لماذا دعا نوح على قومه؟


بقلم الأستاذة : سيدة حسن

كثيرًا ما يتساءل البعض كيف يدعو نبيّ الله نوح عليه السلام على قومه بالهلاك، وهو نبيّ الرحمة والصبر والدعوةأليس الأولى أن يستمر في الدعاء لهم بالهداية بدل أن يطلب فناؤهم؟

الجواب يكمن في فهم القصة من بدايتها، وفي معرفة سنة الله في الابتلاء والهداية :
تسعمئة وخمسون عامًا من الدعوة نوح عليه السلام لم يكن عابرًا بينهم، بل عاش معهم قرونًا طويلة، يناديهم ليلًا ونهارًا، سرًا وجهرًا، كما قال تعالى:
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ۝ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [نوح: 5-6].

طرق كل باب، وجَرّب كل وسيلة، لكنهم قابلوا الدعوة بالعناد، حتى كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم كي لا يسمعوا كلمة الحق.

الرحمة التي تحوّلت إلى دعاء :
النبي لا يحمل حقدًا على قومه، ولكنه يغار على الحق ويشفق على المؤمنين الذين يُعذَّبون. وبعد تسعمئة وخمسين عامًا من الصبر، أوحى الله إليه:
﴿أُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود: 36].

هنا لم يعد الأمر اجتهادًا بشريًا، بل صار قضاءً إلهيًا مقطوعًا به. حينها دعا نوح:
﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ۝ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: 26-27].

الحكمة في الدعاء :
دعاء نوح لم يكن غضبًا شخصيًا، بل رحمة بالأجيال القادمة؛ فهؤلاء القوم لم يكن يُرتجى منهم صلاح، وكانوا سيورّثون الكفر والضلال لأبنائهم لم يدعُ عليهم إلا بعد أن أُغلقت أبواب الهداية، وأُقيمت الحجة عليهم كاملة الدعاء كان بوحي من الله، فصار جزءًا من سنن الابتلاء والتمحيص، لا نزوة عاطفية ولا رغبة في الانتقام

الفرق بين دعاء نوح وغيره من الأنبياء :
سيدنا محمد ﷺ مثلًا حين أُوذي في الطائف، قال: “اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون.”، لأن قلوبهم ما زالت قابلة للهداية. أما قوم نوح فقد ختم الله على قلوبهم بعد قرون من الدعوة، فصار الدعاء عليهم رحمةً بالبشرية لا نقمة

الخاتمة:
دعاء نوح على قومه لم يكن انفعالًا بشريًا عابرًا، بل كان مشهدًا من مشاهد عدل الله ورحمته: عدلٌ في إهلاك من استكبر ورحمةٌ في إنقاذ الأرض من فساد لا ينتهي وهكذا نتعلم أن دعاء الأنبياء كله رحمة، حتى إن بدا في ظاهره نقمة.