أدب الخلاف سبيل الدعوة الناجحة
16 ديسمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : محمود البردويلي المالكي
تمهيد
إن من أولى وأهم خطوات النجاح في الدعوة إلى الله الالتزام بالأدب مع المخالف، إذ هو أصلٌ دعويٌّ ثابت، ومنهجٌ ربانيٌّ لا تقوم الدعوة إلا عليه.
الموضوع
الأدب مع المخالف ضرورة حتمية لا يجوز التفريط فيها بحالٍ من الأحوال، وقد قرّر الله تعالى هذا المعنى عمليًا على ألسنة سفراء السماء، رسلِ الله الكرام عليهم الصلاة والسلام.
قال تعالى:
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾.
فتأمّل هذا الخطاب العجيب، كيف سوّى الأنبياء في أسلوبهم بين أنفسهم وبين من كفر بالله في احتمال الهدى والضلالة، مع علمهم ويقينهم بالحق الذي هم عليه، فلم يلجؤوا إلى الجزم الفجّ ولا إلى الإقصاء في الخطاب، بل خاطبوا بأدبٍ وعدلٍ وإنصاف.
وانظر إلى هدي سيدنا محمد ﷺ في دعوته إلى الله، كيف كان يدعو المخالف بالحكمة والرفق، وقد جاء الأمر الإلهي موجِّهًا لمنهج الدعوة، فقال سبحانه مخاطبًا نبيَّه ﷺ:
﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
ثم ختمت الآية بتقرير أصلٍ عظيم يضبط قلب الداعية ولسانه:
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.
وهذا الأمر وإن وُجِّه ابتداءً إلى رسول الله ﷺ، فهو موجَّه كذلك إلى أتباعه، كما قال تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.
ولم تكن رسالة النبي ﷺ تعليمًا مجرّدًا، بل كانت تزكيةً وتهذيبًا للنفس قبل بثّ العلم، قال تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾.
ومن أبهى صور أدب الخلاف بين العلماء ما رواه يونس الصدفي، قال:
> «ما رأيتُ أعقلَ من الشافعيِّ، ناظرتُه يومًا في مسألةٍ، ثم افترقنا، فلقيني فأخذ بيدي وقال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟»
الخاتمة
إن احترام المخالف وضبط اللسان عند الخلاف أصلٌ لا غنى عنه، غير أن المتأمل في واقعنا المعاصر يلحظ تفشّي التطاول في الخطاب، وهي آفة خطيرة تسللت إلى العاملين في ميدان الدعوة.
فالواجب علينا جميعًا الرجوع إلى سنن الأنبياء عليهم السلام، وكبح جماح النفس، وترك التعصّب، والتحلّي بالحكمة والإنصاف.
وأسأل الله أن يعيننا على أنفسنا، وأن يقيمنا في ميدان الدعوة على هدي الأنبياء وسننهم.