأخدود هم نصارى نجران، حيث يعيش أصحاب الأخدود في اليمن وقد أخذهم جنود الملك ذو نواس الحميري؛ حيث ادعى أنَّه إله فعبده قومه، ثم هدى الله -سبحانه وتعالى- فتى على يد راهب وأخذ يدعو إلى ترك عبادة هذا الملك وعبادة الله -سبحانه وتعالى- وحده، فسمع بذلك الملك فحاول أن يُرجع الفتى عن الحق بالتعذيب؛ ولكنَّه صمد أمام كل ذلك، و قام جنود ذو نواس الحميري بأخذ الفتى ورفعه من قمة الجبل للإلقاء به، وقد خيروه بين التراجع عن دينه والكفر بالله أو رميه من أعلى الجبل، و لكن نطق الفتى بكلمات هزت الجبل وسقط منها جنود الحاكم الظالم و كان الدعاء” اكفينهم بما شئت وكيف شئت”مما استشاط غضب الملك خاصة لما آمن مع الفتى الكثير من الناس، فأراد الملك أن يفتنهم عن دينهم، فقررَّ أن يحفر لهم خندقاً كبيراً وأوقد فيه ناراً عظيمة، وأخذ يخيِّر الناس بين الرجوع عن دينهم أو أن يقذفهم في النار، إلا أنَّ المؤمنين قد ثبتوا على الدين، فقام بحفر الأخاديد العملاقة التي أشعلت النيران وتم رميهم جميعا بالأخدود وقد اختلف العلماء في تحديد أعدادهم فمنهم من قال إنهم 70 ألف شخص والبعض يذكر انهم 20 ألفا
أما عن تفسير سورة البروج:
تنقسم السورة الكريمة إلى عدة مقاطع، وتفسيرها ما يأتي. (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ* وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ* وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) يُقسم الله -سبحانه وتعالى- بالسماء وبروجها؛ وهي النجوم العظيمة أو هي منازل الكواكب التي تنزلها أثناء سيرها،
وأقسم -سبحانه وتعالى- أيضاً باليوم الموعود وهو يوم القيامة، وأقسم بالملائكة وغيرهم ممن سيشهد على الناس والأحداث في ذلك اليوم، وأقسم بالناس والوقائع الذين سيُشهد عليهم.(قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ* إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ* وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ* وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
هذا هو ما أقسم عليه الله -سبحانه وتعالى- في الآيات السابقة، ويسمى جواب القسم؛ وهو دعاء على الذين حفروا الأخدود وأشعلوا فيه النار؛ لتعذيب المؤمنين وإلقائهم فيه، وجملة الدعاء من الله -سبحانه وتعالى- قضاء،
و(قُتِلَ) بمعنى: لُعِنَ. تُصور الآيات موقف الكافرين وهم يجلسون حول النار؛ يقومون بتعذيب من لا ذنب له وهم المؤمنون الذين كان ذنبهم الوحيد في نظر الظلمة؛ إيمانهم وتصديقهم بوحدانية الله -عز وجل-، وقد نسي هؤلاء الظلمة أنَّ الله هو العزيز القادر على تعذيبهم وليس ملكهم الذي ادعى الألوهية.
المستحق الوحيد بالعبادة هو الله -رب العالمين- فهو له ما في السماء وما في الأرض، وهو المطَّلع على كل شيء، وكل هذه الصفات تُبين أنَّ إيمان المؤمنين بربهم هو التصرف الصحيح، فكيف يُعذبون من المجرمين على ذلك! (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) تُبين الآيات الكريمة أنَّ مصير هؤلاء الظلمة الذين حاولوا فتنة المؤمنين عن دينهم بالإحراق، سيكون عذابهم نار جهنم والإحراق بها كما أحرقوا المؤمنين، ولكن الله -سبحانه وتعالى- يُبين أنَّ هذا المصير المخيف يمكن أن يتغير؛ في حال تاب هؤلاء، وبالمقابل يُبين الله -تعالى- جزاء المؤمنين الذي سيتمتعون به في الجنة التي تجري من تحت قصورها الأنهار.
(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) تؤكد هذه الآيات الكريمة على محتوى ما سبقها من قدرة الله -عز وجل- على تعذيب أعدائه، فتُبين أنَّ الله -عز وجل- يأخذ الظلمة أخذاً سريعاً ليُؤكد قدرته على ذلك، ويُبين -تبارك وتعالى- أنَّه هو الذي بدأ الخلق وهو القادر على إعادتهم بعد الموت، وهذا من كمال قدرته. والله -تعالى- محبٌ لأوليائه ويغفر لمن يشاء من عباده التوابين، فهو صاحب العرش العالي عن جميع خلقه.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ* فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ* وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ* بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) تُذكِّر الآيات النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعذيب الله للمكذبين بأنبيائه السابقين؛ وذكر مثالاً لهم بفرعون وقوم ثمود، الذين جنَّدوا الجنود لمواجهة الحق فكان مصيرهم الهلاك، ثم ينتقل إلى واقع النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قومه. وفي هذا تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ بأنَّ النصر من الله -عز وجل- وفيه تهديد لهم من الوقوع في نفس مصير فرعون وثمود؛ فهو مقتدر عليهم وهم في قبضته. وتُبين الآيات أنَّ الله -سبحانه وتعالى- هو الذي أنزل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ، وهو كلام لا قدرة لأحد على محاكاته فهو عال لا مذمة فيه،روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من قرأ سورة البروج أعطاه الله تعالى بعدد كل جمعة وعرفة تكون في الدنيا عشر حسنات”..