فقهُ البكاءِ
11 نوفمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : محمود البردويلي المالكي
قد يستغرب البعض هذا المصطلح؛ لأنه غير مألوف، ولكن نعم، للبكاء فقهٌ.
والفقه في الأصل هو معرفة ما يلحق بالأشياء من أحكامٍ شرعية، فهل للبكاء فقه؟
الجواب: نعم، للبكاء فقه.
وقبل الشروع في البيان، أنبّه إلى أن كلامي محصور
في البكاء من خشية الله تعالى.
أولًا: أحكام البكاء :
١. داخل الصلاة:
يُغتفر البكاء فيها، سواء كان بصوتٍ أو بغير صوت.
وفي ذلك قال الإمام الأخضري في فقه العبادات:
> «بكاءُ الخاشع مغتفر».
٢. خارج الصلاة:
البكاء خارجها جائزٌ كذلك، بل هو من دلائل حياة القلب.
ثانيًا: التباكي :
والتباكي هو استجلاب البكاء ليرقّ القلب عملًا بحديث :
> «إن لم تبكوا فتباكوا».
وله حالتان أيضًا:
* الأولى: داخل الصلاة
إن كان عمدًا وبصوتٍ يَخرج معه حرفٌ، بطلت الصلاة؛ لأن إخراج الحروف يُعد كلامًا، والكلام العمد في الصلاة مبطل.
وإن كان سهوًا، فإن كان يسيرًا سجد للسهو، وإن كثر بطلت صلاته.
* الثانية: خارج الصلاة
يُستحب التباكي خارج الصلاة، لأنه من أسباب رقة القلب وخشوعه.
ثالثًا: مواطن البكاء
لا شك أن القرآن الكريم له أثرٌ بالغ في الأرواح،
والروحُ الصافية تفيض بالدمع عند سماعه،لكن على المسلم أن يعرف فيما يبكي، وإلا صار بكاؤه مجرّد عادةٍ لا عبادة.
فما الداعي أن يبكي المرء عند قوله تعالى:
> {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ…}
وقد حدث بالفعل أن بعض الناس يكرر الآية، ولا يستطيع إكمالها، ويقول: “نفففف”،
ما هذا العبث؟!
وأعجب من ذلك من يبكي عند قوله تعالى في شأن فرعون:
> {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ}
فيقول أحد مشايخنا متعجبًا:
أهو حزينٌ على فرعون؟
أم حزينٌ من فعل الله بفرعون؟ أم ماذا؟!
وللقرآن دلالاتٌ دقيقة تُفهم من نبرة التلاوة وسياق الكلمات،
فقد تكون الكلمة واحدة، ويختلف معناها باختلاف استعمالها، فمثلًا:
ما الموصولة: كما في قوله تعالى
> {فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ}
تُقرأ بنبرةٍ فيها إخبارٌ وسرد.
ما الاستفهامية: كما في قوله تعالى
> {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}
تُقرأ بنبرةٍ فيها استفهامٌ وتعجّب.
خاتمة:
فعلى المسلم أن يكون بصيرًا بهذا الفقه، فقيهًا في البكاء والتلاوة،وليحرص على قراءة تفسيرٍ مختصرٍ
يعينه على الفهم،كـ صفوة البيان لمعاني القرآن
للشيخ مخلوف، أو التفسير الواضح للشيخ الصابوني.