الحماة والزوجة والزوج … تكامل أم صراع في الأدوار والمشاعر
7 ديسمبر، 2025
بناء الأسرة والمجتمع

بقلم : د. محمد جمال أبو سنينة
مدير المركز القانوني لفض النزاعات
الخبير بمجمع الفقه الإسلامي بكندا
قاضي محكمة الاستئناف الشرعية سابقا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى أزواجه وآله وصحبه أجمعين ومن والاهم إلى يوم الدين.
لقد فشت وانتشرت الخلافات بين الزوجات والحموات، وفي الحقيقة فإن هذه المشكلة زائفة لا أساس لها أوقد نارها الإعلام المسموم بأفلامه ومسلسلاته من جهة، والتراث الشعبي بأمثاله وحكاياته من جهة أخرى، والأهم من ذلك هو البعد عن اتباع منهج الله سبحانه. فكثير من المشكلات التي تنشأ بين الزوجات والحموات حلها بسيط، تملكه الزوجة كما تملكه الحماة، فقد تكون أول درجة من درجات هذا الحل تحية صادقة ومصافحة حارة وابتسامة.
إن من نعم الله على خلقه نعمة الزواج، وتكوين أسرة سعيدة، وتنشئة جيل جديد، وهذه العلاقة التي تنشأ بين الزوجين يمتد أثرها ليشمل جميع أفراد أسرتيْ الزوجين، فتنشأ بين الأسرتين المودة والرحمة والتلاحم فيصيران أسرة واحدة، ولذلك حرم الإسلام بسبب المصاهرة أم الزوجة، ولا يشترط في تحريم أم الزوجة الدخول بالزوجة بل مجرد العقد عليها يحرمها، فقد جعلها الإسلام بمنزلة الأم بمجرد العقد على البنت ليقطع بذلك أية شبهة في نفس الوافد الجديد على البيت.
وعلى الرغم من هذه المكانة العظيمة للحماة في الإسلام إلا أننا نجد مشكلات كثيرة تتعرض لها البيوت بسبب العلاقة بين الحماة والزوجة وبين أم الزوجة والزوج.
وفي الحقيقة فإن مشكلة الحموات والزوجات ترجع إلى سببين:
السبب الأول: مشاعر الأزواج
كثير من الناس لديهم فكرة سيئة عن الحموات، وقد يزيد الأسلوب الذي يتعامل به كل من الأزواج والحموات هذه العلاقة أو يخففها. ومن الأسباب التي تؤدي بالأزواج إلى الضيق بالحماة حتى لو كانت تصرفاتها فوق الشبهات الأمور التالية:
• في بعض الأحيان تمثل الحماة النموذج الذي لا تستطيع الزوجة أن ترقى إلى مستواه، أو تحققه، وقد يرى الزوج أن المائدة أو الطعام الذي كانت تعده له أمه أفضل مذاقاً وأقل إنفاقاً، ولا يكون الطعام في الواقع سوى رمز لصورة الأم في نظر الزوج.
• كثير من الأزواج والزوجات يشعرون بأنهم لم يجدوا من يفهمهم أو يمنحهم التقدير في طفولتهم، ولذلك ينظر الزوج أو الزوجة إلى الحماة في صورة الأم التي نغصت عليهم حياتهم في مرحلة طفولتهم، كنوع من تحويل مشاعره تجاه الأم إلى الحماة وبذلك تصبح الحماة كبش فداء.
• ميل الأزواج والزوجات إلى توجيه اللوم إلى الحماة واعتبارها مسؤولة عن كل ما يحدث من متاعب بين الزوجين، فتأخر الزوجة في إعداد العشاء يرجعه الزوج إلى سوء تدريب أمها وإعدادها للحياة الزوجية.
السبب الثاني: مشاعر الحموات
كثير من الحموات تشعر برفض ومقاومة لا شعورية وتوترات نحو الأشخاص الذين يتزوجون من أولادها. وقد تؤثر في الحماة وتؤدي إلى اضطرابها إلى مشاعر مختلفة منها:
• يعتبر الأبناء الكبار استثماراً نفسياً هائلاً، ولذلك لا تشعر الحماة دائماً بالفرحة والابتهاج نحو الأشخاص الذين سلبوا منها أولادها.
• من ناحية أخرى فإن الحماة التي كرست ووهبت نفسها للإشراف على أولادها ورعايتهم لسنوات طويلة، يتعذر عليها بعد كل ما بذلت من جهد أن تسلم بأن مثل هذه الفتاة الساذجة التي لم تتحمل في حياتها قسطاً من المسؤولية، جديرة بالعمل الجاد ورعاية ابنها، أو ترى أن هذا الشاب الباهت الشخصية غير أهل لرعاية ابنتها والوقوف إلى جانبها.
• كثرا ما تختلف الحماة مع زوجة الابن أو زوج البنت في بعض الأفكار والقيم والمعايير، ورغم ذلك تكون تصرفاتها وعاداتها وميولها السوية من العوامل التي تؤدي إلى نوع من التفاهم والمودة.
أطراف المشكلة:
هذه الخلافات ينبغي أن ننظر إليها من عدة جوانب أساسية تتعلق بالأم “الحماة”، والزوجة، والزوج، فقد يسهم كل منهم بجانب في المشكلة، أو يسهم في حلها.
• لا يستطيع أحد أن ينكر مشاعر كل أم نحو فلذة كبدها الذي كانت سبب وجوده، ذلك الجنين الذي حملته بين أحشائها، ووضعته، وربته، وقضت كل أيام حياتها ترقبه وهو ينمو ويكبر، حتى صار رجلاً.
تعلم الأم دائماً أن هذا اليوم آت، ولكنها لم تستعد له أبداً، ولم تعوِّد نفسها مثلاً على أن تغير من نظرتها إلى ابنها بعد أن كبر وأصبح رجلاً.
فهي لم تعلِّمه الاعتماد على نفسه، بل وتتعب نفسها دائماً في عمل كل شيء له حرصا على راحته، وإذا ما حاول أن يفعل بنفسه شيئاً فهي تمنعه وتسرع إلى فعل ذلك الشيء، حباً وشفقة وتدليلا له، ومن ناحية أخرى لم تعلِّم نفسها الخروج من حياته الخاصة، فهو ما زال في نظرها الطفل الصغير المدلل الذي يحتاج لرعايتها.
إن أخشى ما تخشاه الأم التي لا تلبث أن تتحول إلى حماة بعد زواج ابنها أو ابنتها أن تفقد ما كان ملكاً لها وحدها لا ينازعها فيه أحد، وهي خشية لها ما يبررها لأنها تعلم أن أسلحتها المحدودة لن تستطيع الصمود أبداً أمام أسلحة منافسيها؛ عروس ابنها الشابة أو زوج ابنتها الجميلة الذي اختارته من بين العشرات الذين تقدموا إليها، ولو أن الفتاة أميل إلى التعلق بوالديها وبأمها بصفة خاصة من الفتى قبل الزواج وبعده.
إننا لا نستطيع أن نغفل هذه المشاعر والأحاسيس التي يفيض بها قلب كل أم، وعلى كل زوجة ابن أن تتفهمها.
على الزوجة أن تسأل نفسها عن مشاعرها نحو أمها، ومشاعر أمها نحوها؟
هل تغيرت هذه المشاعر أو تبدلت بعد زواجها؟
إن واقع الأمر يخبرنا بأن كثيراً من مشكلات البيوت الناشئة إنما هو نتيجة لشدة ارتباط البنت بأمها حتى بعد زواجها، فهي تريد أن تذهب إلى زيارة أمها كل يوم، أو تحدثها بالهاتف في اليوم الواحد أكثر من مرة، وتريد أن تسيِّر بيتها الجديد بالطريقة نفسها التي كانت ترى أمها تمارسها في بيتها، وكثيرا ما نرى الأم ترغب في ذلك.
ولابد أن تعلم الأم أن الأمومة ليست امتلاكاً للأبناء، بل إن أسمى معاني الأمومة هو العطاء الذي لا ينقطع أبداً؛، ولا بد أن تدرك كل أم أن ابنها عندما يتزوج فإنه يدخل بذلك في مرحلة جديدة، لها ظروفها الخاصة، ويصبح من حقه أن يكون له بيت مستقل، وحياة خاصة.
• هل العلاقة بين الحماة وزوجة ابنها أو زوج ابنتها ميدان منافسة؟
إن هناك عدة عوامل تسبب هذا النفور الذي ينشأ عادة بين الأم من جهة، وبين زوجة الابن أو زوج البنت من الجهة أخرى.
وفي مقدمة هذه العوامل الرغبة التي تسيطر على الأم في التملك، فهي تؤمن بأن أولادها ملك لها وليس من حق أي إنسان آخر أن ينتزعهم منها.
هذا بالإضافة إلى الشعور المتوارث بكراهية الحماة، سواء كانت أماً للزوج أو الزوجة، فزوجة الابن بدورها لا تريد أن يشاركها إنسان آخر في حب زوجها، حتى ولو كان هذا الإنسان أمه، إنها تحرص على أن يكون اهتمامه كله موجهاً إليها وحدها، وتفكيره كله لا يشغله غيرها.
إن كثيراً من مشكلات البيوت الجديدة ينشأ بسبب الفهم الخاطئ لحقيقة الزواج، فالزوجة تريد أن تسيطر على زوجها في كل شيء، بل تريد أن تعرف كل دقائق حياته، بحيث تتولى هي مسؤولية إدارة هذه الحياة، إنها تريد أن تمارس الدور الخاطئ نفسه الذي كانت تقوم به بعض الأمهات اللائي لم يتركن فرصة لأبنائهن للاعتماد فيه على أنفسهم.
نعم إن للزوجة حقاً في زوجها، وهو لا شك حق كبير، ولكن ليس معنى ذلك أن يطغى ذلك الحق على حقوق الآخرين، والمسلم مطالب بإعطاء كل ذي حق حقه، وإذا فرط في أي حق من الحقوق الواجبة عليه فهو مقصر.
ورحم الله تلك المرأة العابدة التي كانت تحث زوجها على طاعة أمه فتقول له: “أقسمت عليك ألا تكسب معيشتك إلا من حلال، أقسمت عليك ألا تدخل النار من أجلي؛ برَّ أُمك، صل رحمك، لا تقطعهم فيقطع الله بك”.
كما إن على الزوجة الصالحة أن تطرد من مخيلتها تلك الصورة المشوهة للحماة، وتعتبر أن أم زوجها هي بمثابة أمها، فإن أخطأت تجاهها يوماً فلتعاملها بمثل ما تعامل به والدتها عندما تخطأ في حقها.
• لا يمكن أن نغفل مسؤولية الزوج، وأهمية دوره في هذا الأمر، فالواقع أن جانباً كبيراً من الخلافات التي تقع بين الزوجة وحماتها سببه الزوج نفسه الذي لا يعرف كيف يجمع بين واجباته نحو زوجته وأطفاله وبيته الجديد، وواجباته نحو والديه وإخوته، وأمه بصفة خاصة، ثم بين واجباته نحو عمله ومصدر رزقه وعلاقاته بزملائه وأصدقائه.
فكثيراً ما يحاول الرجل إرضاء أحد هذه الأطراف على حساب الآخرين دون أن يشعر بذلك بسبب ضيق وقته، وكثرة شواغله، أو قلة خبرته في أمور الحياة، أو ربما حرصه على إرضاء الجميع في وقت واحد، فتكون النتيجة أن يخرج من محاولته دون أن يرضي أحداً.
إن الكياسة والفطنة توجب على الزوج أن يتعقل أموره، وأن يحرص على الموازنة بين ما يطلب منه، ووقته الذي يملكه، فلا يصب كل اهتمامه في ناحية واحدة، ويترك الأخرى، بل عليه أن يوزع وقته وجهده على كل التزاماته، فلا يفوته شيء منها، وإن كان لا يستطيع أن يصل إلى الكمال في شيء منها، ولكن بحسبه أن يغرس في كل بستان زهرة.