روعة الابتسامة

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

الابتسامة تجعل السيء حسناً والقبيح جميلاً والمر حلواً، كما أنها تزيد الحُسن حُسناً والجمال جمالاً والحُلو حلاوةً، فهي مفتاح القلوب وعلامة السعادة ودليل المحبة والمودة وعنوان الجمال، فالوجه البسام المشرق دائماً لامعاً مشرقاً لا تظهر عليه الشيخوخة المبكرة ولا التجاعيد التي تغير ملامحه، قال ديل كارنيجي: الابتسامة لا تكلف شيئا، ولكنها تعود بخير كثير، وهي لا تُفْقِر من يمنحها، لكنها تُغني آخذيها، لا تستغرق لحظة، ولكنها تبقى ذكرى حلوة إلى آخر العمر، يملكها الفقير، ولا يستغني عنها الغني.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على البسمة والبشاشة وحُسن اللقاء: “وتبسمك في وجه أخيك صدقة”، فالابتسامة وصدقة مجانية بغير المال وغنيمة باردة، وهي الدواء الذي لا أعراض له، وهي الكلمة الصامتة التي تُشعر الناس بمحبتهم وتقديرهم، وبسببها تستميل القلوبُ، وتَزداد الألفة، وتُكسَر الحواجز، ويُقرَّب البعيد، ويَهدأ الغضبان، وتُبنى المحبَّة، وتُرسَّخ المؤاخاة، فقد فطر الله الخلق على محبة صاحب الوجه المشرق، الذي يلقى من حوله بابتسامة تُذهب هموم الحياة ومتاعبها، وتشيع أجواء الطمأنينة، وتلك من الخصال المتفق على استحسانها وامتداح صاحبها.

ونزلت سورة عبس تلوم المصطفى صلى الله عليه وسلم على عبوسة طارئه في وجه أعمى، فقال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى}[عبس: 1 – 2]، وهو عبد الله بن أم مكتوم حيث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يعلمه شرائع الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم مشغول حينئذٍ بدعوة بعض أشراف قريش للإسلام، فقطع الأعمى حديثه؛ فعبس النبي صلى الله عليه وسلم بفرطته وتغير وجهه بسبب سلوك هذا الأعمى، فنزلت السورة بعتاب لطيف وصيغة الغائب المجهول؛ حفاظاً على مشاعر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتحمل قلبه صيغة الخطاب المباشر(عبست وتوليت)، ثم قال تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}[عبس: 1 – 11]، فكانت حقاً تذكرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان وجهه دوماً مُشرقاً بسَّاماً، والابتسامة الصافية لا تفارق وجهه السَّمح، قال جرير: “ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي”، وقال عبد الله بن الحارث: “ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

وكأن الآيات في سورة عبس تقول: ابتسم حتى في وجه الأعمى، فإن كان لا يرى تبسمك، فالله يراك، وسيجزيك على هذه البسمة والبشاشة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”.

وإذا كانت الوجوه في الدنيا بشوشة أو عبوسة، ففي ختام سورة عبس تنقسم الوجوه أيضاً في الآخرة إلى قسمين {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ}[عبس: 38 – 40]، فإسعاد الناس ولو بالبشاشة وحسن اللقاء أقصر طريق لنيل سعادة الدنيا والآخرة.