عبادَ اللهِ: ﴿ زكاةُ الفطرِ ودورُها في التكافلِ المجتمعي ﴾
عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
أولًا: أوشك رمضانُ على الرحيلِ ومرتْ الأيامُ سريعًا.
ثانيـًـــا :زكاةُ الفطرِ وما أدراك ما زكاة ُالفطرِ؟
ثالثًا وأخيرًا: العجلَ العجل َقبل انتهاءِ رمضان َ !!!
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن ﴿ زكاةِ الفطرِ ودورِها في التكافلِ المجتمعي ﴾ ، وخاصةً مَا أجوجنَا إلى تفعيلِ دورِ الزكاةِ والصدقةِ في المجتمعاتِ فمَا جاعَ فقيرٌ وربّ الكعبةِ إِلّا بشحِّ غنيٍّ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فما أحرَى أنْ يقفَ الأغنياءُ بجانبِ الفقراءِ وأنْ يمدُوا إليهم يدَ الرحمةِ والمعونةِ والعطفِ والإحسانِ، وما أجملَ المجتمعاتُ التي تتماسكُ وتتكاتفُ لتصلَ بأيدِي أبنائِهِا وسواعدِهِم، وتعاونِهِم إلى بَرِّ الحياةِ الكريمةِ الطيبةِ، وخاصةً والناسُ في أزماتِهِم في حاجةٍ إلى حقِّ اللهِ في المالِ، كما قالَ ربُّنَا: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) المعارج 24، وخاصة ولَقَدْ حَرَّضَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى العَطَاءِ، وَخَاصَّةً في شَهْرِ رَمَضَانَ، وَخَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ في زَكَاةِ الفِطْرِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِجَعْلِ المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ مُجْتَمَعَاً مُتَمَاسِكَاً، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ رِعَايَةِ الأَغْنِيَاءِ للفُقَرَاءِ، وَلِإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، لِأَنَّ إِدْخَالَ السُّرُورَ عَلَى قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مِنْ أَحَبِّ الأَعمَالِ إلى اللهِ تعالى.وخاصةً وزكاةُ الفطرِ تجبُ بالفطرِ مِن رمضانَ، فالبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوان.
أولًا: أوشك رمضانُ على الرحيلِ ومرتْ الأيامُ سريعًا.
أيُّها السادةُ: أوشك رمضانُ على الرحيلِ ومرتْ الأيامُ سريعًا، وصدقَ ربُّنَا إذْ يقولُ: ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) آل عمران 140، أوشك رمضانُ على الرحيلِ ومرتْ الأيامُ سريعًا وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)) آل عمران 185، أوشك رمضانُ على الرحيلِ ومرتْ الأيامُ سريعًا وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ: ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)) الرحمن ، بالأمسِ القريبِ كُنّا ننتظرُ شهرَ رمضانَ وها نحنُ في الأواخرِ منهُ فهلْ مِن متعظٍ ومدكرٍ؟ قال الحسنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ: يا ابنَ آدمَ إنَّما أنتَ أيامٌ إذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُك!!! أوشك رمضانُ على الرحيلِ ومرتْ الأيامُ سريعًا وصدقَ نبيُّنَا ﷺ إذ يقولُ : « مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ». رواه الترمذيُّ،
وللهِ درُّ القائل
غدًا تُوفَّي النفوسُ ما كسبتْ *** ويحصدُ الزارعونَ ما زرعُوا
إنْ أحسنُوا أحسنُوا لأنفسِهم *** وإنْ أساءُوا فبئسَ ما صنعُوا
أوشك رمضانُ على الرحيلِ ومرتْ الأيامُ سريعًا !! وها هي الساعاتُ تمرُّ، والأيامُ تجرِى مِن وراءِهَا، أوشكَ رمضانُ على الانتهاءِ، كنَّا بالأمسِ القريبِ نتلقّى التهانِي بقدومهِ، ونسألُ اللهَ بلوغَهُ، واليومُ نتلقَّى التعازِي برحيلهِ، ونسألُ اللهَ قبولَهُ.. كنَّا في شوقٍ للقائهِ، نتحرَّى رؤيةَ هلالهِ، ونتلقّى التهانِي بمقدمهِ، وها نحن في آخرِ ساعاتهِ، نتهيأُ لوداعهِ، وهذه الجمعةُ الأخيرة منه ، فسبحانَ مُصَرِّفِ الشهورِ والأعوامِ، سبحانَ مدبرِ الليالِي والأيامِ، سبحانَ الذي كتبَ الفناءَ والموتَ على جميعِ خلقهِ وهو الحيُّ الباقِي الذي لا يموت ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ (الرحمن: 26، 27).
فو اللهِ إنَّ قلوبَ الصالحين إلى هذا الشهرِ تحنُّ، ومِن ألمِ فراقهِ تئنُّ، وكيفَ لا؟ وقد نزلتْ فيه رحمةُ ربِّ العالمين؟
كيف لا تتألمُ قلوبُ المحبين على فراقهِ وهم لا يعلمون هل يعيشون حتى يحضرونَه مرةً أُخرى أم لا، فإنْ لم نحسنْ استقبالَهُ يا سادةٌ فلنحسنْ توديعَهُ، فالعبرةُ بكمالِ النهايةِ لا بنقصِ البدايةِ (فالعبرةُ بالخواتيمِ)، فطُوبَي لِمَن أدركَ رمضانَ وغُفرَ له، وطوبَي لمَن أدركَ رمضانَ واُعتقتْ رقبتُهُ مِن النارِ، وخابَ وخسرَ مَن أدركَ رمضانَ ولم يُغفرْ له، خابَ وخسرَ مَن أدركَ رمضانَ ولم تُعتقْ رقبتهُ مِن النارِ. .. صعِد النَّبيُّ ﷺ المنبرَ ، فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فلمَّا نزلَ سُئِلَ عن ذلك ، فقال : أتاني جبريلُ ، فقال : رغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِمَ أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِمَ أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين)، ضيفٌ كريمٌ لا يزورنا إلا مرة كلَّ عام، يوشك أن يرحلَ، من الناس مَن أحسنَ وِفادته، ومِن الناس مَن أكرمَ زيارته، ومِن الناس مَن أجملَ ضيافته، ومِن الناس مَن أحسَن صيامَه وقيامَه، ومن الناس مَن رحلَ عنه رمضانُ وهو يَحملُ له أسوءَ الذكريات.
يوشكُ رمضان على الانتهاء، فمن كان يعبدُ رمضان، فإنَّ رمضان يكاد ينتهي، ومَن كانَ يعبدُ الله، فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يموت: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]. رمضان يكاد ينتهي وهو يُسبغ علينا من نفحاته، ويُسدي علينا من رحماته، ويَغمرنا بشفاعته وحكمته وبيانه! رمضان يكاد ينتهي وهو يعلن فينا أن تقوى الله هي خيرُ تركةٍ تتركها لأولادك وأحفادك مِن بعدك: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].وللهِ درُّ القائلِ:
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلـــةٌ له *** إنَّ الحياةَ دقـــــائقٌ وثوان
ثانيـًـــا :زكاةُ الفطرِ وما أدراك ما زكاة ُالفطرِ؟
أيُّها السادةُ :شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرٌ يُرَبِّي الأُمَّةَ عَلَى مُتَابَعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويُرَبِّيهِمْ عَلَى الإِنْفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ تَأَسِّيَاً بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. روى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ))
وفي صحيحِ مسلمٍ كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إ ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ(وإياكَ والبخلَ، فالبخلُ ليس مطلوبًا ولا مرغوبًا، لذا استعاذَ منه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم فقالَ كما في حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) فلماذا البخلُ والشحُّ عبادَ اللهِ مع أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يبغضُ البخيلَ في حياته كما في حديث عبدِ اللهِ بن عمروٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاكُم والشُّحَّ، فإنَّمَا هلَكَ مَن كانَ قبلَكُم بالشُّحِّ، أمرَهُم بالبخلِ فبخِلوا، وأمرَهُم بالقَطيعةِ فقطعوا، وأمرَهُم بالفجورِ ففجَروا( .رواه أبو داود))
وشَهْرُ رَمَضَانَ أيها الأخيار ُ يُعَلِّمُ النَّاسَ الإِنْفَاقَ وَالعَطَاءَ، وَانْتِظَارَ الأَجْرِ مِنَ اللهِ تعالى، شَهْرُ رَمَضَانَ يَجْعَلُ نَفْسَ الصَّائِمِ نَفْسَاً سَخِيَّةً بِالخَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَلْحُوظٌ، حَيْثُ نَرَى مُعَدَّلَ الإِنْفَاقِ في شَهْرِ رَمَضَانَ يَرْتَفِعُ.لذا رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ عَلَى الجُودِ وَالكَرَمِ وَالسَّخَاءِ وَالعَطَاءِ، وَحَضَّ المَيْسُورِينَ عَلَى إِطْعَامِ الطَّعَامِ وَإِفْطَارِ الصَّائِمِينَ، وَامْتَدَّتْ هَذِهِ التَّرْبِيَةُ حَتَّى شَمِلَتِ الفَقِيرَ مَعَ الغَنِيِّ في التَّدْرِيبِ عَلَى خُلُقِ العَطَاءِ فشّرع زكاة الفطر في رمضانَ فهي كسجودِ السهوِ بالنسبةِ للصلاةِ وكالدينِ بالنسبةِ للروحِ، وتُسمّى زكاةُ الرؤوسِ والأبدانِ، شُرعتْ زكاةُ الفطرِ تطهيرًا للنفسِ مِن أدرانِ الشحِّ، وتطهيرًا للصائمِ مِن اللغوِ والرفثِ، ومواساةً للفقراءِ والمساكين، وإظهارًا لشكرِ نعمةِ اللهِ تعالى على العبدِ بإتمامِ صيامِ شهرِ رمضانَ وقيامهِ، وفعلِ ما تيسرَ مِن الأعمالِ الصالحةِ فيهِ. وفرضَ رسولُ اللهِ ﷺ زكاةَ الفطرِ علينَا؛ لأجلِ إدخالِ السرورِ على الفقراءِ، وتطهيرًا للصائمِ مِن اللغوِ والرفثِ. روى أبو داودَ بسندٍ حسنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَات) وزكاةُ الفطرِ واجبةٌ تجبُ بالفطرِ مِن رمضانَ قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى: 14]؛ قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ أي أخرجَ زكاةَ الفطرِ، وعن ابنِ عمرَ رضى اللهُ عنهما كما في الصحيحين: “فَرَضَ رسولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ”. قال ابنُ المنذرِ: “وأجمعُوا على أنًّ صدقةَ الفطرِ فرضٌ”، فتجبُ زكاةُ الفطرِ على كلِّ مسلمٍ: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ. لحديث (فَرَضَ رسولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ))، ومقدارُهًا صاعٌ، كما في حديثِ ابنِ عمرَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ)، والصاعُ بالكيلُو هو ما بينَ اثنين كيلو ونصف إلى ثلاثة كيلو تقريبًا. والأصلُ في إخراجِهَا أنْ تكونَ طعامًا، ففي حديثِ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ: “كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ”. ويجوزُ إخراجُهَا قيمةً أو نقدًا كما قال أبو حنيفةَ الثوري وغيرُهُ، وخاصةً إذا كانت الضرورةُ داعيةً إلى هذا ِ…..
ويجوزُ تعجيلُ صدقةِ الفطرِ قبلَ العيدِ بيومٍ، أو يومين. قال ابنُ عمرَ رضي اللهُ عنهما: أمرنَا رسولُ اللهِ ﷺ بزكاةِ الفطرِ، أنْ تُؤدّى قبلَ خروجِ الناسِ إلى الصلاةِ. قال نافعٌ: وكان ابنُ عمرَ يؤديهَا، قبل ذلك، باليومِ، أو اليومين. كما تجبُ زكاةَ الفطرِ على الفقيرِ إذا كانتْ فائضةً عن حاجتهِ وحاجةِ مَن يعولُ، لِمَا رواهُ أحمدُ و أبو داود عن ثعلبةَ عن أبي صغيرٍ عن أبيهِ أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «أدُّوا صدقةَ الفطرِ صاعًا مِن قمحٍ أو قال برٍّ عن كلِّ إنسانٍ صغيرٍ أو كبيرٍ حرٍّ أو مملوكٍ غني أو فقيرٍ ذكرٍ أو أنثى أمّا غنييكٌم فيزكيه اللهُ، وأمّا فقيرُكُم فيردُّ اللهُ عليهِ أكثرَ مِمّا أعطَى)، والأصلُ أنْ تُخرجَ زكاةُ الفطرِ في البلدِ الذي وجبتْ فيهِ على المُزكِّي، إلَّا أنْ يكونَ البلدُ الذي وجبتْ فيهِ ليسَ بهِ فقراءُ فيجوزُ إخراجُهَا في بلدٍ آخر قريبٍ، ونقلُهَا للضرورةِ.
فيا أيُّها المسلمُ: فيا أيُّها الموحدُ :لا يكنْ آخرُ عهدِكَ بالصيامِ وقراءةِ القرآنِ وغيرِهِمَا مِن العباداتِ هو رمضانُ، واعلم أنَّ سيدَنَا رسولَ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلم- قد ندبَكَ إلى الاستمرارِ في الطاعةِ والعبادةِ. فالمداومةُ على العملِ الصالحِ شعارُ المؤمنين .. بل ومِن أحبِّ القرباتِ إلى اللهِ ربِّ العالمين كما فى الصحيحين عن عائشةَ رضى اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه و سلم قال : “أكْلَفوا مِن العملِ ما تطيقُون ، فإنَّ اللهَ لا يملُّ حتى تملُّوا ، وأنَّ أحبَّ العملِ إلى اللهِ أدومهُ وإنْ قلَّ ، وكان إذا عملَ عملًا أثبتَهُ” فالمداومةُ على الطاعةِ من أعظمِ البراهين على القبولِ قالَ جل وعلا(( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[سورة الحجر99]. ها أنتم أيُّها السادةُ :تودِّعون شهرَ الرحمةِ والخيرِ والبركة ِبكل الحزنِ والأسى، فوالله ما عرَف المسلمون اجتماعًا ولا تآخيًا ولا إحسانًا ولا تجانسًا ولا تعاطفًا كما هو الحال في شهر رمضان، وما عرفوا للعبادة لذة، وما تذوقوا للطاعةِ طعمًا، كما في شهرِ الصلاةِ والقيامِ، شهرِ البرِ وصلة ِالأرحام، شهر القرآن والاحسان، شهر رمضان.
ها أنتم تودِّعون شهرَ رمضانَ مرتحلًا عنكم بأفعالكم واعمالكم وأقوالكم، فهو شاهدٌ لكم أو عليكم، فهنيئًا لمن كان هذا الشهر شاهدًا له، وويلٌ لمن كان شهرُ رمضانَ خَصمَه وعدوَه، والحسرةُ والندامةُ لمن كان رمضانُ شاهدًا عليه.
أيُّها السادةُ :ها هي همساتُ الوداعِ تقولُ : أحسنُوا وداعَ شهرِكُم .. ضاعفُوا الاجتهادَ في هذه الليالي ، أكثرُوا مِن الذكرِ … أكثرُوا مِن تلاوةِ القرآنِ … أكثرّوا من الصلاةِ ، أكثروا من الصدقاتِ، أكثروا من إفطارِ الصائمين . فالعبرةُ بالخواتيمِ وإنْ لم نحسنْ الاستقبالَ فلنحسنْ الوداعَ فالبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوان!!! التوبةَ التوبةَ قبلَ فواتِ الأوان!!! الرجوعَ الرجوعَ إلى اللهِ قبلَ فواتِ الأوان !!!
ودِّعوا شهرَكم بالأعمالِ الصالحةِ، والأوقاتِ الرابحةِ، وتفقدوا أحوالَ الفقراءِ والمساكينِ، وأعطوا الأراملَ واليتامى والمحتاجين، أغنُوهم عن السؤالِ ومدِّ اليد في هذه الأيامِ المباركة، سدُّوا عِوَزَهم، وأطعموا جائعهم، واكسُوا عاريهم، وآتوهم من مالِ اللهِ الذي آتاكم، فالمالُ أمانةٌ عندكم، فأروا اللهَ من أنفسِكم خيرًا في مثل هذه الأيامِ.