المسلم المعاصر بين التدين الصحيح والتدين المغشوش والحياء المزيف والورع الكاذب 2


بقلم الشيخ : أحمد عزت حسن

الباحث فى الشريعة الإسلامية

٢-“التديُّن المغشوش
كلنا يحفظ حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) [أخرجه أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد].
وهذا الحديث يحمل بعدًا مهمًا في بيان غاية الدين وهي إتمام بناء الأخلاق. وإن صح لنا استخدام هذا التعبير التدين الأخلاقي فإنه يمكن القول بأن التدين الأخلاقي هو السلوك الديني القائم على ملاحظة الواجب الأخلاقي.

التدين الأخلاقي ليس طريقة جديدة في فهم الدين، بل هو تعبير عن حالة الإحسان التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور، وهذه الحالة تقتضي وعيًا تامًا بالله، إضافة إلى وعي بأهمية واجب فعل الخير مع الله عبر استظهار عبوديتنا له، وفعل الخير مع الإنسان، وأخيرًا فعل الخير مع العالم من حولنا من حيوانات وطبيعة جعلها الله أمانة في يدنا.

فالدين هو الطريق والمنهج الذي يرشد إلى الحق في الاعتقادات وإلى الخير في السلوك والمعاملات. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣].
والدين هو جوهر الوجود وهو روح الحياة، والإنسان من غير دين ضائع في هذه الدنيا؛ ولذلك كان الدين أمرًا عامًا في تاريخ البشر لم يخلُ منه مجتمع من المجتمعات، فالدين شيء أساسي في حياة البشر يتعلق بالفطرة البشرية.
أما التدين: فهو التمسك بعقيدة معينة يلتزمها الإنسان في سلوكه فلا يؤمن إلا بها ولا يخضع إلا لها ولا يأخذ إلا بتعاليمها، ولا يحيد عن سننها وهديها.
فحقيقة التدين هي التمسك بجميع أوامر الدين وترك نواهيه ظاهرا وباطنًا، فمن تمسك بالدين ظاهرًا وباطنًا فهو المتدين حقيقة، ومن تمسك به ظاهرًا وتركه باطنًا فهو مدَّعٍ للتدين، وليس متدينًا؛ فالتدين: هو أن يظهر أثر الدين في حياة الناس وفي علاقاتهم وفي سلوكياتهم.
والتدين الصحيح ينعكس في علاقة المسلم بربه وفي علاقته بالناس ابتداء بأسرته، وبجيرانه وبمجتمعه وبأمته بالإنسانية جمعاء، بل بغير الإنسان بالحيوان وبالكون وبالبيئة. والتدين يظهر في علاقة الإنسان المؤمن العابد المخلص لربه المحب له الراضي عنه الراجي لرحمته الخائف من عذابه كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ ويَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} الزمر: ٩

والمسلم المتدين يعيش في حياته متوازنًا بين الرجاء والخوف، وهو في علاقته بالناس مؤدي للحقوق، والناس يعيشون في خيره ويسلمون من شره كما عرف النبي ﷺ المسلم ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو -رضى الله عنهما- عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنْهُ»

وفي سنن الترمذي «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ»

فالمسلم المتدين هو مصدر سلام لمن حوله والناس يأمنونه ولذلك يقول النبي ﷺ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ) رواه البزار

وللتدين مظاهر متعلقة بالقلب والجوارح ينبغي مراعاتها، والحرص على تحقيقها، فالتدين الحقيقي يظهر في أخلاق الشخص ومعاملاته فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما مدحه ربه قال سبحانه: {وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم: ٤؛ وذلك لأن أبرز ما يتجلى فيه الإيمان الخلق، وفي مسند أحمد عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ سَأَلَتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ الله -ﷺ- فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ).

التدين هو الالتزام بتعاليم دين معين، وهو يشمل الاعتقاد والممارسات والطقوس المرتبطة بهذا الدين. يمكن أن يشمل التدين أيضًا القيم والأخلاق المستمدة من الدين.
التدين له عدة جوانب، منها:
* الإيمان: وهو الاعتقاد بوجود الله تعالى وأحكامه، وكتبه ورسله.
* العبادة: وهي الممارسات والطقوس التي يقوم بها المتدينون تعبدًا لله تعالى.
* الأخلاق: وهي القيم والمبادئ التي يتبعها المتدينون في سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين.
* المجتمع: وهو الدور الذي يلعبه الدين في حياة الأفراد والمجتمعات.