حرب أكتوبر غيرت المفاهيم والاستراتيجيات العالمية
4 أكتوبر، 2025
أخبار العالم الإسلامى

بقلم الاستاذ الدكتور: نعيم شرف ـ العميد السابق لكلية
الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر
نظرا لأهمية موقع مصر الاستراتيجي، الذي يتوسط قارات العالم، ووجود المجرى الملاحي العالمي قناة السويس الذي يمر منه تقريبا ثلث تجارة العالم، وأيضا الموارد المائية، التي تشمل البحار، والبحيرات، ونهر النيل، بمياهه العذبة، وما تحتويه بلادنا من المعالم السياحية، والتاريخية، والكنوز الأثرية العديدةنظرا لكل هذا وغيره من الكثير :
فإن مصر كانت- ولا تزال- مطمعا سياسيا، ومغنما اقتصاديا للغزاة، والطغاة، والمعتدين، واللصوص منذ فجر التاريخ، وعلى مر الزمان، وكرِّ الدهور، ومن المعلوم أن تراب مصر كان مقبرتهم جميعا، بداية من هجوم الهكسوس، مرورا بالصليبيين، والمغول، والتتار، والحملات الفرنسية، والإنجليزية، والعدوان الثلاثى 1956، وعدوان يونيو 1967، وانتهاء بحرب أكتوبر المجيد 1973، التي أعطت مصر من خلالها درسا قاسيا لإسرائيل ومن يدعمها، وأعلنت فيها عن بسالة الجندي المصري، وقدراته الحضارية الكامنة فيه، من آلاف السنين؛ حيث العقيدة القتالية، والخبرة الواسعة في إدارة الحروب، والصمود في وجه المعتدين، الآثمين، ببذل الروح والدماء ضد كل من تسول له نفسه العبث بأمن مصر، وسلامة أهله، وأرضه.
وستظل الملحمة التاريخية العظيمة لانتصارات أكتوبر شاهدة على البطولة، والعطاء، والتضحية في سبيل التحرير، واستعادة عزة العرب، وكرامتهم، وتطهير أرض مصر المقدسة، مصر الكنانة، بشعبها العظيم، وذلك بانسحاب آخر جَحْشٍ صهيوني من سيناء الحبيبة، في 25 أبريل من عام 1982 عدا مدينة طابا التي اسْتُرِدَّتْ بالتحكيم الدولي في مارس 1989م وفقا لمعاهدة كامب ديفيد، وتلكم كانت ملحمة التحرير والسلام، ذكرى النصر والفخر والعزة والكرامة وسيظل هذا الانتصار العسكري الهائل شعلة مضيئة في عقل كل مصرى، ووجدانه على مر الأعوام، وكَرِّ الدهور .
ومصر العزيزة الأبية لن تكون أبدا مطمعا، أو مغنما لمخططات الشياطين الكبرى، الملعونة، التي تقودها أمريكا وإسرائيل بتغيير خريطة الشرق الأوسط، وقيام دولة إسرائيل الكبرى، من خلال تهجير الفلسطينيين إلى أرض سيناء، وتفكيك مصر عن طريق الجماعات المتطرفة، وبث الفتن، والإشاعات؛ لإدخال مصر في نفق مظلم.
ولقد بدأت خططهم الدنيئة المنحطة منذ عهد بعيد، نذكر منها مثلا ما حدث في خلال الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1917 حيث أصدرت الحكومة البريطانيّة وعد بَلفُور المشؤوم، يعلنون فيه دعم تأسيس وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، دعما سياسيا قويا للصهيونية، وأن البريطانيين سيبذلون غاية جهدهم لتسهيل تحقيق هذه الغاية، دون أدنى مراعاة لحماية الحقوق الإنسانية والسياسيّة للعرب الفلسطينيِّين؛ مما تسبَّب في قيام الصراع العربي الإسرائيلي منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
وفي عام 1947، خرج قرار من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، إحداهما يهودية، والثانية عربية، وعقب ذلك بدأت هجرة اليهود، وتوالت إلى أرض فلسطين؛ زاعمين أنها الأرض الْبَهِيَّة المختارة، أرض الميعاد، التي يرعاها الإله، لكن الحقيقة أنهم كانوا يبحثون عن وطن آمن في أعقاب ما عرف بمحرقة (الهولوكوست) في الحرب العالمية الثانية.
ومن المعلوم تاريخيا أن فلسطين عربية خالصة، حيث لم يكن لليهود وجود أصلا حين سكنها العرب في عصور ما قبل التاريخ، وتحديدا في العصر البرونزي، وأن العرب قد سبقوا الجميع في الحياة على أرضها، واستقروا فيها، واستصلحوا أراضيها، وزرعوا النخيل، والأشجار، والمحاصيل، وبنوا البيوت، وهذا من شأنه تعزيز المطالبات العربية الفلسطينية بالأرض، ومواجهة الحجج الإسرائيلية الصهيونية بحق الدولة الفلسطينية في كامل أرضها، التي هي ملك للعرب ضمن أرض الجزيرة العربية التي ينطق كل شبر فيها بالعروبة، ففي جنوبها أرض عاد {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} وأرض سبأ الذي كان {في مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } وفي شمال جزيرتنا أرض ثمود، وإلى الأعلى أرض مدين..
إن فلسطين عربية طاهرة مقدسة مباركة، زارها نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي أرضها المسجد الأقصي، أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين، يُسَنُّ شد الرحال إليه، وزيارته، والصلاة فيه، قال جلَّ في عُلاه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} صدق الله العظيم.
ومن المعلوم أيضا أن الصهاينة الأنجاس شعب غليظ الطبع، قاسي القلب، سَمِج الخُلُق، شديد العناد، عاشوا على الطغيان عقودا، طبيعتهم الغدر، ومن خصائصهم الدم، ونقض العهود والمواثيق، يعيشون على الإرهاب، واغتصاب الأرض، وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاضطهاد، والظلم، والتمييز العنصري، وممارسة أساليب السيطرة التي تشكل انتهاكات كبرى للقانون الدولي، وحقوق الإنسان، وارتكاب العديد من المذابح في حق الفلسطينيين أصحاب الأرض، كمذبحة دير ياسين في 1948، ومذبحة قلقيلية في 1956، وخان يونس في 1956، وصبرا وشاتيلا في عام 1982 ، وغيرها كثير، وهم الآن يُحَطّمون كل الأرقام القياسية في انتهاك كل الحقوق الإنسانية، يقتلون الآلاف، ويرتكبون المجازر، والتعذيب، وقتل الأطفال، وهدم البيوت على رأس العائلات، والنقل القسري للسكان، والإبادة الجماعية لأهلنا في غزة، وكل هذه الانتهاكات الصهيونية الغادرة تتم تحت وصاية بل حضانة وحماية من أمريكا التي تُشهِر حق الفيتو في كل مناسبة لحماية وجوه الصهاينة القبيحة.
فيا أيها المسلمون، لا بُدّ من العودة إلى ديننا، وأن نتخلق بخلق الإسلام، ونعلم أن راية الحق هي وحدها التي تجمع الشمل، وتعيد الأرض المغتصبة، فإذا كنتم يا أيها الصهاينة المغتصبون تملكون السلاح والعتاد، فنحن نملك العقيدة القتالية، والإيمان برب الأرض والسماء، ولقد اقترب الوعد الحق، اقترب موعد زحف المسلمين إلى أرض فلسطين، إلى بيت المقدس في موكب الفاتحين لقهر الجبناء، المفسدين في الأرض، المسفكين للدماء المسلمة البريئة الطاهرة، سنطردكم من أرضنا، من الأرض المقدسة، أرض الأنبياء، وبوابة الأرض إلى السماء؛ وقد زارها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج، وعاش على أرضها الرسل والأنبياء، منهم سادتنا: إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط ويوسف وداود وسليمان وزكريا ويحيي وعيسى، عليهم جميعا الصلاة والسلام.
سنطردكم كالكلاب الشاردة الضالة من الأرض المقدسة المباركة، ستهزمون، وتولون الدبر، وسَتُهْدم هياكلكم، وتُدَمّر أسلحتكم، وما ذلك على الله بعزيز، وهيهات هيهات، فجميع المصريين الشرفاء على قلب رجل واحد خلف قائدنا الحر، البطل، الهمام، المقدام عبد الفتاح السيسي، عاشت مصر الكنانة وشعبها العظيم حُرَّةً، أبِيَّةً، مستقلة، قوية، عزيزة، كريمة، آمنة، مطمئنة، خالدة بإذن الله تعالى، وحوله، وقوته، إنه نعم المولى ونعم النصير.