خطبةُ الجمعة القادمة ( إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا )
لفضيلة الدكتور : مُحمد حرز( إمامٌ وخطيبٌ ومدرسٌ بوزارةِ الأوقافِ )
بتاريخ: 19 شوال 1446هــ –18 أبريل2025م
لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط أدناه
magales alelm herz
الحمدُ للهِ علّمَ القرآنَ، خلقَ الإنسانَ علّمَهُ البيانَ، الحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقلمِ، علَّمَ الإنسانَ ما لم يعلمْ، الحمدُ للهِ، القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾المجادلة:11، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، أولٌ بلا ابتداء، وآخرٌ بلا انتهاء، الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ كما في سننِ الترمذِي مِن حديثِ عثمانَ رضى اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ( خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ).وللهِ درُّ حسانَ رضى اللهُ عنهُ:
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني ** وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مُبَرَّأً مِن كُلِّ عَيبٍ **** كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ
فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ، خيرُ مَن صلَّى وصامَ وتابَ وأنابَ ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الذين حجُّوا واعتمرُوا فكان حجُّهُم مقبولًا وسعيُهُم مشكورًا وذنبُهُم مغفورًا وسلمْ تسليمًا كثيرًا. …أمَّا بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (أل عمران :102).
عبادَ اللهِ: ) إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا(( عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: العقل ُ زينةٌ.
ثانيًا: العلمُ ينيرُ العقولَ.
ثالثًا : نماذج أنارَ العلمُ عقولَهم.
رابعًا وأخيرًا: علّمُوا أولادَكُم فهُم أمانةٌ في أعناقِكُم .
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنَا عن إذا استنارَ العقلُ بالعلمِ أنارَ الدنيا، وخاصةً بالعقلِ والعلمِ يتعرف ُ الإنسان ُ منّا على خالقِه ورازقِه ومدبرِ شؤونه كلِّها ، وخاصةً والعقلُ وحده لا يكفي لرفعةِ الإنسانِ منا والعلم وحده لا يكفي لرفعة الإنسانِ بل للابد من العقلِ والعلمِ معًا لينهض الانسانُ وخاصةً إِنّ المُؤمِنَ أَكمَلُ النَّاسِ عَقلًا، وَأَرقَاهُمْ تَفكِيرًا، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا؛ إِذْ كُلُّ مَا يَرَاهُ مِن حَولِهِ يَدُلُّهُ عَلَى رَبِّهِ، وَرَضِيَ بِالإِسلَامِ دِينًا؛ إِذْ رَأَى فِي تَشرِيعَاتِهِ التَّكَامُلَ وَالتَّوَازُنَ وَالعَدلَ الَّذِي تَستَقِيمُ بِهِ الحَيَاةُ، وَرَضِيَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا؛ إِذْ عَلِمَ مِن حَالِهِ صِدقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَزُهدَهُ وَسُمُوَّ أَخلَاقِهِ وَتَأيِيدَ اللَّهِ لَهُ. وخاصةً وأنَّ التفوقَ العلمِيَّ في مختلفِ المجالاتِ مطلبٌ شرعِيٌّ ووطنِيٌّ وإنسانِيٌّ، ولا مجالَ لبناءِ دولةٍ قويةٍ بغيرِ العلمِ والتفوقٍ. وخاصةً أنّنَا نرَى العالمَ اليومَ يتقدمُ بعلمائِهِ في جميعِ المجالاتِ المختلفةِ، وخاصةً وأنَّ العالمَ اليومَ وقفَ حائرًا أسيرًا بسببِ الأوبئةِ المنتشرةِ، وبيَّنَ ضعفَنَا وعجزَنَا خاصةً في مجالِ الطبِّ والعلاجِ والدواءِ ،وخاصةً واللهُ جلَّ وعلَا جعلَ العلمَ النافعَ طريقًا مُوصلًا لمرضاتِهِ، وسبيلًا يُوصلُ إلى كلِّ خيرٍ وبرٍّ وهدَى. لذَا كانَ مِن دعائِهِ ﷺ إذا أصبحَ قالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا( رواه ابن ماجه……. وللهِ درُّ القائلِ:
فَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً ***تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ
ومَنْ فاتَهُ التَّعْليمُ حالَ شَبابِهِ *** فَكَبِّرْ عليْهِ أرْبَعًا لوَفاتِهِ
أولًا: العقل ُ زينةٌ.
أيُّها السادةُ: إن العقلَ الصحيحَ عُدَّةُ المرء في النوائِب، وجُنَّتُه في النوازِل، وقائدُه إلى الخيراتِ ودفعِ المضرَّات في العاجِل والآجِل، وإذا تمَّ العقلُ تم معه كلُّ شيء، وإذا فسدَ وذهبَ صارَ أمرُ العبد فُرُطًا، ولا تجمُلُ الحياةُ ولا يُستطابُ العيشُ إلا به، فهو يُعينُ العبدَ على معرفة طرق الصواب والرَّشَد فيسلُكُها، ويَستبينُ سُبُل الخطأ والغوايةِ فيجتنبُها.والعقلُ والدينُ صِنوانِ لا ينفكَّان؛ فلا يتمُّ دينُ المرء حتى يتمَّ عقلُه، والعقلُ بلا دينٍ ضلالٌ وانفلاتٌ ، والتديُّن بلا عقلٍ بريدُ الفهم المنكوس والسُّلوك المَشين،. وكم في ذلك من إساءةٍ إلى النفس والناس، وتشويهٍ لصفاءِ الإسلامِ ونقائِه. لذا قال الحسنُ البصريُّ – رحمه الله – إذا أُخبِر عن صلاح رجُلٍ قال: “كيف عقلُه؟ فما تمَّ دينُ عبدٍ قطُّ حتى يتمَّ عقلُه”.ومِصداقُ ذلك من كلام الله – جل وعلا (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [يونس: 100) فلا غرو أن جعل اللهُ عقابَ الذين لا يعقلون هو نفسُه عقاب الذين لا يؤمنون (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) [الأنعام : 125].
العقلُ زينة ُ وكيف لا؟
والعقلُ من أجلِّ مواهِب الله لعبدِه، وكلما عظُم حظُّ العبد من العقل انتفعَ بمواعِظ القرآن وهدايةِ الوحي أيَّما انتِفاع، وأمسكَ بمفاتيح الحضارة والرُّقيِّ، وتسخير أسباب الأرض وخيراتها للعيش فيها عيشةً كريمةً هانِئة، قال جل وعلا ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق: 37] يعني: عقل (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) سُئِل ابن المُبارك – رحمه الله -: ما أفضلُ ما أُعطِيَ الرجل؟ فقال: “غريزةُ عقل”، قيل: فإن لم يكن؟ قال: “أدبٌ حسن”، قيل: فإن لم يكُن؟ قال: “أخٌ صالحٌ يستشيرُه”، قيل: فإن لم يكُن؟ قال: “صمتٌ طويلٌ”، قيل: فإن لم يكُن؟ قال: “فموتٌ عاجل”.
وقال لُقمانُ لابنِه وهو يعِظُه: “يا بُنيَّ! اعلَم أن غايةَ السُّؤدَد والشرف في الدنيا والآخرة حُسن العقل، وإن العبدَ إذا حسُن عقلُه غطَّى ذلك عيوبَه وأصلحَ مساوئَه”.وسُئِل قتادةُ – رحمه الله -: أيُّ الناس أغبَط؟ قال: “أعقلُهم”. وسُئِل: أيُّ الناس أعلَم؟ قال: “أعقلُهم”.ولذا قالوا: “عدوٌ عاقلٌ خيرٌ من صديقٍ جاهل”.
العقلُ زينة ُ وكيف لا؟
َإِنَّ مِن أَكبَرِ النِّعَمِ الَّتِي أَنعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى الإِنسَانِ نِعمَةَ العَقلِ، الَّتِي تَمَيّزَ بِهَا الإِنسَانُ عَن سَائِرِ الحَيَوَانَاتِ، وَلِأَجلِ هَذِهِ النِّعمَةِ الَّتِي تَمَيّزَ بِهَا الإِنسَانُ كَلّفَهُ اللَّهُ بِحَمْلِ الأَمَانَةِ، فَأَرسَلَ إِلَيهِ الرُّسُلَ، وَأَنزَلَ عَلَيهِ الكُتُبَ، وَأَظهَرَ لَهُ الآيَاتِ، وَشَرَعَ لَهُ الشَّرَائِعَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالتَّفَكّرِ فِيمَا جَاءَهُ مِن رَبِّهِ، لِيَقُودَهُ عَقلُهُ إِلَى الإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّقوَى، قَالَ تَعَالَى(( إِنَّا أَنزَلنَاهُ قُرآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعقِلُونَ)) وَقَالَ تَعَالَى((كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ))
العقلُ زينة ُ وكيف لا؟
لَقَد جَاءَ الإِسلَامُ بِتَكرِيمِ العَقلِ وَالدَّعوَةِ إِلَى إِعمَالِهِ، لِيَكُونَ دَلِيلًا لِصَاحِبِهِ إِلَى الإِيمَانِ، وَقَائِدًا لَهُ إِلَى الطَّاعَةِ وَالبِرِّ وَالإِحسَانِ، فَكَمْ نَقرَأُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِن مِثلِ قَولِهِ تَعَالَى: أَفَلَا تَعقِلُونَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ، كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعقِلُونَ، أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَى لِأُولِي الأَلبَابِ..
العقلُ زينةُ الإنسانِ به شرَّفه، وبسببِه كلَّفه، والسعيدُ من كان عقلُه وافرا، يعرف به ربه، ويثقِّف به نفسه، ويقوِّم به لسانَه، ويقوِّي به جَنانه، فهو ثابتٌ راسخٌ، لا يُعْييه رأي، ولا يستخفُّه مُشْكِل، ولذا حرص الإسلام على تربية العقل، بتغذيته وتوجيهه وصيانته. فالعاقل يميز بين الأفكار، ويتفحصها، ويعرف غثها من رديئها، وصالحها من طالحها، ثم هو يتخذ القرار الصائب بعيدا عن العاطفة أو التخريف، لذا فإن العقلَ السليمَ يهدي ولا يضلُ، ينفعُ ولا يضرُ، لذا قال اللهُ جل وعلا، عن الكافرين: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة : 171].
العقلُ زينة ُ وكيف لا؟
والعقلُ نعمةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ أنعمَ اللهُ بها علينا ومنَّ بها علينا ,وفضلَنَا وميزَنَا على سائرِ المخلوقاتِ بهذه النعمةِ العظيمةِ قال جلّ وعلا: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70].
وَقَالَ تَعَالَى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]. وجعلَهُ سيّدَاً في هذا الكونِ بعقلِه وفكرِه قال جلّ وعلا:(( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الجاثية:13) , فإذا تمَّ العقلُ تمَّ معه كلُّ شيءٍ وإذا ذهبَ العقلُ ذهبَ معه كلُّ شيءٍ فهو عنوانُ الرشادِ وعمودُ السعادةِ قال بعضُ الحكماءِ: (خلقَ اللهُ الملائكةَ من عقلٍ بلا شهوةٍ وخلقَ البهائمَ من شهوةٍ بلا عقلٍ وخلقَ ابنَ آدمَ من كليهمَا فمَن غلبَ عقلُه على شهوتِه فهو خيرٌ من الملائكةِ ومن غلبتْ شهوتُه على عقلِه فهو شرٌ من البهائمِ). قال ربنا: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) (سورة الأعراف : 179) هؤلاء كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ؟
لماذا أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لماذا ؟
لأن لهم أعينٌ لكنهم لا ينظرون بها إِلا إلى الحرامِ، لهم أذنٌ لكنهم لا يسمعون بها إلا الحرامَ ،لهم قلوبٌ لكنها امتلأتْ بالحقدِ والبغضاءِ والحسدِ والكراهيةِ, لهم عقولٌ لكنها لا تفقُه شيئًا ولا تعرفُ شيئًا ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.
العقلُ زينة ُ وكيف لا؟
والعقلُ من أعظمِ الأدلةِ على وجودِ اللهِ قال جل وعلا ((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون)[الطور:35]؛ ولهذا لما سمعَ جُبَيْر بن مُطْعِم رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يقرأُ سورةَ الطورِ فبلغَ هذه الآياتِ: {أمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)) [(الطور:35-37)وكان جبيرُ يومئذٍ مشركًا قال: “كادَ قلبي أنْ يطيرَ، وذلك أولُ ما وقرَ الإيمانُ في قلبي)) رواه البخاري. ولما سُئلَ الأعرابيُّ: بم عرفتَ ربَّك؟ فقال: الأثرُ يدلُ على المسيرِ، والبَعْرَةُ تدلُ على البعيرِ، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ ألا تدلُّ على السميعِ البصيرِ؟
وأفضلُ قَسم الله للمرء عقلُه *** فليس من الخيراتِ شيءٌ يُقارِبُه
إذا أكملَ الرحمنُ للمرء عقلَه *** فقد كمُلَت أخلاقُه ومآرِبُه