الزواج السليم : لماذا نقدّر الاحترام أكثر من الإعجاب في الحياة الزوجية؟


بقلم أ : عاطف بخيت
مدرب محترف معتمد من المعهد الأمني للتنمية البشرية

الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد اجتماعي أو قصة حب عابرة، بل هو آية من آيات الله، وميثاق غليظ يُبنى على أسس متينة. يظن الكثيرون أن سعادة الزواج مرهونة باستمرار “الإعجاب” و”الشغف” الذي يبدأ به الارتباط. لكن التجربة والحكمة الإلهية تعلمنا أن الإعجاب عاطفة متقلبة، والأساس الأقوى هو الاحترام المتبادل، والتفاهم العميق، والمسؤولية المشتركة؛ وهي المبادئ التي أمر بها ديننا الحنيف.

1. الإعجاب: بوابة العبور التي تحتاج إلى أساس ثابت

الإعجاب والحب هو الدافع الفطري الذي يدفعنا للزواج، وقد وصفه القرآن الكريم بـالمودة والرحمة. وهذه المودة هي التي تزين البدايات.

يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21).

الآية الكريمة ذكرت المودة (التي تشمل الحب والإعجاب)، لكنها أردفتها بـالرحمة. الرحمة هي الأساس الذي يثبت العلاقة عندما تخفت شعلة الإعجاب، فالرحمة تعني التقدير، الصفح، وعدم التكليف بما لا يُطاق، وهي جوهر الاحترام.

2. الاحترام والتفاهم: قوام المعاشرة بالمعروف

في المنظور الإسلامي، يتم استبدال الاعتماد الكلي على الإعجاب بـالمعاشرة بالمعروف. هذه المعاشرة هي مصطلح شامل يتضمن كل أشكال الاحترام والتعامل الحسن، حتى عند تراجع المشاعر.

أ. الاحترام وصيانة الكرامة:
الاحترام يضمن صيانة كرامة الشريك وعدم إيذائه، حتى وقت الخلاف. وهذا هو مفتاح الاستقرار.
يقول تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (النساء: 19).

* المعروف هنا يعني التعامل اللائق، والتغاضي عن الهفوات، وعدم السخرية أو التجريح.
* حتى لو لم يستمر “الإعجاب”، أمرنا الله بالمعاشرة الحسنة بناءً على مبدأ ديني ثابت، وهو الاحترام والرحمة المتبادلة.

ب. التفاهم والرفق في التعامل:
التفاهم يتجسد في خلق بيئة هادئة ومريحة خالية من العناد والشدة. وقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ في كل تعاملاته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه» (رواه مسلم).

الرفق هو قمة التفاهم والتعامل الحسن، وهو الضمانة للتواصل الإيجابي والتساهل في الأمور اليومية.

3. المسؤولية المشتركة: كل راعٍ ومسؤول عن رعيته
الزواج شراكة تكليف، وليست مجرد متعة. الإسلام يوزع المسؤوليات المالية والأخلاقية والتربوية على كلا الزوجين، مؤكداً أن كل طرف مسؤول أمام الله عن دورة. هذه المسؤولية المشتركة هي أساس العدل والقوامة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته. فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها…» (متفق عليه)

الحديث الشريف يوضح أن المسؤولية لا تقع على طرف واحد:

الرجل مسؤول عن القيادة، الإنفاق، وتوفير الأمن والسكينة.
المرأة مسؤولة عن إدارة البيت، وحفظ ما فيه، والمشاركة في التربية.
المسؤولية المشتركة تجعل الزواج فريقاً واحداً ضد تحديات الحياة، حيث يدعم كل طرف الآخر في أداء واجبه دون تهاون.

كلمة أخيرة: استثمار في الميثاق الغليظ
الزواج الناجح هو الذي ينجو من تقلبات “الإعجاب” و”المشاعر العابرة”، ويستند إلى قوة الإيمان والالتزام بما أمر الله به. عندما يتحول الإعجاب إلى احترام، وتتحول الأنانية إلى مسؤولية مشتركة، وتتحول الخلافات إلى تفاهم ورفق، يصبح هذا الزواج متيناً يمثل الآية الكريمة:
﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ (النساء: 21)

استثمر في المعروف، وستجد أن زواجك يستمر ويزدهر برحمة الله ومودته، حتى لو خفتت أضواء الإعجاب الأولى.