مخ سم على جسم شيطان


بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة

 

من يتأمل في سلوك قادة الكيان عبر التاريخ يكتشف أن هؤلاء ليسوا مجرد سياسيين يمارسون الخداع لتحقيق مصالحهم، بل هم تجسيد حيّ لوصف “مخ سم على جسم شيطان”. عقل مسموم لا يعرف إلا المكر والخيانة، وجسد غارق في القتل والبطش، فلا عهد لهم يُحترم، ولا اتفاق يُصان.

منذ أن زُرع الكيان في قلب الأمة العربية عام 1948، وهو يعيش على نقض التعهدات. فالهدنات التي عقدوها بعد النكبة لم تلبث أن تحولت إلى غطاء لمزيد من التوسع والاغتصاب. ثم جاء العدوان الثلاثي عام 1956 ليكشف الوجه الحقيقي لكيان لا يعرف لغة المواثيق. وبعد نكسة 1967، ورغم القرارات الدولية التي ألزمتهم بالانسحاب من الأراضي المحتلة، ظلوا يناورون ويماطلون حتى اليوم، ليبرهنوا أن التزامهم بالقانون الدولي ليس سوى خدعة.

في كل محطة تاريخية، يظهر نمط واحد متكرر: وعد زائف يتبعه غدر سافر. في كامب ديفيد، وقّعوا على السلام ثم خرقوه مرارًا عبر الممارسات الاستيطانية واعتداءاتهم المتكررة. وفي أوسلو، وعدوا الفلسطينيين بدولة مستقلة وحقوق مشروعة، فإذا بهم يحولون الضفة إلى جزر محاصرة، ويضاعفون المستوطنات، ويحوّلون غزة إلى سجن كبير. حتى التفاهمات الأخيرة لوقف إطلاق النار غالبًا ما تتحول إلى حبر على ورق، يطحنه الصهاينة تحت أقدام دباباتهم.

وليس غريبًا أن يكون الغدر سمة متوارثة بينهم؛ فالتاريخ يشهد أن حاخاماتهم أنفسهم يبررون نقض العهود مع غير اليهود، ويعتبرونه “واجبًا دينيًا” إن كان في ذلك منفعة لهم. هكذا تتشكل عقيدتهم: ديانة مشوهة مسيّسة، وعقلية استعمارية استعرت بالدماء، وقيادات لا تعرف سوى لغة الخداع.

أما جسد الشيطان الذي يحمل هذا العقل المسموم، فهو آلة القتل التي لا تتوقف. قادة الكيان يفاخرون بترسانتهم النووية، ويهددون بها جيرانهم، ويستخدمون أحدث الأسلحة المحرمة دوليًا ضد المدنيين. الأطفال في غزة ولبنان وسوريا صاروا وقودًا لآلة حربهم، بينما يدّعي قادتهم في المحافل أنهم ضحايا. أي نفاق أشد من هذا؟

وإذا نظرنا إلى الداخل الإسرائيلي، نجد أن قادتهم يسيطرون على مجتمعهم بالخوف والكراهية. كل زعيم جديد يزايد على سابقيه بارتكاب المزيد من الجرائم لإرضاء المستوطنين المتطرفين. بنيامين نتنياهو مثلًا، نموذج للسياسي الذي يهرب من قضايا الفساد عبر إشعال الحروب. مناحم بيجن وقبله بن غوريون، ومن بعدهم شارون وأولمرت، كلهم على نهج واحد: البقاء بالدم فقط.

ورغم محاولاتهم المستمرة لتزييف صورتهم أمام العالم، إلا أن الحقائق تفضحهم: أكثر من 80% من تعهداتهم الدولية لم تُنفذ، ومئات القرارات الأممية تُركت معطلة بسبب تعنتهم. حتى حلفاؤهم في الغرب بدأوا يوقنون أنهم شريك غير جدير بالثقة، لكنه مدعوم خوفًا من نفوذهم المالي والإعلامي.

إنهم كالأفعى التي تغير جلدها لكنها لا تغير سمها. قد يتحدثون عن السلام، لكن أنيابهم تقطر دمًا. قد يتغنون بالديمقراطية، لكنهم يمارسون أبشع أشكال الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. قد يدّعون الحضارة، لكن سلوكهم يفضحهم ككيان لا يعرف سوى الغدر.

ولا يتوقف السم عند حدود الشرق الأوسط، بل يمتد عبر ازدواجية صهيونية مكشوفة: ففي الغرب يظهرون كدعاة ديمقراطية وحداثة، يبتسمون في المؤتمرات ويعزفون على أوتار الحرية وحقوق الإنسان، بينما في الشرق الأوسط يكشفون وجههم الدموي الحقيقي، فيمارسون القتل والتهجير والحصار. هم يتحدثون عن القيم الأوروبية والأمريكية في المحافل الدولية، لكنهم في الواقع يقدمون للعالم نموذجًا صارخًا للنفاق السياسي. هذه الازدواجية لم تعد تخفى حتى على بعض العقول الحرة في الغرب، التي بدأت تعلن رفضها لدعمهم.

ويبقى اليقين أن التاريخ علّمنا أن كل كيان بُني على الدم والخيانة مصيره إلى الزوال. كما سقطت الإمبراطوريات الظالمة من قبل، سيسقط هذا الكيان مهما علا وتجبر. وها هي المقاومة تصمد عامًا بعد عام، والوعي الشعبي يزداد، والفضائح الصهيونية تنكشف أمام العالم. إنهم حقًا مخ سم على جسم شيطان، وسيأتي اليوم الذي يتحطم فيه هذا الجسد على صخرة الحق.

إن النهاية الحتمية لهذا الكيان ليست مجرد توقعات سياسية، بل وعد إلهي وتاريخي لا ريب فيه. قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم:42]، وهي بشارة بأن الطغاة إلى زوال مهما علا جبروتهم. لقد بشرت النصوص السماوية بزوال دولتهم كما زالت دول البطش قبلهم، وأكدت سنن التاريخ أن الباطل لا يدوم.

ويكفينا أن نتأمل في نهايات الإمبراطوريات الظالمة: فالمغول الذين اجتاحوا الشرق بحديد ونار تهاووا سريعًا، والاستعمار الأوروبي الذي سيطر على العالم قرونًا خرج مهزومًا من بلادنا، والفاشية والنازية التي أرعبت الدنيا لم تستطع الصمود أمام عدالة التاريخ. وكذلك سيكون مصير الكيان الصهيوني؛ فالدولة التي بُنيت على الدماء والغدر لا يمكن أن تخلد، بل ستسقط كما سقط من قبلها كل طغاة الأرض.

إنها مسألة وقت فقط، فالحق باقٍ والباطل زائل، ولن يُكتب الخلود لشيطان مهما تجبر أو لبس ثوب القوة. واليقين أن هذا الكيان المصطنع سيُسجل في التاريخ قريبًا كصفحة سوداء طواها الزمن.