أسرار بيوت
7 يناير، 2025
بناء الأسرة والمجتمع

بقلم الدكتور : مصطفى عبد الله – الباحث في العلوم الإنسانية
في كل بيت حكاية، وفي كل حكاية أسرار، بين الجدران المتراصة كجنود صامتة تختبئ قصص لم تكتب، وأحداث لم تحك.
البيوت ليست مجرد مأوى يحتوينا، بل هي أرواح متجسدة، تحمل همومنا، تحفظ أفراحنا، وتخبئ أسرارنا كما تخبئ الأرض جذورها تحت التراب.
هناك بيوت تشع بالنور حتى في أحلك الليالي، وكأن ضحكات ساكنيها تهزم كل ظلمة.
وهناك بيوت تقبع في الظلال، تصرخ جدرانها بصمت ثقيل، يحمل الحزن في طياته كأنه أبدية لا مفر منها.
كل زاوية، كل قطعة أثاث، كل نافذة، هي شاهد صامت على قصص البشر، على لحظات الحب والغضب، الفرح والخذلان، النصر والانكسار.
أسرار البيوت، هي نبضات خفية، قصص متشابكة كخيوط العنكبوت، تراها إذا دققت النظر، لكنها تظل بعيدة عن متناول يد الفضوليين.
تلك الأسرار هي حياة تنبض بين الجدران، تسكن في زوايا النسيان، وتغفو تحت الوسائد كأحلام أو كوابيس معلقة.
في كل بيت تجد أما تهمس للقدر دعواتها وهي تطهو الطعام، أبا يخفي تعبه خلف صرامة صوته، طفلا يبني عالمه الخيالي من قطع ألعاب صغيرة، وشابا يحاول شق طريقه بين أحلامه الكبيرة وواقعه المحدود.
وبين هذه الأرواح تختبئ أسرارهم: دموع لم تذرف، ووعود لم تتحقق، وآمال ما زالت تحيا في المساحات الضيقة بين الألم والأمل.
لكن ليس كل بيت سعيدا ولا كل سر مقدسا.
هناك بيوت تنزف من الداخل، تحمل حكايات الغدر والخيانة، والأحلام التي انهارت كبيت من ورق.
هناك جدران تشهد على قلوب انهارت من ثقل الكذب، وأرواح عانت في صمت لأن كلماتها لم تجد أذنا تسمعها أو حضنا يحتويها.
أسرار البيوت تشبه الأواني الزجاجية، تحمل جمالا ورقة، لكنها إن انكسرت، تحولت إلى شظايا تجرح كل من يقترب منها.
لهذا كن حذرًا في التعامل مع الأسرار، فهي ليست ملكا لك وحدك، بل أمانة بينك وبين من يسكن معك في تلك الجدران.
البيوت لا تفشي أسرارها إلا إذا خانها أهلها.
وعندما تفشى الأسرار، يموت جزء من البيت، يفقد دفئه وأمانه، يتحول من مأوى إلى حيز بلا روح.
الحكايات التي نكشفها بلا حذر، والتفاصيل التي ننثرها بلا تفكير، تشبه الرياح التي تقتلع الأشجار من جذورها، تتركها عارية أمام الزمن.
فلتكن الأسرار كتابا مغلقا بينك وبين قلبك، ولتكن البيوت حصنا لا يخترقه فضول ولا يخونه ضعف.
الحياة داخل البيوت ليست مثالية، لكنها حقيقية، وما يجعلها تستمر ليس الكمال، بل الحفاظ على ما هو مقدس:
الحب، الثقة، والأسرار.
تذكر دوما أن كل بيت هو وطن صغير، وأسراره هي روحه التي تحيا بها.
فاحفظوا أسرار بيوتكم، ولا تجعلوها تباع في أسواق الكلمات الرخيصة، لأنها ليست مجرد تفاصيل عابرة، بل هي أمانة لا تثمن، وحكايات لا تستحق إلا الاحترام والصمت.