الفوضى الخلاقة في مصر والوطن العربي

 

بقلم الدكتور حاتم عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع البيئى بجامعة عين شمس 

سلسلة الدين والسياسة السماء الصافية والبحر العميق المقال السادس :

أولا: مفهوم الفوضى الخلاقة وجذورها :
يعتبر مفهوم الفوضى الخلاقة من المفاهيم القديمة والحديثة معًا بل وأتوقع استمراره في المستقبل؛ لأنه يرتبط بطبيعة النفس البشرية لدى بعض البشر، ويرتبط بالأطماع البشرية منذ بدء الخليقة، وسوف تظل مستمرة في الحياة ولعلنا نتذكر قصة قتل قابيل لأخيه هابيل؛ فالمؤامرة موجودة في تاريخ البشرية. وهذا أدعى للدراسة والاحتياط والاستعداد للتعامل مع مثل هذه المؤامرات، خاصة أن معظمها يتكرر بنفس السيناريو، وكثيرون لا يتعلمون من ذلك، ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين.

ونعود للتاريخ القديم لمصطلح الفوضى الخلاقة؛ حيث تعود جذوره إلى الفكر الماسوني بهدف إحداث تغيير متعمد لتغيير أوضاع محددة، وفى أماكن معينة؛ لتحقيق مصالح الفكر الماسوني، وهو فكر غامض لحد كبير، ويصعب الاتفاق حول هذا الفكر أو هذه المنظمة التي تعمل عادة من خلف الستار، وما يتردد عنها أنها منظمة سياسية واقتصادية سرية تسعى دائما للسيطرة على العالم من خلف الستار، وينتقدها معظم رجال الدين الإسلامي والمسيحي؛ ولذلك يشير البعض إلى أنها تنظيم صهيوني في الأساس، وفى عام 1723م كتب “جيمس أندرسون” دستور الماسونية في نحو 40 صفحة؛ يقول فيها إن الماسونية هي امتداد للعهد القديم من الكتاب المقدس، وإن اليهود الذين غادروا مصر مع سيدنا موسى هم الذين شيدوا أول مملكة للماسونيين.

والماسونية تضع شروطًا محددة لمن يريد الانضمام إليها، ثم تصنف العضوية بداخلها إلى رتب أو درجات من أسفل إلى أعلى؛ حسب الطاعة والانضباط داخل الجماعة ورضا القيادات العليا، وبعد ذلك تشكل الماسونية جماعات نوعية سربة تتبعها في العديد من أنحاء العالم؛ فمثلا الكاتب الكبير عباس محمود العقاد كتب على مسؤوليته في جريدة الأساس عدد يناير 1949 أن “حسن البنا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين جذوره يهودية من المغرب جاءوا إلى مصر مع الحرب العالمية الأولى، وأن “حسن البنا” يتبع الماسونية العالمية، كما ذكر الشيخ محمد الغزالي في كتابه موكب الدعوة عام 1952 أن الماسونية العالمية نجحت في تولي الهضيبي قيادة الجماعة؛ بل وهناك العديد من الأعضاء الآخرين داخل جماعة الإخوان ماسونيين، ويتبعون الماسونية العالمية، وسيد قطب نفسه اعترف في مقال له عام 1943 في مجلة التاج المصري بتاريخ 23 أبريل بعنوان “لماذا صرت ماسونيًا” كل هذه حقائق يسهل متابعة تفاصيلها على “جوجل” لمن يريد التفاصيل، كما يلاحظ تشابه نظام الرتب داخل الجماعة. فهل كل ذلك مصادفة الله اعلم وهذا يثير تساؤلًا عن “داعش” وغيرها من المنظمات المشبوهة .

هنا نتذكر حديث الرئيس الأمريكي ترامب عن أن أوباما رئيس أمريكا السابق وهيلاري كلينتون وزيرة خارجية أمريكا في عصر أوباما واتهمهما بوضوح انهما المسؤولان عن انشاء و نشر تنظيم داعش في الوطن العربي وانتفاضات الربيع العربي وقبل تنظيم القاعدة تم نشر الوهابية لمواجهة فكر ناصر وانتشار ( الاتحاد السوفيتى سابقاً ) روسيا حالياً كما قال مسئول كبير أي أن كل الجماعات الدينية السياسية صناعة غربية وإسرائيلية وماسونية، وبعد ذلك نجد أن مفهوم الفوضى الخلاقة ظهر مرة أخرى في كتابات ميكافيللي في كتابه الشهير “الأمير”؛ حيث قال إن الشجاعة تنتج السلم – وإن السلم ينتج عن الراحة وإن الراحة يتبعها فوضى – والفوضى تؤدي إلى الخراب – ومن الفوضى ينشأ النظام – والملاحظ أن ميكافيللي يرى أن الفوضى ستنتج خرابًا سيترتب عليه تغير النظام القائم، ونشأة نظام جديد.

وفي العصر الحديث ظهر مفهوم الفوضى الخلاقة مع السياسات الأمريكية المعاصرة في الشرق الأوسط، ويعتبر مايكل ليدن – وهو أحد أعضاء معهد أمريكا إنتبرايز المختص بالدراسات القومية والأمن القومي أول من تناول مفهوم الفوضى الخلاقة والتدمير البناء في المجال السياسي صراحة، وهى الفكرة الأساسية لمشروع تغيير الشرق الأوسط الذي تم إعداده في 2003، وذكرته صراحة كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومى الأمريكى ووزيرة الخارجية الأمريكية سابقًا؛ حينما ذكرت أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها خطة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ من خلال الفوضى الخلاقة؛ للتخلص من النظم الديكتاتورية في المنطقة وهذا يستدعى تساؤلا هاما وهو أن البلاد التي شهدت هذه الفوضى هي تقريبا دول الطوق المحيط بإسرائيل أو معادية لها فهل باقي دول المنطقة تتمتع بالديمقراطية ام مصادفة استهداف الدول المعادية للعدو وأنظمتها السياسية وبقية الدول العربية أنظمة ديمقراطية تتمتع و تنعم بالحريات وحقوق الانسان كاملة والان هل تحققت الديمقراطية في العراق وليبيا وسوريا وبقية دول الفوضى الخلاقة وهل أصبحت أحسن حالا ومن المستفيد مما حدث هل العرب ام إسرائيل كل هذه التساؤلات كفيلة بتوضيح الحقائق.

ومن العرض التاريخي للمفهوم؛ سواء في مرحلة النشأة أو العصر الحديث تتضح العلاقة وكثير من الأسرار والتفسيرات الواضحة، وإذا بحثنا في اللغة العربية عن معنى المصطلح نجد أن كلمة فوضى في “مختار الصحاح” تعني عدم وجود رئيس أو قائد فهي تعني متساوين؛ أي لا رئيس لهم أو بينهم، ومن هنا تأتي جملة شركة المفاوضة، والمعنى العام مجموعة ليس لها رئيس، وهذا بدوره يؤدي للصراع والنزاع والغرق، والمثل الشعبي يقول المركب التي ليس لها رئيسين أو لها رئيسان تغرق، كما أن الجماعة التي ليس لها رئيس أو قائد تعاني من الارتباك والتشتت وعدم الانتظام .والرسول عليه الصلاة والسلام يوصى عند السفر باتخاذ قائد فيقول صلى الله عليه وسلم: إذا سافر ثلاث أو أكثر فليؤمروا احدهم ( رياض الصالحين ص299).

وهذا ينطبق على الأفراد والعائلات والوطن؛ بل هذا ينطبق على الوطن الكبير أيضًا؛ والمثال وطننا العربي غياب مصر عن القيادة بعد “كامب ديفيد” سمح بنجاح كل مشروعات الفوضى الخلاقة؛ التي فشلت في الستينيات؛ مثل تهديد عبد الكريم قاسم حاكم العراق بغزو الكويت، وتهديد إيران بغزو العراق، وتهديد تركيا لسوريا، ومشكلات لبنان الداخلية، كل هذه المشروعات فشلت؛ حينما كانت مصر تقود ثم نفس هذه المشروعات نجحت بعد ذلك؛ لغياب مصر عن القيادة.

 ثانيا: خطوات الفوضى الخلاقة ومجالات استخداماتها:
عرضنا في الجزء السابق جذور فكرة الفوضى الخلاقة والتي ترجع للماسونية العالمية وهى منظمة سرية تتبع الصهيونية العالمية ويتفرع من هذه المنظمة أو يتبعها العديد من الجماعات الأخرى بل ويمتد تأثيرها ونفوذها إلى كثير من الحكومات والمنظمات الدولية سواء من خلال رجالها أو من خلال وسائل الإغراء أو الضغط أو الرشاوى وغيرها من السبل وبوجه عام تمر عملية الفوضى الخلاقة بعدة خطوات أو مراحل متكاملة يمكن ايجازها في الاتي:

ثانيا: خطوات الفوضى الخلاقة:

1- مرحلة المهد والتخطيط: وتبدا حينما يكون هناك جهة معينة أو حكومة أو فرد يشعر بعدم الرضا عن وضع معين أو سياسة محددة أو فرد أو نظام معين ولا يستطيع مواجهة ذلك الموقف أو تغييره بالوسائل المباشرة أو الصحيحة فيلجأ إلى أساليب غير شرعية وغير صريحة لتغير هذه الأوضاع بأساليب سرية فيبدأ في اجراء دراسات متعمقة لتحديد نقاط الضعف والسلبيات الموجودة في الجهة أو النظام المراد اسقاطه للخروج بأهم نقاط الضعف والسلبيات الموجودة للدخول منها وتحديد نقاط القوى للعمل على اضعافها أو تفتيتها .

2- مرحلة اختيار الاذرع المعاونة وبداية حملات التشويه: في هذه المرحلة يتم اختيار مجموعة صغيرة نسبيا من المحترفين في مجالات قيادة الجماهير على مختلف الأصعدة سواء الإعلامية أو الدينية أو الميدانية وهذه المجموعات محترفة وتعمل بأجر وليس لها علاقة بمبادئ أو قيم سياسية أو اجتماعية وخلافة وتركز هذه الجماعات على نشر نقاط الضعف والسلبيات القائمة وتضخيمها والعمل على تشوية أي قدوة في هذه المجتمعات وتشويه وابراز سلبيات القيادات والمسئولين والعمل على نشر شائعات لإيجاد فجوة بين الشعب والمسئولين وفى هذه المرحة يتم التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض مدعى الدين كما يتم العمل على هدم الرموز السياسية وغيرها والعمل على تشوية صورتها لدى الرأي العام واختلاق الأكاذيب حولها من خلال عدة وسائل أهمها:

وسائل الاعلام المختلفة من صحافة وإذاعة إلى الأفلام السينمائية والمسلسلات والأخطر هنا استخدام رجال الدين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال منحهم فرص عمل مجزية وجوائز وهدايا قيمة الثمن بجانب العمل في نفس الوقت على نشر الفن الهابط الذى يدعوا إلى هدم القيم الدينية والأخلاقية تحت ستار الحريات ونشر المثلية الجنسية (الشذوذ) والأفلام والأدوات الأخرى التي تدعو لذلك والتعري وخلافه وهدم الاسرة كما يتم فيها نشر دعاوى التسامح و الدعوة لقبول العدو وأن هناك مصالح مشتركة أهم وأن عداوات الماضي نوع من التعنت والعناد المهم يتم التركيز على هدم كل الإيجابيات والرموز وتدمير الأخلاق والقيم والأسرة والعمل على نشر الفن الهابط وتمجيد رموزه وإعطائهم المكافآت والجوائز وإبراز شخصيات جديدة على أنهم قيادات مستنيرة لتقود هذه المرحلة وهم في الحقيقية مجندين لخدمة اهداف المؤامرة واصحابها.

3- مرحلة التواصل مع الجمهور المستهدف من خلال الأذرع المحترفة التي سبق اختيارها: وبالطبع الجمهور المستهدف إثارته وقيادته يختلف من حالة لأخرى وحسب الهدف المراد تحقيقه ولكن في معظم حالات الفوضى الخلاقة تكون فئة الشباب هي الأداة الرئيسية المستهدفة في الفوضى الخلاقة وخاصة سن المراهقة لأنه من سمات هذه المرحلة العمرية الحماس والاندفاع والعنف والتمرد على أي سلطة والفراغ والسطحية وسهولة الانقياد وبالطبع هذه الفئة عادة لا تعرف شيء عن المؤامرة وخيوطها أو صاحبها أو من يحركها فهي تتحرك مع الأذرع الخفية بحسن نية عادة وهى للأسف تستخدم كأداة لإثارة الفوضى والقلاقل وهى وقود المعركة الذى يحترق لخدمة أغراض المؤامرة وغالبا بحسن نية وجهل وغياب وعى.

  4- مرحلة العمل الميداني والجماهيري: وهى التي تشهد عمليات إثارة الفوضى في الشوارع وما يصاحبها عادة من أعمال عنف وتخريب وتبدأ هذه الأعمال بقيادة الأذرع المساعدة في قيادة وإثارة العامة والمراهقين وسرعان ما تنسحب هذه الأذرع وتخرج من هذه الأعمال والميادين وتترك بقية المهمة وإحداث الشغب والعنف للعامة ومعظم هؤلاء من المراهقين والمغيبين والجهلاء وعادة ما يقع هؤلاء في قبضة الأمن وهم ليسوا أكثر من مجرد أداة مُستخدمة من قبل مدبري المؤامرة وأذرعها الخفية.

 وفى ضوء ما سبق فان الافراد المشاركة في الفوضى ثلاث مستويات:

المستوى الاول المدبرون وأصحاب المؤامرة وهم المخططون والممولون والمستفيدون من المؤامرة.

ثم المستوى الثاني وهم الاذرع التي يستخدمها المدبرون للمؤامرة وهم محترفين ويعلمون دورهم جيدا ويحصلون على المقابل المادي أو المعنوى.

 ثم المستوى الثالث ذو الأعداد الكبيرة والذين يقومون بأعمال الشغب والعنف ومعظمهم من البسطاء المنقادين والمراهقين ومعظمهم لا يعرف شيء عن المؤامرة أو أهدافها.

هذه هي أهم خطوات المؤامرة وحلقاتها وهى تستخدم في مجالات عديدة بالإضافة إلى المجال السياسي في كثير ما تستخدم بشكل بسيط في مباريات كرة القدم وفى الفن وغيرها من المجالات فمثلا في كرة القدم عندما يكون هناك فريق مهزوم وغير قادر علي الفوز فيلجأ إلى استفزاز لاعبى الفريق المنافس والضرب من خلف الحكم وغيره من أساليب استفزازية وخاصة بعض اللاعبين العصبيين في الفريق المنافس لإثارتهم بغرض الخروج عن شعورهم واحداث شغب وفوضى قد تؤدى إلى إلغاء المباراة ويكون ذلك في صالح الفريق المهزوم واستخدمت في المجال الفني بين بعض الفنانين في افساد حفل فنان منافس أخر وهكذا فهي تستخدم في مجالات عديدة أهمها وأخطرها المجال السياسي ومن هنا أهمية الدراسة المتأنية والمواجهة العلمية لهذه الظاهرة وعلينا أن نتذكر أن مصر هي قلب العروبة أو عمود الخيمة وإذا تم السيطرة على مصر أصبح من السهل السيطرة على الوطن العربي وكما يقول الأعداء مصر هي الجائزة الكبرى والهدف الكبير والأخير لهم.