الخوارق للعادة شهب ثاقبة

بقلم الدكتور والمفكر : عبد الكريم فتاح أمين

في الأغلب فالناس لن يخضعوا للحقائق السماوية بسهولة إلا أن يتعرض هؤلاء لضغوط متعددة متنوعة لانه من حيث عناصرهم يملكون غريزة الاستكبار والطيش وعدم الاعتبار والاعتراف بكيان غيره والاِستهتار، يدعي أنه مفكر وذا رواية واسعة جسيمة ولكن يملك التصور غير ناضج والخالي من التَّفْكير.
ولذا فالضنك والفاقة والخوف والاسقام والأمراض الفتاكة والحروب تسير فوق ما يتصورون.

أجل يرسل الله تعالى عليهم ضنك العيش والفاقة والحروب المدمرة والخوف الداخلي المفكك لمن تعرض له لأغراض، إذا تنبه المتعرض وفهم أنها من الله تعالى وابتدأ بالتوبة والإنابة والاستغفار من الله فهذه الأشكال تعتبر في حق المبتلى خيرا وجرسا منبهاوإن لم يتنبه ولم يتعظ بها فهي تعتبر شرا شرسا في حقه.

فالخوارق للعادة الشاملة للمعجزة والكرامات من أثقل ما أشرنا إليه، فالمنكر إذا رأى بعينيه شخصاً وجه إليه أشياء معجبة فوق قوته وعلمه وتصوره يخضع لأمر ذلك الشخص فجئة ويقبل بدون كنود وجحود.
فنحن نمثل بمثالين المتدفقين من القرآن الكريم:

الأول: أشخاص أو شخص جاحدون في عصر نزول الرسالة المسمى ( الْجُلَاسِ بْنِ سُوِيدٍ) ومن سار على مساره ولكنه أخفى ما لديه من سوء العقيدة تجاه دين الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم – ولكن الله يظهر ما أخفاه الجاحد، وأصبحت هذه الظاهرة معجزة كبيرة وتسببت لتوبة( الجلاس) ورجوعه من الباطل إلى الحق والحقيقة وبعض منهم استدام على ذلك الدجل والعمي:

تفسير البغوي “معالم التنزيل”: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا ﴾الآية. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلِّ حُجْرَةٍ فَقَالَ: «إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ فَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ، فَإِذَا جَاءَ فَلَا تُكَلِّمُوهُ»، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ طَلَعَ رَجُلٌ أَزْرَقُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ»؟ فَانْطَلَقَ الرجل وَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا بِاللَّهِ مَا قَالُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الْجُلَاسِ بْنِ سُوِيدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ بِتَبُوكَ فَذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ وَسَمَّاهُمْ رِجْسًا وَعَابَهُمْ، فَقَالَ جُلَاسٌ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لِنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ فَسَمِعَهُ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: أَجَلْ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ وَأَنْتُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَتَاهُ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ الْجُلَاسُ، فَقَالَ الْجُلَاسُ: كَذَبَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَمَرَهُمَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِفَا عِنْدَ الْمِنْبَرِ بعد العصر، فَقَامَ الْجُلَاسُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا قَالَهُ، وَلَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ عَامِرٌ، ثُمَّ قَامَ عَامِرٌ فَحَلَفَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ قَالَهُ وَمَا كَذَبْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى نَبِيِّكَ تَصْدِيقَ الصَّادِقِ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ: «آمِينَ»، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ على النبي قبل أن يتفرّقوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، حَتَّى بَلَغَ: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ، فَقَامَ الْجُلَاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَرَضَ عَلَيَّ التَّوْبَةَ، صَدَقَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ فِيمَا قَالَهُ لَقَدْ قُلْتُهُ وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إليه، فقبل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ذلك منه ثم تاب وحسنت توبته. ﴿ وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ﴾، أَيْ: أَظْهَرُوا الْكَفْرَ بَعْدَ إِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: هِيَ سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: كَلِمَةُ الْكُفْرِ قَوْلُ الْجُلَاسِ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لِنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ.

الثاني: أبو جهل ( عمرو بن هشام) توعد هذا العدو اللعين المطرود من رحمة الله تعالى بتوعد خطير تجاه رسول الاكرم – صلى الله عليه وآله وسلم – الذي جاء برسالة فيها فلاح ونجاح لهم كما يقص الله علينا في تلك الآيات:
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى)، نزلت الآيات الكريمة في حق عدو الله ورسول “أبو جهل” – عمرو بن هشام، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما قال أبوجهل لأهل قريش وقومه هل يُعفر “محمد” وجه بين أظهركم؟.. فقيل نعم – فقال: واللات والعزة لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن بقدمي هذا على عنقه أو لأعفر وجههُ في التراب فأتى رسول الله وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته، فما رأوا منه إلا وهو ينكص على عاقبيه ويتقي بيديه.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الصلاة في الكعبة، فقال له أبوجهل: يا “محمد” إذا سجدت عند الكعبة فسوف أطأ بقدمي على رأسك

فلما نزلت الآية: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)، فلم يُطعه رسول الله “صلى الله عليه وسلم” وتوجه إلى الكعبة ليُصلي، فقال “أبوجهل” مرة أخرى: يا “محمد” إذا سجدت عند الكعبة فسوف أدعو أهل قريش ليروا كيف أضع قدمي فوق رأسك، فعندما بدأ رسول الله “صلى الله عليه وسلم” الصلاة دعا أبوجهل أهل قريش وعشيرته، ثم ذهب إليه وعندما أقترب منه وقف صامتاً ثم تراجع إلى الخلف وهو يقول “مه” في خوفٍ وفزع، فقال أهل قريش وأعوانه: يا أبا جهل ها هو محمداً لم تطأ رأسه كما توعّدتهُ، بل رأيناك تراجعت.
قبل الإشارة إلى جواب أبي جهل عن سبب تراجعه عما يريد تحقيقه رؤي أنه متغير الوجه وانكسار الموقف قولاً وعملاً قلبا وقالبا ثم ابتدأ عن سبب تراجعه وعدم تحقيق عما وعد وتوعد وقال:
( إنَّ بيْني وبيْنه لخَنْدَقًا من نار وهَوْلًا وأجنِحة) ومعلوم أن عالم وشاعر بما حدث من حدوث أمر ما فوق طاقة هذا الرجل ولذا قال – صلى الله عليه وسلم : لو دنا منِّي لاخْتَطفَتْه الملائكةُ عُضْوًا عُضْوًا)
وفي رواية أخرى قال- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – ( لو فعل لأخذته الملائكةُ عيانًا ) أجل لقد أصبح أمر حضرة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – أعجوبة لأن المساندة الإلهية والقوة الصمدانية دوماً في الدفاع عنه متواصلا وما تغافل عنه طرفة العين، وفعل له كل ما يكون نجاحاً له ، وفي مجلس فاليهود أن ادعوا أنهم أولياء الله واحباؤه ، وقال ربه جل وعلا قل لهم تمنوا الموت إن كنتم في صدق في هذا الموضوع ، وما استطاعوا فعل ذلك، وقال حضرة صاحب الرسالة – صلى الله عليه وآله وسلم: ( ولو أن اليهودَ تمنَّوا الموت لماتوا)