موالد الصالحين بين ذكر الله وتشويه الجهال


بقلم الدكتور : طه عبد الحافظ أحمد الوزيري
دكتوراة فى الدعوة والثقافة الإسلامية – جامعة الأزهر الشريف

في هذا المقال:

هل الاحتفال بموالد الصالحين منكر يجب النهي عنه؟
هل التصوف يحث على المخالفات الشرعية التي نراها في الموالد؟

الاحتفال بمولد عالم أو عابد بين الآمرين والمنكرين:

* إن هناك من يجعل الاحتفال بمولد بعض الصالحين أساسا من أسس الدين
* وهناك من يجعل نفس الاحتفال انحلالا وزندقة!

ونرى من الفريقين الاتهامات المتبادلة، وفي كثير من الأحيان بذاءات متبادلة!

ومن الممكن لو أعطى كل واحد منهم فرصة يسمع لصاحبه لوصلنا إلى نقطة اتفاق في المسألة.

الأول: يشجع الاحتفال بالمولد، وفي ذهنه الدعوة إلى الخير والالتزام بمنهج المحتفى به، وقراءة القرآن والاستماع إلى حديث العدنان…

والثاني: ينهي عن الموالد ويتهم بالزندقة والبدع، وفي ذهنه هؤلاء المخمورين والعرايا…
ولو استمع الأول للثاني ربما شاركه في النهي عن هذه الصور التي شوّهت جمال الإسلام وتكاد أن تطيح بعظمته عند الكثيرين.

ولو استمع الثاني للأول ربما شاركه في الاستماع للقرآن الكريم واختيار الشيوخ الواعظين.

إذن هذا وذاك يتحدث عن المولد، والاختلاف بينهما أن كل واحد منهما يتحدث عن صورة غير الصورة التي يتحدث عنها الآخر.

من الناحية الفقهية:

هل يجوز شرعا الاحتفال بمولد عالم أو عابد؟

إذا كان الاحتفال مقيدا بأحكام الشرع، داعيا إلى الالتزام بنصوص الشرع، فلا يوجد نص من كتاب أو سنة يحرّم أو يكرّه ذلك.

بل نصوص الشرع قد يستأنس بها في تشجيع هذه الصور من الاحتفال، فالرسول الكريم المشرِّع –صلى الله عليه وسلم- كان يصوم يوم مولده، أي: كان يحتفل يوم مولده بالصيام، فلنا أن نحتفل بيوم مولده أو مولدنا أو مولد صالح أو عالم بأي نوع من أنواع القرب، النبي –صلى الله عليه وسلم- احتفل صياما ليدّلل على الجواز، وقراءة القرآن من جنس القربات، وكذلك التذكير بالله، والدعوة إلى الخير، والتعاون على البر والتقوى….

لقد صام النبي –صلى الله عليه وسلم- اليوم الذي نجى الله فيه موسى من فرعون حين رأى اليهود يصومونه، ورأى أننا أحق منهم بالاحتفال بنبي الله موسى
والله يقول: “وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ” مريم آية (15).
و: “وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ” مريم آية (31).

هل التصوف يقر مخالفات الموالد؟

أما ما نراه في الموالد من اختلاط ماجن بين الرجال والنساء، وتناول ما حرّم الله –تعالى، وتضييع الفرائض، ونوم النساء في الشوارع، فهذا لا يقرّه عاقل، وشيوخ التصوف الحقيقي أول من ينكر ذلك، وقد جالست الكثير من مخلصيهم فكلّهم كان يشكو إلى الله ما وصل إليه أدعياء الإسلام، والإسلام من فعلهم براء، يقول الدكتور الصوفي سعيد أبو الأسعاد: “وهنا نقرر أنه لا اعتبار لما يفعله الجهلة من أنواع العبث، فهو آفة هذه المحافل ولا بد من كفاحه بكل الوسائل، ونحن هنا نتحدث عن المشروع لا عن الممنوع” (البيان الجازم أن التصوف لتزكية الانسان نهج لازم ص530).

وللشيخ عمران -رحمه الله- (شيخ الشاذلية) كلام شديد اللهجة في محاربة ما يكون بالموالد من بدع، حيث يقول: “ومن قبيح بدعه الموالد (ولا يقصد اصل الاحتفال بل ما يصحبه من مخالفات) التي تقام سنوية للشيوخ فيقولون: مولد الفرغلي، مولد الجلال، مولد البدوي مثلا لا لذاتها، فإن قراءة الموالد طاعة وقربة ولكن لما اشتملت عليه من اختلاط الرجال بالنساء، ووجود المومسات عاريات للرجال راقصات على مرأى ومسمع، والفاسدون يذهبون إليهن للفاحشة، وكذلك المبتدعون من أهل الطرق المتفعلون الولاية والصلاح، الدّجّالون الذين يدلِّسون على عوام المسلمين بضرب لسان وأكل نار ولبس زي وغير ذلك، فترى المولد ما هو إلا موسم فسق، فلو أن أولي الأمر قاموا على الموالد بتطهيرها من هذه التدنيسات لكانت الموالد قربات لا غير، ولكنهم أهملوها فكانت ضلالات والأمر لرب السماوات من فظيع تفعلاتهم”
(نور البيان في الكشف عن بدع آخر الزمان ص111 للشيخ صوفية أسيوط الشيخ/ عمران أحمد عمران).

فحينما يأتي من يقول: إن الصوفية وشيوخ التصوف يباركون الفسق والفجور في الموالد، نقول له: كذبت.

ولعل المنكرين للموالد لهم عذرهم، فحين تمشي في المولد تجد في كل خطوة مخالفة لسنة النبي –صلى الله عليه وسلم- باسم الولي والتصوف والشيوخ العارفين..
حتى في المأكل والمشرب وتقديم الدخان وما فوقه للقادمين كنوع من أنواع الواجبات والفرائض..

وهذه الكثرة الكاثرة التي تأتي من كل مكان ولا يصلي منهم إلا القليل!

وإذا كان العامة لهم عذرهم في الإنكار فوجب على العلماء من المنكرين أن تكون عندهم أمانة علمية وإنصاف في الخطاب من ناحية، ومن ناحية أخرى لو وُجد من يرضى بهذه الأفعال ويدّعي العلم والمشيخة يحاجونه بأصول التصوف ومنهجه.

وكذلك شيوخ التصوف لا بد أن تكون لهم وقفة حقيقية ويعلنوا إنكارهم ذلك للعامة والخاصة، وفي مجالسهم العامة والخاصة.