الأمومة صانعة المستقبل
25 يوليو، 2025
بناء الأسرة والمجتمع

بقلم الدكتور : إسلام عوض
مدير تحرير جريدة الأهرام
الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمعات، والمرأة والرجل هما أركان هذه الأسرة، ونركز حديثنا في هذا المقال عن دور المرأة الذي لا ينحصر في مجرد الإنجاب فحسب؛ بل مهمتها مهمة تربوية عظمى، فهي التي تشكل الوعي، وتغرس القيم والمبادئ وهي التي تُعِد الأجيال لحمل هوية الأمة وصون مبادئها، ولكن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، المدفوعة بأيديولوجيات ورؤى معينة، أدت إلى تحولات عميقة في فهم دور المرأة، وخاصة دور الأم.
الأمومة في المفهوم الإسلامي
يولي الإسلام أهمية قصوى لدور الأم، فهو يعتبرها الحاضن الأول للنشء ومربيته؛ فالحديث النبوي الشريف الذي أخرجه الشيخان ورواه أبو هريرة الذي أوصى فيه رسولنا الكريم محمد “صلى الله عليه وسلم” بالعناية الخاصة بالأم قائلًا: “…أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك”، فهذا الحديث يجسد هذا التقدير الرفيع لمكانة الأم ودورها المحوري في الأسرة المسلمة؛ فالأم في هذا السياق ليست مجرد فرد في الأسرة، بل هي المدرسة الأولى التي تصقل شخصية الأبناء، وتزرع فيهم بذور الإيمان، وتعزز ارتباطهم بهويتهم وقيمهم، فالأم هي من تغرس فيهم مفهوم المسئولية تجاه أنفسهم ومجتمعهم وأمتهم.
تحولات في دور المرأة وتأثيرها على الأمومة
شهدت العقود الأخيرة بروز دعوات ورؤى تسعى لإعادة تعريف دور المرأة في المجتمع، وهذه الرؤى، التي غالبًا ما تركز على مفاهيم “الاستقلالية” و”التحرر”، قدمت الأمومة في بعض الأحيان كعبء يعيق طموحات المرأة، أو كدور يقلل من قيمتها الاجتماعية في مقابل العمل خارج المنزل.
صورة المرأة العاملة مقابل المربية
أصبح العمل خارج المنزل معيارًا لنجاح المرأة، بينما قد يُنظر إلى دور الأم المربية داخل المنزل أحيانًا كـ”بطالة” أو قلة إنتاجية، هذا التصور أثر في نظرة الفتيات والنساء لأنفسهن، ودفع بعضهن لتفضيل مسارات مهنية على حساب التفرغ لتربية الأبناء.
تغير صورة الأسرة في الإعلام
لعبت وسائل الإعلام، من مسلسلات وأفلام، دورًا في تقديم نماذج معينة للأسرة، حيث قد تُظهر الأم الملتزمة بقيمها كشخصية تقليدية أو غير مواكبة للعصر، وفي المقابل، تُبرز نماذج نسائية “قوية” و”مستقلة” لا تحتاج إلى تكوين أسرة أو إنجاب أطفال، مما يؤثر على تصورات الشابات عن المستقبل.
تحديات قانونية واجتماعية
بعض القوانين الدولية التي تهدف لمكافحة “العنف الأسري” أو “التمييز ضد المرأة” قد تُفسر أحيانًا بطريقة تؤدي إلى ضعف الروابط الأسرية أو تحريض الأفراد على التمرد على أدوارهم التقليدية، مما يؤثر على استقرار الأسرة ككل.
تبعات هذه التحولات
إن هذه التحولات في دور المرأة، وتحديدًا في مفهوم الأمومة، أدت إلى بروز تحديات اجتماعية كبيرة.
نلاحظ اليوم ارتفاعًا في معدلات الطلاق، وتزايدًا في أجيال قد تفتقر إلى الهوية والقيم المستقرة، نتيجة لغياب الدور الأمومي الفاعل في حياتهم، وقضاء أوقات طويلة خارج كنف الأسرة، كما أن تحول المرأة إلى مجرد أداة إنتاج واستهلاك أو للترويج والإغراء، يفقدها دورها الأصيل كصانعة أجيال وحاملة رسالة.
حماية الإسلام للمرأة والمجتمع
يُعزز الإسلام مكانة المرأة ويحميها بجعل الأمومة قمة شرفها، فالجنة تحت أقدام الأمهات، وفي حديث عبدالله بن عمر الذي أخرجه البخاري ومسلم يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أن “المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها”، وهذا لا يقلل من شأنها، بل يؤكد أهمية مسئوليتها العظيمة داخل الأسرة كقائدة ومربية.
رسالة للأجيال القادمة
إن بناء الأجيال القادمة يبدأ من وعي المرأة المسلمة بدورها الأساسي كأم ومربية، وإن الاعتزاز بهذا الدور هو السبيل لبناء مجتمع قوي متماسك؛ حيث إن الدور الذي تلعبه الأم في تنشئة الأبناء يمتد أثره إلى المجتمع بأكمله، فلله در أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أنشد قائلًا:
“الأم مدرسة، إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق، فقد اختصر شوقي قوة تأثير الأم في صناعة المستقبل ونهضة المجتمع.
نحو مجتمعٍ واعٍ وقيم راسخة
عندما تفقد المرأة أمومتها، فإن المجتمع يفقد قيمه الأساسية وتُصبح الأجيال القادمة أكثر عرضة للتأثر بالتيارات الخارجية التي قد لا تتوافق مع هويتها.
وختامًا
أرجو ألا يفهم من مقالي هذا أنني ضد تعليم المرأة، أو ضد تقلدها العديد من الوظائف؛ بل على العكس من ذلك تمامًا فأنا مع تعليم المرأة أفضل تعليم، ومع تقلدها المناصب التي يحتاجها المجتمع وتتناسب مع طبيعتها؛ مع مراعات إعطائها الوقت الكافي لرعاية أطفالها وأسرتها؛ لتؤدي دور الأمومة كاملًا، وبما يتناسب مع تعاليم الإسلام وفطرته التي تحمي الأسرة وتعزز دور الأم، وهو السبيل لبناء مجتمعات قوية، قادرة على مواجهة التحديات وصناعة مستقبل مزدهر لأبنائها وبناتها.