غياب الرحمة في زمن القسوة.. حين تجفّ القلوب وتغيب المعاملات الطيبة


المقال  من سلسلة :  سألنى أحد المريدين ( المحبين ) .
بقلم الكاتب والداعية الإسلامى الدكتور : رمضان البيه

 

عندما ننظر لما يحدث بين الناس في المجتمع وأحوالهم وخاصة فيما يتعلق بالمعاملات فيما بينهم نرى العجب بل عجب العجاب ونوقن أننا في آخر الزمان وأن الدنيا اشرفت على الرحيل .

لقد أصبحت المعاملات بين معظم الناس جافة خالية من الحب والأدب والإحترام ، أصبحت في منتهى السوء ، بين أبناء الأسرة الواحدة نجد عقوق الوالدين والجفاء بين الأخوة والاشقاء وضياع الخقوق وخاصة فيما يتعلق بميراث الإناث .

وفي العائلة نجد ان صلة الأرحام قد تقطعت بين كثير من العائلات ، بين الجار وجاره أحقاد وحسد وغيرة وتشاحن ، بين الرئيس في العمل ومرؤسه وبين الزملاء في العمل غاب الحب والتعاون وتفشت الغيرة والحسد والصراعات على الكرسي والدرجة ، بين الناس بعضها البعض في الشارع المعاملات أصبحت سيئة للغاية حتى تظن أنهم اعداءا . الأصوات عالية والصخيب ملأ الشوارع وتحس إن الناس مش مستحملة بعض وكأنهم بيتلككوا لبعض .وهكذا في كل مناحي الحياة ..

لقد غابت الرحمة وغاب الحب وهما روح وأساس الحياة الكريمة الطيبة لأي مجتمع . ومعلوم أن هذه الأحوال السيئة المزرية سببها الرئيسي ” البعد عن منهج الله تعالى القويم وهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله ” .

هذا بالإضافة إلى تمكن حب الدنيا في نفوس معظم البشر وهو مانتج عنه الأطماع والصراعات والأنانية والحرص والبخل والتكالب على الدنيا والإستهانة بحرمة الدماء وحرمات الآخرين ونسيان الموت والحساب والآخرة .

ولكم حذرنا الله تعالى من مغبة الخروج عن منهجه وشريعته الغراء وكم حذرنا من حب الدنيا وفتنها ومن إتباع الشيطان والأنقياد خلف الأهواء والشهوات وحظوظ الأنفس .وكم حذرنا أيضا الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله من مخالفة أمر الله تعالى ونبذ كتابه الكريم الذي نظم حركة الإنسان في رحلة الحياة . هذا ومن المعلوم أن الدين له أسس ثلاث يقام عليها . وهي ” العقائد والعبادات والمعاملات ” .

وخلاصته تتجلى في المعاملات لقول الرسول الكريم ” الدين المعاملة ” ‘ أي’ حسن وطيب المعاملات بين الناس ومعهم .هذا ولا قيمة لعقيدة لا يصحبها عبادات وطاعة لله تعالى . ولا قيمة أيضا لعبادات لم تثمر حسن وطيب المعاملات .هذا وعندما أرسى الله تعالى للدين قواعد خمس كان الغاية منها تزكية النفس وتطهير القلب وسمو الروح حتى تصح المعاملات بين الناس بعضها البعض ..

فمثلا ركن الصلاة الغاية منه الوصول إلى الطهر والتطهير والبعد عن الرزيلة والفواحش بكل صورها وأشكالها وكل ما يتنافى من الفطرة النقية والعقل الراشد السليم لقوله تعالى ” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ” ..

بالإضافة إلى أقامة حلقة الوصل والإتصال بالله عز وجل حتى يفتح للعبد باب العون والمدد والإمداد . هذا وركن الزكاة الغاية منه تزكية النفس وتحريرها من أسر البخل والشح والحرص والطمع والأنانية بالإضافة إلى التكافل الإجتماعي وزرع المحبة بين الفقير والغني .

هذا وركن الصيام الغاية منه الإرتقاء والسمو عن العالم المادي وحكم واسر العادات والتشبه بالعالم الملائكي وتغذية الروح والسمو بها إلى عالم الروحانيات بالإضافة إلى تدليل العبد على صدقه في محبة ربه تعالى ومولاه بإنقطاعه عن سببين من أسباب الله طاعة وحبا وإمتثالا لأمر واهب الحياة سبحانه وتعالى .

هذا وركن الحج ذلك الركن المشروط بالإستطاعة الغاية منه تجرد العبد من متاع الدنيا وتلبية دعوة الحق عز وجل لزيارة بيته الحرام .والإقبال على الله تعالى بعد طرح الدنيا من قلبه ومن وراء ظهره ملبيا بلسان حاله وقلبه ..

هذا ولقد كان من حكمة الله تعالى في كل ما شرعه سبحانه من خلال الدين ضرورات خمس وهي ” حفظ الدين / حفظ العقل / حفظ المال / حفظ النفس / حفظ النسل ” وكلها الغاية منها الحفاظ على الإنسان وحفظ الحقوق بين البشر وحفظ الدماء وحفظ الأعراض ولا يتحقق ذلك إلا بالإلتزام بأوامر ونواهي وأحكام وتعاليم وقيم وأخلاقيات منهج الله تعالى وشريعته وهدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله والتمسك بسنته الرشيدة ..

يا سادة إنتبهوا وراجعوا أنفسهم في أحوالكم وأحسنوا لأنفسكم وللناس من قبل أن يأتيكم يوم لا ينفع فيه الندم ..هذه تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..